( 11 ) والاِنسان إذا تأمّل في هذه الآية ونظائرها من الآيات التي تتكفّل بيان وظيفة المسلم، كالقيام إلى الصلاة في أوقات خمسة، يجدها محكمة التعبير، ناصعة البيان، واضحة الدلالة، تخاطب الموَمنين كافّة لترسم لهم وظيفتهم عند القيام إلى الصلاة. والخطاب ـ كما عرفت ـ يجب أن يكون بعيداً عن الغموض والتعقيد، وعن التقديم والتأخير ، وعن تقدير جملة أو كلمة حتى تقف على مضمونها عامّة المسلمين على اختلاف مستوياتهم من غير فرق بين عالم بالقواعد العربية أو لا . فمن حاول تفسير الآية على غير هذا النمط فقد غفل عن مكانة الآية ومنزلتها، كما أنّ من حاول تفسيرها على ضوء الفتاوى الفقهيّة لاَئمّة الفقه فقد دخل من غير بابها. نزل الروح الاَمين بهذه الآية على قلب سيد المرسلين، فتلاها على الموَمنين وفهموا واجبهم تجاهها بوضوح دون تردّد و دون أن يشوبها أي إبهام أو غموض، وإنّما دبّ الغموض فيها في عصر تضارب الآراء وظهور الاجتهادات. إنّ المسلمين في الصدر الاَوّل تعلّموا القرآن من أفواه القرّاء، وكانت المصاحف قليلة النسخ لا يصل إليها إلاّ النفر اليسير ، وإنّما انتشر نسخ القرآن في الحواضر الاِسلامية في العقد الثالث من القرن الاَوّل، وكانت المصاحف يومذاك مع قلّتها غير منقّطة، ولا معربة، وانّما نقّطت وأُعربت بعد منتصف القرن الاَوّل. بيد أنّ القرآن في الصدر الاَوّل كان محفوظاً في صدور الرجال ومأموناً عليه من الخطأ واللحن بسبب أنّ العرب كانت تقروَه صحيحاً حسب سليقتها الفطريّة التي كانت محفوظة لحدّ ذاك الوقت، أضف إلى ذلك شدّة عنايتهم بالاَخذ والتلقّي عن مشايخ كانوا قريبي العهد بعصر النبوة، فقد توفّرت الدواعي على حفظه وضبطه صحيحاً حينذاك.