يَنْبغي أن يُحذَفَ فيها إلاَّ وأنت تجدُ حذفَه هناك أحسنَ من ذكرهِ وترى إضمارَه في النفس أولى وآنس مِنَ النطق به .
وإذْ قد بدأنا في الحذفِ بذكرِ المُبتدأ وهو حذفُ اسمٍ إذ لا يكون المبتدأ إلاَّ اسماً فإِني أُتبعُ ذلك ذكرَ المفعول به إذا حُذِف خصوصاً فإِنَّ الحاجَةَ إليه أمسُّ وهو بما نحنُ به أخصُّ واللطائفُ كأنها فيه أكثرُ وما يظهرُ بسببهِ مِنَ الحُسْن والرَّوْنَقِ أعجبُ وأظهرُ . وهاهنا أصلٌ يجب ضَبْطُه وهو أنَّ حالَ الفعل معَ المفعول الذي يتعدَّى إليه حالهُ مع الفاعل . وكما أنك إِذا قلت : ضَرَبَ زيدٌ . فاسندتَ الفعلَ إلى الفاعل كان غرضُك من ذلك أَنْ تثبتَ الضرْبَ فِعْلاً له لا أَنْ تفيدَ وجودَ الضَّرب في نفسه وعلى الإِطلاق . وكذلك إذا عدِّيتَ الفعلَ إلى المفعولِ فقلتَ : ضربَ زيدٌ عَمْراً . كان غرضُك أن تفيدَ التباسَ الضرب الواقعِ مِنَ الأول بالثاني ووقوعَه عليه فقد اجتمعَ الفاعلُ والمفعولُ في أَنْ عَمِل الفعلُ فيهما . إنَّما كان مِنْ أَجل أن يُعْلَمَ التباسُ المعنى الذي اشتقَّ منه بِهما . فعَمِل الرفعُ في الفاعل ليُعْلَمَ التباسُ الضَّربِ به من جهةِ وقوعهِ منه والنَّصْبُ في المفعول لِيُعْلَمَ التباسُه به من جهة وقوعه عليه . ولم يكنْ ذلك لِيُعْلَمَ وقوعُ الضَّربِ في نفسه . بل إذا أُريدَ الإخبارُ بوقوعِ الضَّرب ووجوده في الجملة من غير أن يُنْسَبَ إلى فاعلٍ أو مفعولٍ أو يَتَعَرَّضَ لبيانِ ذلك بالعبارةِ فيه أن يقالَ : كانَ ضربٌ أو وَقَع ضربٌ أو وُجِدَ ضربٌ . وما شاكلَ ذلك مِنْ ألفاظٍ تفيدُ الوجودَ المجرَّدَ في الشيء .
وإذْ قد عرفتَ هذه الجملةَ فاعلم أَنَ أغراضَ الناس تختلفُ في ذِكْرِ الأفعالِ المتعدِّية فَهُمْ يذكرونها تارةً ومُرادُهم أنْ يقتصروا على إثباتِ المعاني التي اشتقَّت منها لفاعلين من غير أن يتعرَّضُوا لذكرِ المفعولين . فإِذا كان الأمرُ كذلك كان الفعلُ المتعدي كغير المتعدي مثلاً في أنك لا ترى مفعولاً لا لفظاً ولا تقديراً . ومثالُ ذلك قولُ الناس فلانٌ يَحُلُّ ويَعقِد ويأمرُ وَينهَى ويَضُرُّ وَيَنْفَعُ . وكقولهم : هُوَ يُعْطي ويُجْزِلْ ويَقْري ويُضيفُ . المعنى في جميع ذلك على إثباتِ المعنى في نفسهِ للشيء على الإِطلاق وعلى الجملة من غير أن يتعرَّض لحديث المفعولِ حتى كأنك قلتَ : صار إليه الحَلُّ والعَقْد وصار بحيث يكون مِنه حَلٌّ وعَقْد وأَمْر ونَهْيٌ وضُرٌّ ونَفْع وعلى هذا القياس . وعلى ذلك قولُه تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والّذينَ لا يَعْلَمُونَ ) المعنى : هل يَسْتَوي مَنْ له عِلمٌ ومَنْ لا عِلْمَ