النرجسُ حقيقةً . ثم لا ترى من ذلك الحسنِ شيئاً . ولكن اعلمْ أن سببَ أنْ راقك وأدخل الأريحية عليك أنه أفادك في إثباتِ شدَّةِ الشبه مزيَّة وأوجدكَ فيه خاصّةً قد غُرِزَ في طَبْعِ الإِنسان أن يَرْتَاحَ لها ويجدَ في نفسِه هزَّةً عندها . وهكذا حكمُ نظائِرِه كقولِ أبي نواس - السريع - : .
( يَبْكي فَيُذْري الدُّرَّ عَنْ نَرْجِسٍ ... ويَلْطُمُ الوَرْدَ بِعُنَّابِ ) .
وقولِ المتنبي - الوافر - : .
( بَدَتْ قَمَراً ومالَتْ خُوطَ بانٍ ... وفاحَتْ عَنْبَراً وَرَنَتْ غَزالا ) .
وأعلم أنَّ من شأنِ الاستعارةِ أنك كلّما زدتَ إرادتَك التشبيهَ إخفاءً ازدادتِ الاستعارةُ حسناً . حتى إنك تراها أغربَ ما تكونُ إذا كان الكلامُ قد ألِّف تأليفاً إن أردتَ أن تُفصحَ فيه بالتشبيه خرجتَ إلى شيءٍ تعافُه النفسُ ويلفظُه السَّمعُ . ومثالُ ذلك قولُ ابنِ المعتز - مجزوء الرمل - : .
( أَثْمَرَتْ أَغْصانُ راحَتِه ... بِجِنانِ الحُسْنِ عُنَّابا ) .
ألا ترى أنك لو حملتَ نفسَك على أن تُظهر التشبيهَ وتُفصحَ به احتجتَ إلى أن تقول : أثمرتْ أصابعُ يدهِ التي هيَ كالأغصان لطالبي الحسنِ شبيهِ العنابِ من أطرافِها المخضوبة . وهذا ما تخفى غَثاثته . ومن أجل ذلك كان موقع العنَّاب في هذا البيتِ أحسَنَ منه في قوله : .
( وعضَّت على العنّاب بالبَرَدِ ... ) .
وذاك لأن إظهار التشبيه فيه لا يقْبُحُ هذا القبحَ المفرِط لأنك لو قلتَ : وعضَّتْ على