فإِنَّما خفَّفَه ضَرُورةً ؛ لأَنَّه لا يَصْحُّ الجمعُ بين السّاكِنَيْنِ في حَشْو البَيْت وهذا كما تَرىَ لا وَهَمَ فيه لأَنَّ النَّكِرَةَ إِذا أُريدَ لَفْظُها جازَ تَعريفُها كما هو مَنْصُوصٌ عليه . وأَما قولُه : ولا يُقالً : جاءَت الكَافَّةُ فهو الذي أَطْبَقَ عليه جَماهِيرُ أَئِمَّةِ العربيَّةِ وأَوْرَدَ بَحْثَه النَّوَوِيُّ في التَّهْذِيب وعابَ على الفُقَهاءِ وغيرهُم اسْتِعْمالَه مُعَرَّفاً بأَلْ أَو الإِضافَةِ وأَشارَ إليه الهَرَويُّ في الغَرِيبَيْن وبسَطَ القولَ في ذلك الحَرِيريُّ في دُرَّةِ الغَوّاصِ وبالغَ في النَّكِيرِ على من أَخْرَجَه عن الحالِيَّةِ وقالَ أَبو إِسحاقَ الزَّجاجُ في تَفْسِير قوله تَعالى : " يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا في السِّلْمِ كافَّةً " قالَ : كافَّةً بمعنَى الجَمِيعِ والإِحاطَةِ فيجوزُ أَن يَكُونَ مَعنْاه ادْخُلُوا في السِّلْمِ كُلِّه أَي في جَمِيعِ شَرائِعِه ومعنى كافَّةً في اِشْتِقاقِ اللُّغَةِ : ما يَكُفُّ الشَّيْءَ في آخِرِه فمَعْنَى الآية : ابْلُغُوا في الإِسلامِ إلى حَيْثُ تَنْتَهِي شَرائِعُه فتُكَفُّوا من أَنْ تَعُدُوا شَرائِعَه وادْخُلُوا كُلُّكُم حتى يُكَفَّ عن عَدَدٍ واحدٍ لم يَدْخُلْ فيه وقالَ : وفي قَولِه تَعالَى : " وقاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً " منصوبٌ على الحالِ وهو مَصْدَرٌ على فاعِلَةٍ كالعافِيَةِ والعاقِبَةِ وهو في مَوْضِع قاتِلُوا المُشْرِكِين مُحِيطِينَ قالَ : فلا يَجُوزُ أَن يُثَنَّى ولا أَنْ يُجْمَعَ ولا يُقال : قاتِلُوهُم كافّاتٍ ولا كافِّينَ كما أَنَّك إِذا قُلْتَ : قاتِلْهُم عامَّةً لم تُثَنِّ ولم تَجْمَعْ وكذلك خاصَّةً وهذه مَذْهَبُ النَّحْويين قال شيخنا : ويَدُلُّ على أَنَّ الجَوْهَريَّ لم يُرِدْ ما قَصَدَه المُصَنِّفُ أَنَّه لمّا أَرادَ بيانَ حُكْمِها مثَّلَ بما هُوَ موافِقٌ لكلامِ الجُمْهُورِ . علَى أَنَّ قولَ الجُمْهُورِ كالمُصَنّفِ : لا يُقالً : جاءَت الكافَّةُ ردَّه الشِّهابُ في شَرْح الدُّرَّةِ وصحَّحَ أَنَّه يُقال وأَطالَ البحثَ فيهِ في شرح الشِّفاءِ ونقَله عن عُمَرَ وعَلِيٍّ Bهُما وأَقَرَّهُما الصّحابَةُ وناهِيكَ بهم فَصاحَةً وهو مَسْبُوقٌ بذلكَ فقد قالَ شارِحُ اللُّبابِ : إِنَّه اسْتُعْمِلَ مَجروراً واستَدَلَّ له بقولِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ Bه : " على كافَّةِ بَيْتِ مالِ المُسْلِمِينَ " وهو من البُلَغاءِ ونَقَله الشُّمُنِّيُّ في حواشِي المُغْنِي وقل الشيخُ إِبراهيمُ الكُورانِيُّ في شرحِ عَقِيدَةِ أُستاذِه : من قالَ من النُّحاةِ إِنَّ كافَّةً لا تَخْرُجُ عن النّصْبِ فحُكْمُه ناشئٌ عن اسْتِقْراءِ ناقِصٍ قالَ شَيْخُنا : وأَقُولُ : إِنْ ثَبَتَ شيءٌ مما ذَكَرُوه ثُبُوتاً لا مَطْعَنَ فيه فالظّاهِرُ أَنَّه قَلِيلٌ جِداً والأَكثَرُ استعمالُه على ما قالَه ابنُ هشامٍ والحَرِيرِيُّ والمُصنَّفُ . وكَفَّت النّاقَةُ كُفُوفاً : كَبِرَتْ فقَصُرتْ أَسْنانُها حتى تَكادَ تَذْهَبُ فَهِي كافٌّ وكذلك البَعِيرُ نقله الجوهرِيُّ وفي اللِّسانِ : فإذا ارْتَفعَ عن ذلكَ فالبَعِيرُ ماجُّ قال الصَّاغانِيُّ : وناقَةٌ كَفُوفٌ مثلُه . وكَفَّ الثَّوْبَ كَفّاً : خاطَ حاشِيَتَه قالَ الجَوْهَرِيُّ : وهو الخِياطَةُ الثانِيَةُ بعد الشَّلِّ كذا في النُّسَخ وفي الصِّحاحِ والعُبابِ : بعدَ المَلِّ وهي الكِفافَةُ وهو مجازٌ . وكَفَّ الإِناءَ كَفّاً : مَلأَهُ مَلأً مُفْرِطاً فهو ثَوْبٌ مَكْفُوفٌن وإِناءٌ مَكْفُوفٌ . وكَفَّ رِجْلَه كَفّاً : عَصَبَها بِخِرْقَةٍ ومنه حَدِيثُ الحَسَنِ : قالَ له رجُلٌ : إِنَّ بِرِجْلِي شُقَاقاً قالَ : اكْفُفْه بخِرْقة . أي : اعْصِبْه بها واجْعَلْها حَوْلَه . ومن المجازِ : عَيْبَةٌ مَكْفُوفَةٌ : أَي مُشَرَّجَةٌ مَشْدُودَةٌ كما في الصِّحاح وفي الحديثِ في كِتابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم في صُلحِ الحُدَيْببَةِ حينَ صالَحَ أَهَل مَكَّةَ وكتَبَ بينَهُ وبَيْنَهُم كتاباً فكَتَب فيه أَنْ لا إِغْلالَ ولا إِسْلالَ وأَنَّ بَيْنَهُمْ عَيْبَةً مَكْفُوفَةٌ أَرادَ بالمَكْفُوفَةِ : التي أُشْرِجَتْ على ما فِيها وقُفِلَت ومَثَّلَ بِها الذِّمَّةَ المَحْفُوظَةَ التي لا