أطرافِ أصابعٍ كالعنّاب بِثَغْرٍ كالبَرَد كان شيئاً يُتكلَّم بمثله وإن كان مرذولاً . وهذا موضعٌ لا يتبيَّنُ سرَّه إلاّ مَنْ كان ملتَهِبَ الطَّبْعِ حادَّ القريحة . وفي الاستعارةِ علمٌ كثيرٌ ولطائفُ معانٍ ودقائقُ فروقٍ . وسنقولُ فيها إن شاء الله في موضع آخر .
واعلمْ أنَّا أخذْنا في الجوابِ عن قولِهم : إنَّه لو كان الكلام يكونُ فصيحاً من أجل مزيَّةٍ تكونُ في معناه لكان ينبغي أن يكونَ تفسيرهُ فصيحاً مثلَه : قلنا إن الكلامَ الفصيحَ ينقسِم قسمين : قسم تُعْزَى المزيةُ فيه إلى اللفظ . وقسمٍ تُعْزَى فيه إلى النظم . وقد ذكرنا في القسمِ الأول من الحُجَجِ ما لا يَبْقى معه لعاقلٍ - إذا هو تأمَّلها - شكٌّ في بُطْلانِ ما تعلَّقَوا به من أنه يلزمُنا في قولِنا : " إنَّ الكلام يكونُ فصيحاً من أجل مزيَّةٍ تكون في معناه " أن يكونَ تفسيرُ الكلامِ الفصيحِ فصيحاً مثلَه . وأنه تهوُّسٌ منهم وتقحُّم في المحالات .
وأما القسمُ الذي تُعْزَى فيه المزيَّةُ إلى النَّظمِ فإِنَّهم إنْ ظنوا أنَّ سؤالهَم الذي اغترُّوا به يتجه لهم فيه كان أمرُهم أعجَب وكان جهلُهم في ذلك أغربَ وذلك أنَّ النظم كما بيَّنَّاهُ هو توخّي معاني النحو وأحكامِه وفروقِه وَوجوهه والعملُ بقوانينه وأصولِه وليستْ معاني النحو معاني الألفاظ فيتصوَّر أن يكونَ لها تفسيرٌ .
وجملةُ الأمر أنَّ النظمُ إنما هو أنَّ " الحمدَ " من قولِه تعالى : ( الحمدُ لله ربِّ العالمينَ الرَّحمنِ الرحيمِ ) مبتدأُ و " لله " خبر وربِّ صفةٌ لاسم الله تعالى ومضافٌ إلى العالمين والعالمين مضافٌ إليه والرحمن الرحيم صفتان كالربِّ ومالِك من قوله : ( مالِكِ يَوْمِ الدِّين ) صفةٌ أيضاً ومضافٌ إلى يوم و " يومِ " مضافٌ إلى الدين . وإياك : ضميرُ اسم الله تعالى مما هو ضميرٌ يقعُ موقعَ الاسمِ إذا كان الاسمُ منصوباً . معنى ذلك أنَّك لو ذكرتَ اسمَ الله مكانَه لقلتَ : الله نَعبدُ ثم أنَّ " نعبدُ " هو المقتضي معنى النصبِ فيه . وكذلك حكمُ " إياكَ نستعينُ " . ثم إنَ جملةَ " إياك نستعين " معطوفٌ بالواو على جملة " إياك نعبد " . و " الصِّراط " مفعولٌ و " المستقيم " صفةٌ للصراط و " صراط الذين " بدلٌ من الصراط المستقيم " وأنعمتَ عليهم " صلةُ الذين " وغير المغضوب عليهم " صفةُ الذين " والضالين " معطوفٌ على المغضوب عليهم