[74] وفي ذلك الوضع كان البعض من اليهود حين يتذكرون سلطتهم القوية السابقة، كانوا يقولون استهزاءً وسخرية ـ إنّ يد الله أصبحت مقيدة بالسلاسل (والعياذ بالله) وأنّه لم يعد يعطف على اليهود! ويقال: أنّ المتفوه بهذا الكلام كان الفخاس بن عازوراء رئيس قبيلة بني القينقاع، أو النباش بن قيس كما ذكر بعض المفسّرين. وبما أنّ سائر أبناء الطائفة اليهودية أظهروا الرضى عن أقوال كبار قومهم هؤلاء، لذلك جاء القرآن لينسب هذه الأقوال إِلى جميعهم، كما تقول الآية: (قالت اليهود يد الله مغلولة ...). ويجب الإِنتباه إِلى أنّ كلمة (اليد) تطلق في اللغة العربية على معان كثيرة ومنها (اليد العضوية) كما أن معانيها (النعمة) و(القدرة) و(السلطة) و(الحكم)، وبديهي أنّ المعنى الشائع لها هو اليد العضوية. ولما كان الإِنسان ينجز أغلب أعماله المهمّة بيده، فقد أطلقت من باب الكناية على معان أُخرى. وتفيدنا الكثير من الرّوايات الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام) أنّ هذه الآية تشير إِلى ما كان اليهود يعتقدون به حول القضاء والقدر والمصير والإِرادة، حيث كانوا يذهبون إِلى أنّ الله قد عين كل شيء منذ بدء الخليقة، وأنّ كل ما يجب أن يحصل قد حصل، وأنّ الله لا يستطيع من الناحية العملية ايجاد تغيير في ذلك(1). وبديهي أنّ تتمة الآية التي تتضمن عبارة (بل يداه مبسوطتان) ـ كما سيأتي شرحه ـ تؤيد المعنى الأوّل، كما يمكنأن يقترن المعنى الثّاني بالمعنى الأوّل في مسير واحد، لأنّ اليهود حين أفل نجم سلطانهم، كانوا يعتقدون أن هذا الأفول هو مصيرهم المقدر، وأنّ يد الله مقيدة لا تستطيع فعل شيء أمام هذا المصير. والله تعالى يرد على هؤلاء توبيخاً وذماً لهم ولمعتقدهم هذا بقوله: (غُلّت ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 649، تفسير البرهان، ج 1، ص 486.