أَو كُلُّ مَوْضِعٍ صَلَحَ فِيهِ بَيْنَ فهُوَ وَسْطٌ بالتَّسْكِينِ وإِلاَّ فبِالتَّحْرِيكِ وهذا نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ .
قال : ورُبَّمَا سُكِّنَ ولَيْسَ بالوَجْهِ كقَوْلِ الشّاعِرِ وهو أَعْصُرُ بنُ سَعْدِ بنِ قَيْسِ عَيْلانَ : .
وقَالُوا يَالَ أَشْجَعَ يَوْم هَيْجٍ ... ووَسْطَ الدّارِ ضَرْباً واحْتِمَايَا قال ابنُ بَرِّيّ : وأَمّا الوَسْطُ بسُكُونِ السِّين فهُوَ ظَرْفٌ لا اسْمٌ جَاءَ على وَزانِ نَظِيرِهِ في المَعْنَى وهُوَ بَيْنَ تَقُولُ : جَلَسْتُ وَسْطَ القَوْم أَي بَيْنَهُمْ . ومنه قَوْلُ أَبي الأَخْزَرِ الحِمّانيّ : .
" سَلّو لو أَصْبَحْتِ وَسْطَ الأَعْجَمِ أي بَيْنَ الأَعْجَمِ . وقال آخَرُ : .
أَكْذَبُ من فاخِتَةٍ ... تَقُولُ وَسْط الكَرَبِ .
والطَّلْعُ لَمْ يَبْدُ لَهَا ... هَذا أَوانُ الرُّطَبِ وقال سَوَّارُ بنُ المُضرّب : .
إِنّي كَاَنِّي أَرَى مَنْ لا حَياءَ لَهُ ... ولا أَمانَةَ وَسْطَ النّاسِ عُرْيَانَا وفي الحَدِيثِ أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسْطَ القَوْمِ أَيْ بَيْنَهُمْ . ولَمّا كانَتْ بَيْنَ ظَرْفاً كانت وَسْطَ ظَرْفاً ولهذَا جاءَتْ سَاكِنَةَ الأَوْسَط لِتَكُونَ على وِزَانِهَا ولَمّا كانَتْ بَيْنَ لا تَكُونُ بَعْضاً لِمَا يُضَافُ إِلَيْهَا بخِلافِ الوَسَطِ الَّذِي هو بَعْضُ ما يُضَافُ إِلَيْه كَذلِكَ وَسْط لا تكُونُ بَعْضَ ما تُضَافُ إِلَيْه أَلا تَرَى أَنَّ وَسَطَ الدّارِ مِنْهَا ووَسْط القَوْمِ غَيْرهم ومِنْ ذلِكَ قَوْلُهم : وَسَطُ رَأْسِه صُلْب لأَنَّ وَسَطَ الرّأْسِ بَعْضها وتَقُولُ : وَسْطَ رَأْسِهِ دُهْنٌ . فتَنْصِبُ وَسْطَ على الظَّرْف . ولَيْسَ هو بَعْضَ الرَّأْسِ . فقَدْ حَصَلَ لَكَ الفَرْقُ بَيْنَهُما من جِهَةِ المَعْنَى ومِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ . أَمَّا من جِهَةِ المَعْنَى فإِنَّهَا تَلْزَمُ الظَّرْفِيَّةَ ولَيْسَتْ باسْمٍ مُتَمَكِّنٍ يَصِحُّ رَفْعُهُ ونَصْبُه عَلَى أَنْ يَكُونَ فاعِلاً ومَفْعُولاً وغَيْرَ ذلِكَ بِخلافِ الوَسَطِ .
وأَمَّا من جِهَةِ اللَّفْظِ فإِنَّهُ لا يَكُونُ مِنَ الشَّيْءِ الَّذِي يُضَافُ إِلَيْهِ بخِلافِ الوَسَطِ أَيْضاً . فإِنْ قُلْتَ : قَدْ يَنْتَصِبُ الوَسَطُ عَلَى الظَّرْفِ كما يَنْتَصِبُ الوَسْط كقَوْلِهِم : جَلَسْتُ وَسَطَ والدّارِ وهُوَ يَرْتَعِي وَسَطاً ومِنْهُ ما جاءَ في الحَدِيثِ : أَنَّهُ كانَ يَقِفُ في الجَنَازَةِ عَلَى المَرْأَةِ وَسَطَها فالجَوَابُ أَنَّ نَصْبَ الوَسَطِ على الظَّرْفِ إِنَّمَا جاءَ عَلَى جِهَةِ الاتِّسَاعِ والخُرُوجِ عَنِ الأَصْلِ عَلَى حَدِّ ما جَاءَ الطَّرِيق ونَحْوهُ وذلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ : .
" كَما عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ ولَيْسَ نَصْبُهُ عَلَى الظَّرْفِ عَلَى مَعْنَى بَيْنَ كَمَا كانَ ذلِكَ فِي وَسْط أَلا تَرَى أنَّ وَسْطاً لاَزِمٌ للظَّرْفِيّة ولَيْسَ كَذلِكَ وَسَطٌ بَلِ الّلازِمُ لَهُ الاسْمِيَّة في الأَكْثَرِ والأَعَمّ ولَيْسَ انْتِصَابُه عَلَى الظَّرْفِ - وإِنْ كانَ قَلِيلاً في الكَلامِ - عَلَى حَدِّ انْتِصَابِ الوَسْطِ فِي كَوْنِهِ بِمَعْنَى بَيْنَ فافْهَم ذلِكَ . قال : واعْلَمْ - أَنَّهُ مَتَى دَخَلَ عَلَى وَسْط حَرْفُ الوِعَاءِ - خَرَجَ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ ورَجَعُوا فِيه إِلَى وَسَط ويَكُونُ بمَعْنَى وَسْط كقَوْلِكَ : جَلَسْتُ فِي وَسَطِ القَوْمِ