[548] كانت بدايته حول خلق الإنسان ثمّ رزقه من قبل الله (الله الذي خلقكم ثمّ رزقكم ) إلاّ أن الكلام في الآيات محل البحث التي تتحدث عن العقاب يبدأ الكلام فيها أوّلا بالإشارة إلى زوال النعم على أثر المعاصي والذنوب، ثمّ الهلاك على أثر الشرك، لأنّه عند الهبة والعطاء "أوّل الأمر يذكر الخلق ثمّ الرزق".. وعند الإسترجاع، "فأوّل الأمر زوال النعمة ثمّ الهلاك". والتعبير بـ(كان أكثرهم مشركين ) مع الإلتفات إلى أنّ هذه السورة مكّية وكان المسلمون في ذلك الوقت قلّة، فلعل ذلك إشارة إلى أن لا تخافوا من كثرة المشركين، لأنّ الله أهلك من قبلهم من هو أشدّ منهم، واكثر جمعاً، وهو في الوقت ذاته إنذار للطغاة ليسيروا في الأرض فينظروا بأم أعينهم عاقبة الظالمين من قبلهم!. وحيث أن التصور والوعي والإنتباه، ثمّ العودة والإنابة إلى الله، كل ذلك لا يكون ـ دائماً ـ مفيداً ومؤثراً، ففي الآية التالية يوجه القرآن الخطاب للنبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) قائلاً: (فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدّعون )(1) أي يتفرقون "فريق في الجنّة وفريق في السعير". ووصف الدين بأنه "قيّم" مع ملاحظة أن "القيّم معناه الثابت والقائم" هو إشارة إلى أن هذا التوجه المستمر "أو الإقامة" هي للدين.. أي لأنّ الإسلام دين ثابت ومستقيم وذو نظام قائم في الحياة المادية والمعنوية للناس، فلا تمل عنه أبداً، بل أقم وجهك للدين القيم! وإنّما وجه الخطاب للنبيّ(صلى الله عليه وآله) ليعرف الآخرون واجبهم ووظيفتهم أيضاً. ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ كلمة "مردّ" في جملة "لا مرد له من الله" مصدر ميمي وهو هنا بمعنى اسم الفاعل فيكون معنى الجملة: لا رادّ له من الله. والضمير في "له" يعود إلى "يوم" ويكون المفهوم العام للجملة. لا يستطيع أي كان أن يعيد ذلك اليوم من الله، أي يقف بوجه القضاء والمحاكمة بتأخير ذلك اليوم و"تعطيله". والخلاصة: إنّه لا يخلف الله وعده ليعيد ذلك اليوم، وليس لأحد سواه القدرة على ذلك; فوقوع ذلك اليوم لابدّ منه وهو يوم محتوم" [ فلاحظوا بدقة] .