ذاقَه ذَوْقاً وذَواقاً ومَذاقاً ومَذاقَةً : اختبَر طَعْمَه وأصْله فيما يقلُّ تَناوله فإِنَّ ما يَكثُر من ذلك يُقالُ له : الأَكْل وأَذَقته أَنْا إِذاقَة . وفي البَصائِر والمُفْرَدات : اخْتيرَ في القُرآنِ لَفْظ الذَّوْقِ للعَذابِ لأَنَّ ذلِكَ وإِنْ كانَ في التَّعارُفِ للقَلِيلِ فهو مُسْتَصْلَحٌ للكَثِيرِ فخَصَّهُ بالذكْرِ ليُعْلمَ الأَمرين وكَثُرَ اسْتعْمالُه في العَذابِ وقد جاءَ في الرَّحْمَة نحو قَوْلِه تَعالَى : " ولَئنْ أَذَقْناهُ رَحمَةً مِنّا " ويُعَبَّرُ به عن الاخْتِبارِ يُقالُ : أَذَقْتُه كذا فذَاقَ ويقال : فلانٌ ذاقَ كذا وأَنا أَكَلتهُ أَي خَبَرْتُه أَكثرَ مما خَبَرَه وقوله تَعالَى : " فأذَاقَها اللهُ لباسَ الجُوع والخَوْفِ " فاسْتِعمالُ الذَّوقِ مع اللَباسِ من أَجِّل أّنًّه أُرِيدَ بهِ التَّجْرِبَة والاخْتِبار أَي : جَعَلَها بحيث تمارِسُ الجُوعَ وقِيلَ : إنَّ ذلكَ على تَقدِير كَلامَينِ كأَنّه قِيلَ : أَذاقَها الجُوعَ والخوْفَ وأَلْبَسَها لِباسَهما وقوله تعالى : " وَلئْن أَذَقنَا الإِنْسانَ مِنّا رَحْمَةً " . اسْتعْملَ في الرَّحمَةِ الإِذاقَةَ وفي مُقابِلَتِها الإصَابَة في قوله تعالى : " وإنْ تصِبْهُم سَيئةٌ " . تَنْبيهاً على أنَّ الإنْسانَ بأَدْنَى ما يُعْطَى من النِّعْمَة يَبْطَر ويأشَر . قال المُصَنِّفُ : وقالَ بعضُ مَشايِخنا : الذَّوْقُ : مُباشَرَة الحاسَّةِ الظّاهِرَة أًو الباطِنةِ ولا يَخْتَصُّ ذلك بحاسةِ الفَم في لُغَةِ القُرآنِ ولا في لُغَةِ العَرَب قالَ تعالى : " وذُوقُوا عَذابَ الحَرِيقِ " وقالَ تعالَى : هذا فَلْيَذُوقُوه حَمِيمٌ وغَسّاقٌ " . وقالَ تَعالَى : " فأَذاقَّها اللهُ لباسَ الجُوعَِ والخَوفِ " . فتَأَملْ كيفَ جَمَع الذَّوقُ واللِّباسَ حتّى يدُلَّ على مُباشَرةِ الذَّوْقِ وإحاطَتِه وشمُولِه فأَفاد الإِخْبارُ عن إِذْاقَته أَنَّه واقِعٌ مُباشَر غَيْرُ مُنْتَظَر فإِنَّ الخَوْفَ قد يُتَوَقع ولا يُباشَر وأَفادَ الإخْبارُ عن لِباسهِ أَنّه مُحيطٌ شامِلٌ كاللِّباسِ للبَدَنِ وفي الحَديثِ : " ذاقَ طَعْمَ الإِيمانِ مَنْ رَضِيَ باللهِ رَبًا وبالإسلام ديناً وبمُحَمد رَسُولاً " فأَخْبَر أَنَّ للإيمانِ طَعْماً وأَنَّ القَلْبَ يَذُوقه كما يَذُوقُ الفَم طَعْم الطَّعامِ والشَّراب وقد عَبَّرَ النَّبيُّ A عن إدْراكِ حَقِيقَةِ الإِيمان والإِحْسانِ وحصولهِ للقلبِ ومُباشرَتِه له بالذَّوْقِ تارَة وبالطَّعام والشَّرابِ تارةً وبوجْدان الحَلاوَةِ تارةً كما قال : " ذاقَ طَعْمَ الإِيمانِ... الحديث " وقالَ : " ثَلاثٌ مَنْ كنَّ فيهِ وَجَدَ حلاوةَ الإِيمانِ " . قالَ : والذَّوْقُ عندَ العارِفيقَ : مَنْرِلَةٌ من مَنازِلِ السالكِينَ أَثبَتُ وأَرْسَخُ من كَل منزلَة الوَجْدِ فتَأَملْ ذلك . ومن المَجاز ذاقَ القَوْسَ ذوقاً : إِذا جذبَ وَتَرَها اخْتِبارًا ليَنظُر ما شِدِّتُّها قال الشَّمّاخُ : .
فذاقَ فأَعْطَتْهُ من اللِّينِ جانِباً ... كَفى ولَهَا أَن يغْرِقَ النَّبْلَ حاجزُ أي : لَها حاجِزٌ يمنَعُ من إغراقٍ . وما ذاقَ ذَواقاً أَي : شيْئاً والذَّواقُ فَعالٌ : بمعنى مَفْعُول من الذَّوْقِ ويقعُ على المَصْدَرِ والاسمَ وفي الحَدِيثِ : " لم يَكُن يَذُمُّ ذَواقاً " وفي الحَدِيثِ - في صفَةِ الصَّحابَةِ - : " يَدْخلُونَ رُوّاداً ولا يتَفَرَّقونَ إِلاّ عَنْ ذَواق ويَخرُجُونَ أدلَّةً " قال القُتَيْبيُّ : الذَّواقُ : أَصْلُه الطَّعْمُ ولمِ يُرِدِ الطَّعمَ ههُنا ولكنِّهُ ضَربَهُ مثلاً لما يَنالُونَ عِنْدَه من الخَيْرِ وقالَ ابن الأنْبارِيِّ : أراد لا يَتَفَرَّقونَ إِلاّ عَن عِلْمٍ يتَعَلَّمُونَه يقومُ لهم مَقامَ الطَّعامِ والشَّرابِ لأَنّه كانَ يَحْفَظُ أَرْواحهُفم كما كانَ يَحْفَظُ الطَّعامُ أجْسامَهُمْ . وقالَ أبو حَمزَةَ : يقال : أَذاقَ زَيْدٌ بَعْدَك سَرْوًا أَي صارَ . سَرِيًّا وكَرَماً أي : صارَ كَرِيماً وأَذاقَ الفَرَسُ بعدَك عَدْوًا أَي : صارَ عَدّاءً بعدَك وهو مَجازٌ . وتِذوَّقَهُ أي : ذاقَهُ مَرةً بعدَ مَرَةِ وشَيئاً بعدَ شَيءْ . وتَذاوَقُوا الرِّماحَ : إِذا تَناوَلوها قالَ ابن مُقْبِل :