معنى المبالغة وتركِ الاعتدادِ بوجودهِ في غير المُخْبَرِ عنه بل على دَعوى أنه لا يوجدُ إلاّ منه . ولا يكونُ ذلك إلاّ إذا قيَّدتَ المعنى بشيءٍ يخصِّصُه ويجعلُه في حكمِ نوعٍ برأسهِ وذلك كنحوِ أن يُقيَّدَ بالحالِ والوقتِ كقولك : هو الوفيُّ " حين لا تَظُنُّ نفسٌ بنفسً خيراً " . وهكذا إذا كان الخبرُ بمعنىً يتعدَّى ثمَّ اشترطتَ له مفعولاً مخصوصاً كقولِ الأعشى - من المتقارب - : .
( هُوَ الواهِبُ المِئَةَ المُصْطفاةَ ... إمّا مخاضاً وإمَّا عِشاراً ) .
فأنتَ تجعلُ الوفاءَ في الوقِت الذي لا يَفي فيه أحدٌ نوعاً خاصاً مِنَ الوفاء . وكذلك تجعلُ هِبَةَ المئة من الإبل نوعاً خاصاً منَ الوفاء وكذا الباقي . ثم إنك تجعلُ كلَّ هذا خبراً على معنى الاختصاص وأنه للمذكورِ دونَ مَنْ عداهُ ألا تَرى أنَّ المعنى في بيتِ الأعشى أنه لا يهبُ هذه الهبةَ إلاّ الممدوحُ وربما ظَنَّ أنَّ اللام في : .
( هُوَ الواهِبُ المِئَة المُصْطفاةَ ... ) .
بمنزلِتها في نحوِ : زيدٌ هو المنطلقُ من حيث كان القَصْد إلى هِبَةٍ مخصوصةٍ كما كان القصدُ إلى انطلاقٍ مخصوصٍ وليس الأمْرُ كذلك لأن القصدَ هاهُنا إلى جنسٍ منَ الهِبة مخصوصٍ لا إلى هبةٍ مخصوصةٍ بعينها . يدلُّك على ذلك أن المعنى على أنه يتكرَّرُ منه وعلى أنَّه يجعلُهُ يهبُ المئةَ مرةً بعدَ أخرى . وأمّا المعنى في قولك : زيدٌ هو المنطلقُ فعلى القَصْد إلى انطلاقٍ كان مرةً واحدةً لا إلى جنسٍ من الانطلاقِ . فالتكرُّرُ هناك غيرُ متصوَّرٍ كيفَ وأنتَ تقولُ : جريرٌ هو القائل .
( وَليْسَ لِسَيفي في العِظَامِ بَقِيَّةٌ ... ) .
تريدُ أن تُثْبتَ له قِيَل هذا البيتِ وتأليفَه . فافصِلْ بينَ أن تقصِدَ إلى نوعِ فعلٍ وبينَ أن تقصدَ إلى فعلٍ واحدٍ متعيَّنٍ حالُهُ في المعاني حالُ زيدٍ في الرجالِ في أنه ذاتٌ بعينها .
والوجهُ الثالث أن لا تقصِدَ قصرَ المعنى في جنسِه على المذكورِ لا كما كان في :