لك : زيدٌ المنطلقُ صار الذي كان معلوماً على جهِة الجواز معلوماً على جهةِ الوجوبِ . ثم إنهم إذا أرادوا تأكيدَ هذا الوجوبِ أدخلوا الضَّميرَ المسمَّى فصلاً بين الجزءين فقالوا : زيدٌ هو المنطلقُ .
ومنَ الفرق بينَ المسألتين - وهو ما تَمسُّ الحاجةُ إلى معرفته - أنك إذا نكَّرتَ الخبرَ جازَ أن تأتَي بمبتدأ ثانٍ على أن تُشْركَه بحرفِ العطف في المعنى الذي أخبرتَ به عن الأوَّل . وإذا عَرَّفتَ لم يَجُزْ ذلك . تفسيرُ هذا أنك تقول : زيدٌ منطلقٌ وعمرٌو . تريدُ : وعمروٌ منطلقٌ أيضاً . ولا تقولُ : زيدٌ المنطلقُ وعمرٌو . ذلك لأنَّ المعنى مع التعريفِ على أنك أردتَ أن تُثبتَ انطلاقاً مخصوصاً قد كان من واحدٍ فإذا أثبتَّه لزيدٍ لم يصِحَّ إثباتُه لعمرٍو . ثم إنْ كان قد كان ذلك الانطلاقُ من اثنينِ فإنه يَنْبغي أن يُجْمَعَ بينهما في الخبرِ فتقولُ : زيدٌ وعمرٌو هما المنطلقان لا أن تُفرِّقَ فتثبته أولاً لزيدٍ ثمُ تجيء فتثبتُه لعمرٍو . ومِنَ الواضح في تمثيلِ هذا النحوِ قولُنا : هو القائلُ بيتَ كذا كقولك : جريرٌ هو القائلُ - الطويل - : .
( ولَيْسَ لِسَيْفي في العِظَامِ بَقِيَّةٌ ... ) .
فأنت لو حاولتَ أن تُشْرِكَ في هذا الخبرِ غيرَه فتقولُ : جريرٌ هو القائلُ هذا البيتَ وفلانٌ حاولَت مُحالاً لأنه قولُهُ بعينِه . فلا يُتصَّورُ أن يَشْرَكَ جريراً فيه غيرُه .
واعلمْ أنكَ تجدُ الألف واللامَ في الخبرِ على معنى الجنسِ ثم تَرى له في ذلك وجوهاً : .
أحدُها : أن تقصُرَ جنسَ المعنَى على المخَبِر عنه لقصِدك المبالغةَ وذلك قولُك : زيدٌ هو الجوادُ وعمرٌو هو الشجاعُ تريدُ أنه الكاملُ . إلاَّ أنكَ تُخْرجُ الكلامَ في صورةٍ تُوهِمُ أنَّ الجُودَ والشجاعةَ لم توجدْ إلاّ فيه وذلك لأنك لم تعتدَّ بما كان من غيرِه لقصورِه عن أن يبلغَ الكمالَ . فهذا كالأولِ في امتناع العطفِ عليه للإشراك . فلو قلت : زيدٌ هو الجوادُ وعمرٌو كان خُلْفاً منَ القول .
والوجُه الثاني : أن تقْصُرَ جنسَ المعنى الذي تُفيدُه بالخبرِ على المُخَبر عنه لا على