النّاسُ حَتَّى أَزالُوه وأَخْرَجُوا أَفْريدُونَ جَدَّ بَني سلسَانَ مِنْ مَكْمَنِه وجَعَلُوه مَلِكاً وتَوَّجُوه في قصَّةٍ طَوِيلَةٍ ذكَرَها أَرْبَابُ التَّوَارِيخِ ذاتِ تَهَاوِيلَ وخُرَافاتٍ ولِذَا لَمْ يَكُنْ يَحْمِلُ لوَاءَ مُلوكِ الفُرْس مِنْ آلِ سَاسَانَ إِلاَّ أَهْلُ أَصْبَهَانَ أَشارَ إِلَيْه ياقُوت . أَوْ لأَنَّهُم لَمّا دَعَاهُمْ نُمْرُوذُ إِلَى مُحَارَبَةِ مَنْ في السَّمَاءِ في قصّةٍ ذَكَرَهَا أَهْلُ التَّوَارِيخِ كَتَبُوا في جَوَابِه : أَسْبَاه آنْ نَه كِهْ باخد اجَنْكْ كُنَد أَيْ هذا الجُنْدُ ليسَ مِمَّنْ يُحَارِبُ اللهَ فآنْ مَمْدُواً : اسْمُ الإِشَارَة ونَهْ بالفَتْحِ : عَلاَمَةُ النّفْيِ وكِهْ بالكَسْرِ : بمعْنَى الَّذِي وبَاخُدَا أَي مَعَ اللهِ وخُدَا بالضّمِّ اسمُ اللهِ وأَصْلُه خُودَاي ويَعْنُون بذلِكَ وَاجِبَ الوُجُودِ وجَنْك بالفَتْح : الحَرْبُ وكُنَد بالضّمِّ وفتحِ النّون : تأْكيدٌ لِمَعْنَى الفِعْلِ ويُعَبَّرُ بِهِ عن المُفْرَد أَي لَيْسَ مِمّن ولَوْلاَ ذلِكَ لَكَانَ حَقُّه كُنَنْد بنُونَيْنِ نظراً إِلَى لَفْظ أَسْباهان بمَعْنَى الأَجْنَادِ فتَأَمَّلْ . ثُمَّ إِنَّ هذا القَوْلَ الَّذِي ذَكَرَه المُصَنِّفُ نَقَلَه ابنُ حَمْزَةَ وحَكَاه ياقُوت وقَالَ : قد لَهِجَتْ به العَوَامُّ ونَصُّ ابنِ حَمْزَةَ : أَصْلُه أَسْبَاهْ آن أَيْ هُمْ جُنْدُ الله قالَ يَاقُوت : وما أُشَبِّهُ قَوْلَهُ هذا إِلاَّ باشْتِقاقِ عَبْدِ الأَعْلَى القاصّ حِينَ قِيلَ لَهُ : لِمَ سُمِّىَ العُصْفُور عُصْفُوراً ؟ قالَ : لأّنَهُ عَصَى وفَرّ قِيلَ لَهُ : فالطَّفَيْشَلُ ؟ قالَ : لأَنَّهُ طَفَا وشَالَ . أَوْ مِنْ أَصْب هكذا في سائِرِ النُّسَخِ وقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّه بمَعْنَى الفَرَسِ وبالسَّينِ أَكْثَرُ في كَلاَمِهِمْ ثم قالَ شَيْخُنَا : فعِنْدِي أَنَّه يُسَلَّمُ عَلَى ما نَقَلُوه ويُجْعَلُ كُلّه لَفْظاً وَاحِداً ويُذْكَرُ في البَابِ الَّذِي يَكُونُ آخِرَ حَرْفٍ منه واللهُ أَعْلَمُ ومَا عَدَاه فكُلّه رَجْمٌ بالغَيْب ووُقُوع في عَيْب . انتَهَى . وقَدْ ذَكَرَ حَمْزَةُ بنُ الحَسَنِ في اشْتِقَاقِ هذه الكَلِمَةِ وَجْهاً حَسَناً وهُوَ أَنَّه اسْمٌ مُشْتَقٌّ من الجُنْدِيَّة وذلِكَ أَنَّ لَفْظَ أَصْبَهَانَ إِذا رُدَّ إِلَى اسْمِه بالفَارِسِيَةِ كَان : أَسْبَاهان وهِيَ جَمْعُ أَسْبَاه وأَسْبَاه : اسْمٌ للجُنْدِ والكَلْبِ وكَذلِكَ سَك اسمٌ للجُنْدِ والكَلْبِ وإِنّمَا لَزِمَهُمَا هذان الاسْمَانِ واشْتَرَكَا فِيهِمَا لأَنّ أَفْعَالَهُمَا وَفْقٌ لأَسْمَائِهِمَا وذلِكَ أَنّ أَفْعَالَهُمَا الحِرَاسِةُ فالكَلْبُ يُسَمَّى في لُغَةٍ : سَك وفي لُغَةٍ : أَسْبَاه ويُخَفّف فيُقَال : اسْبَهْ فعَلَى هذا جَمَعُوا هذَيْن الاسْمَيْنِ وسَمَّوْا بهما بَلَدَيْنِ كانَا مَعْدِنَ الجُنْدِ الأَسَاوِرَةِ فقالُوا لأَصْبَهَانَ : أَسْبَاهَان ولِسِجِسْتَانَ سِكَان وسِكِسْتَان . قُلْتُ : وهذا الَّذي نَقَلَه أَنّ أَسْبَاهَ : اسْمٌ لِلْكَلْبِ وأَنَ سَكْ اسْمٌ للجُنْدِ لَيْسَ ذلكَ مَشْهُوراً في لُغَتِهم الأَصْلِيّة كمَا راجَعْتُه في البُرْهَانِ القاطِع للتَّبْرِيزِيّ الَّذِي هو في اللُّغةِ عِنْدَهم كالقامُوسِ عندَنا فلمْ أَجِدْ فيهِ هذا الإِطْلاق اللّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بضَرْبٍ من المَجَازِ فتَأَمَّلْ . والَّذِي تمِيلُ نفْسِي إِلَيْهِ ما ذَكَرَهُ أَصحابُ السِّيَرِ أَنّها سُمِّيَتْ بأَصْبَهانَ ابنِ فَلوج بنِ لنطي بنِ يُونانَ بنِ يافِث وقال ابنُ الكَلْبِيّ : سُمِّيَتْ بأَصْبَهانَ بنِ الفَلُوجِ بن سامِ ابنِ نُوحٍ وقدْ أَغْفَلَه المُصَنِّفُ قُصُوراً ولمْ يتَنبَّه لِذلِكَ مَنْ تَكَلَّم في هذِه اللَّفْظة كالبَكْرِيّ والسُّهيْليّ والمِزِّيّ وابنِ أَبي شَرِيفٍ وشيْخِنا وغَيْرِهِمْ فاحْفَظْ ذلِكَ والله أَعْلَم . قالَ ياقُوت : وقد خَرَجَ مِنْ أَصْبَهانَ مِنَ العُلمَاءِ والأَئمَّةِ في كُلِّ فَنٍّ ما لَمْ يَخْرُجْ من مَدِينَةٍ من المُدُنِ وعَلى الخُصُوص عُلُوِّ الإِسْنادِ ؛ فإِنَّ أَعْمَارَ أَهْلِها تَطُولُ ولَهُمْ مَع ذلِكَ عِنَايَةٌ وَافِرَةٌ لِسِمَاعِ