له من غَيْرِ أن يُقْصَدَ النَصُّ على معلوم . وكذلك قولُه تعالى : ( وأنًّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأَبْكَى وأَنَّهُ هُوَ أماتَ وأحْيا ) وقوله : ( وأنًّهُ هُوَ أَغْنَى وأقْنى ) المعنى : هو الذي منه الإحياءُ والإماتةُ والإغناءُ والإقناءُ .
وهكذا كلُّ موضع كان القصدُ فيه أن يثبتَ المعنى في نفسِه فِعْلاً للشيء وأن يُخبرَ بأنًّ من شأنِه أن يكونَ منه أوْ لا يكونَ إلاّ منه أوْ لا يكونَ منه . فإنَّ الفعلَ لا يُعدَّى هناك لأَنَّ تعديتَه تُنْقصُ الغرضَ وتُغَيِّر المعنى . ألا ترى أنك إذا قلتَ : هو يُعطي الدنانيرَ كان المعنى على أنك قصدتَ أن تُعْلِم السامعَ أنَّ الدنانيرَ تدخُلُ في عطائِه أو أنه يعطيها خصوصاً دونَ غيرها وكان غَرضُك على الجملة بيانَ جنسِ ما تناولَه الإعطاءُ لا الإعطاءَ في نفسِه . ولم يكن كلامُك مع مَنْ نفى أن يكونَ كان منه إعطاءٌ بوجهٍ من الوجوه بل مع مَن أثبتَ له إعطاءً . إلا أنه لم يُثْبِتْ إعطاءَ الدنانير فاعرف ذلك فإنه أصلٌ كبيرٌ عظيمُ النفعِ . فهذا قسمٌ من خلوِّ الفعلِ عن المفعولِ وهو أنْ لا يكون له مفعولٌ يمكِّن النَصُّ عليه .
وقسمٌ ثانٍ وهُوَ أن يكونَ له مفعولٌ مقصودٌ قَصْدهُ معلومٌ . إلاّ أنه يُحْذَفُ من اللفظ لدليلِ الحالِ عليه وينقَسِم إلى جَليٍ لا صنعةَ فيه وخَفِيٍ تدخُله الصَّنعة . فمثالُ الجليِّ قولُهم : أصغيتُ إليه : وهم يُريدونَ أذني و : أغضَيْتُ عليه : والمعنى جفني . وأمًّا الخِفيُّ الذي تدخلُه الصنعةُ فيتفنن ويتنوَّع . فنوعٌ منه أن تذكرَ الفعلَ وفي نفسِك له مفعولٌ مخصوصٌ قد عُلِم مكانُه إمّا لجَريِ ذِكْرٍ أو دَليلِ حالٍ . إلاّ أنك تُنْسِيِه نفسَك وتخفيه وتُوهِمُ أنك لم تذكرْ ذلك الفعلَ إلا لأنْ تثبتَ نفسَ معناه من غيرِ أن تُعدِّيَه إلى شيءٍ أو تعرِضَ فيه لمفعولٍ . ومثالُه قولُ البحتري - الخفيف - : .
( شَجْوُ حُسَّادِهِ وغيظُ عِداهُ ... أن يَرى مُبْصِرٌ ويَسْمَعَ وَاعِ ) .
المعنى : لا محالةَ أن يرى مُبْصِرٌ محاسنَه ويسمعَ واعٍ أخبارَه وأوصافَه . ولكنًّك تعلمُ