فإِنّه أُخْرِجَ مُخْرَجَ النَّفْيِ أَي : لا تَرْجُوا مِنِّي ذلِك . ويَقَعُ خَبَراً قَبْلَ ما لا يَسْتَغْنِي عَنْه كَكَيْفَ أَنْتَ ؟ وكَيْفَ كُنْتَ ؟ . ويَكُونُ حالاً لا سُؤالَ معه كقَوْلِكَ : لأُكْرِمَنَّكَ كَيْفَ كُنْتَ أَي : عَلى أَيِّ حالٍ كُنْتَ وحالاً قَبْلَ ما يَسْتَغْنِي عَنْهُ ككَيْفَ جاءَ زَيْدٌ ؟ . ويَقَعُ مَفْعولاً مُطْلَقاً مثل : " كَيْفَ فَعَل رَبُّكَ " . وأَما قَوْلُه تعالى : " فكَيْفَ إِذا جِئْنَا مِنْ كُلّش أُمَّةٍ بشَهِيدٍ " فهو تَوْكِيدٌ لِما تَقَدَّمَ من خَبَرٍ وتَحْقِيقٌ لما بعَده على تَأْوِيلِ إِنَّ الله لا يَظْرِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ في الدُّنْيا فكَيْفَ في الآخِرَةِ ؟ وقِيلَ : كيفَ يُسْتَعْمَلُ على وَجْهَيْنِ : أَحَدُهما : أَن يكونَ شَرْطاً فيَقْتَضِي فعْلَيْنِ مُتَّفِقَي اللَّفْظِ والمَعْنَى غيرَ مَجْزُومَيْنِ ككَيْفَ تَصْنَعُ أَصْنَعُ ولا يَجوزُ كَيْفَ تَجْلِسُ أَذْهَبُ باتِّفاقٍ . والثاني : - وهو الغالِبُ - أَنْ يكونَ اسْتِفْهاماً وقد ذَكَرَه المُصَنِّفُ قَرِيباً . وفي الارْتِشاف : كَيْفَ : يكونُ اسْتِفْهاماً وهي لتَعْمِيم الأَحْوالِ وإِذا تَعَلَّقَت بجُمْلَتَيْنِ فقالُوا : يكونُ للمُجازاةِ من حَيْثُ المَعْنَى لا مِنْ حَيْثُ العَمَل وقَصُرت عن أَدوات الشَّرْطِ بكَوْنِها لا يَكُونُ الفِعلانِ مَعَها إلا مُتَّفِقَيْنِ نحو : كيفَ تَجْلِسُ أَجلِسُ . وقالَ شَيْخُنا : كَيْفَ : إِنما تُسْتَعْمَلُ شَرْطاً عند الكُوفِيِّينَ ولم يَذْكُرُوا لها مِثالاً واشْتَرَطُوا لها مع ما ذَكَر المُصنِّفُ أَن يَقْتَرِنَ بها ما فيُقالُ : كَيْفَما وأَمّا مُجَرَّدةً فلم يَقُل أَحَدٌ بشَرْطِيَّتها ومن قال بشَرْطِيَّتِها - وهم الكُوفِيُّون - يَجْزِمُونَ بها كما في مبادِئ العَرَبِيَّة ففي كلامِ المُصَنِّفِ نَظَرٌ من وَجُوهٍ . قلتُ : وهذا الذي أَشارَ له شيْخُنا فقد ذَكَره الجوهريُّ حيثُ قال : وإِذا ضَممْتَ إليه ما صَحَّ أَن يُجازَى به تَقُولُ : كَيْفَما تَفْعَلُ أَفْعَلْ . وقال ابنُ بَرِّيّ : لا يُجازَى بكَيْفَ ولا بَكَيْفما عندَ البَصْرِيِّينَ ومِنَ الكُوفِيِّينَ من يُجازِي بكَيْفَما فتَأَمَّلْ هذا مع كلامِ شَيْخِنا . وقال سِيبَوَيْهِ : إِنَّ كَيْفَ : ظَرْفٌ . وعن السِّيرافِيّ والأَخْفَش : لا يَجُوزُ ذلِك أَي أَنَّها اسمٌ غيرُ ظَرْفٍ . ورَتَّبُوا على هذا الخِلافِ أُموراً : أَحْدُها : أَنَّ موضِعَها عندَ سِيبَوَيْهِ نَصْبٌ وعندَهُما رَفْعٌ من المُبْتَدإِ نَصْبٌ مع غيرِه . الثاني : أَنَّ تَقْدِيرَها عندَ سِيَبَويْهِ في أَيِّ حالٍ أَو عَلى أَيِّ حالٍ وعِنْدَهُما تَقْدِيرُها في نحو : كَيْفَ زَيْدٌ ؟ أَصَحِيحٌ ونحوُه وفي نحو ؟ : كَيْفَ جاءَ زَيْدٌ ؟ راكِباً جاءَ زَيْدٌ ونَحْوه . الثالث : أَنَّ الجَوابَ المُطابِقَ عندَ سِيبَوَيْه : على خَيْرٍ ونَحْوه وعندَهُما : صَحِيحٌ أَو سَقِيمٌ ونحوه . وقال ابنُ مالِكٍ : صَدَقَ الأَخْفَشُ والسِّيرافِيُّ لم يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ كَيْفَ ظَرْفٌ إِذ لَيْسَ زَماناً ولا مَكاناً ونَعَم لمّا كانَ يُفَسَّرُ بقَوْلِكَ : على أَيِّ حالٍ - لكَوْنِه سُؤالاً الأَحْوالِ العَامَّةِ - سُمِّيَ ظَرْفاً لأَنَّها في تَأْوِيلِ الجارَّ والمَجْرُورِ واسمُ الظَّرْفِ يُطْلَقُ عَلَيْهما مَجازاً . وفي الارتِشافِ : سِيبَوَيْهِ يَقُول : يُجازَى بكَيْفَ والخَلِيلُ يَقُول : الجَزاءُ بهِ مُسْتَكْرَةٌ وقال الزَّجاجُ : وكُلُّ ما أَخْبر الله تعالى عن نَفْسِه بلَفْظِ كيفَ فهو اسْتِخبارٌ على طَرِيقِ التَّنْبِيهِ للمُخاطَبِ أَو تَوْبِيخٌ كما تَقَدَّمَ في الآيةِ . قالَ ابنُ مالِكٍ : ولا تَكُونُ عاطِفَةً كما زَعَمَ بعضُهم مُحْتَجّاً بقَوْلِه أَي الشاعر : .
إِذا قَلَّ مالُ المَرْءِ لانَتْ قَناتُه ... وهانَ على الأَدْنَى فكَيْفَ الأَباعِدِ ؟