( 10 ) فإذا كان الوضوء بهذه الاَهميّة كما نطق به الكتاب والسنّة، فمن الواجب الوقوف على أجزائه وشرائطه ونواقضه ومبطلاته، وقد تكفّلت الكتب الفقهيّة بيان هذه المهمّة، ولكن نختار للبحث في المقام تبيين ما اختلفت فيه كلمة الاَُمّة، وهو حكم الاَرجل من حيث المسح والغسل. ونرجو من اللّه سبحانه أن تكون الغاية من دراستنا هذه فهم الواقع بعيداً عن الهوى والعصبيّة والتحيّز إلى رأي دون رأي. الوضوء عبادة كسائر العبادات يُتَوَخّى منها التقرب إلى اللّه سبحانه ونيل رضاه، فيشترط في صحّتها: الاِخلاص والابتعاد عن الرياء، فهي نور لنور آخر، أعني: الصلاة، التي هي قرّة عين الموَمن. بيّن سبحانه الوضوء في الكتاب بقوله: (يا أيُّها الذِينَ آمنُوا إذا قُمْتُم إلى الصلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلى المَرافِقِ وامْسَحُوا بِرُوَوسِكُم وأرْجُلَكُم إلى الكَعْبَيْنِ وإنْ كُنتُمْ جُنباً فاطَّهّرُوا وإنْ كُنتُم مَرضَى أو على سَفَرٍ أوْ جاءَ أحدٌ ِمنُكم مِنَ الغائطِ أو لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُم وأيْدِيكُم مِنْهُ ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِن حَرَجٍ ولَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وُلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرون) (المائدة ـ 6). الآية تشكّل إحدى آيات الاَحكام التي تستنبط منها الاَحكام الشرعية العمليّة الراجعة إلى تنظيم أفعال المكلّفين فيما يرتبط بشوَون حياتهم الدينيّة والدنيويّة. وهذا القسم من الآيات يتمتع بوضوح التعبير، ونصوع الدلالة، فإنّ المخاطب فيها هي الجماهير الموَمنة التي ترغب في تطبيق سلوكها العملي وفقاً لها، وبذلك تفترق عن الآيات المتعلّقة بدقائق التوحيد ورقائق المعارف العقليّة التي تشدّ إليها أنظار المفكّرين المتضلّعين خاصة فيما يرتبط بمسائل المبدأ والمعاد.