الكلام وهيئته ترومُ منك أنْ تنسى هذا المبتدأ وتباعدَه عن وَهْمِك وتجتهدَ أن لا يدورَ في خَلَدك ولا يَعرِضَ لخاطرك . وتراكَ كأنَّك تتوقّاه تَوَقِّيَ الشِّيءِ يُكرهُ مكانُه والثقيلِ يُخْشَى هُجُومُه .
ومن لَطِيفِ الحَذْف قولُ بكرِ بن النَّطَّاح - السريع - : .
( العَيْنُ تُبْدي الحُبَّ والبُغْضا ... وتُظْهِرُ الإِبرامَ والنَّقْضا ) .
( دُرَّةُ ما أنْصَفْتِني في الهَوَى ... ولا رَحِمْتِ الجَسَدَ المُنْضَى ) .
( غَضْبَى ولا واللهِ يا أَهْلَها ... لا أَطْعَمُ البارِدَ أوْ تَرْضَى ) .
يقولُ في جاريةٍ كان يُحبُّها وسُعِيَ به إلى أهلِها فمنعوها منه . والمقصودُ قولهُ : " غَضْبَى " وذلك أنَّ التقديرَ " هي غضبى " أو " غضبى هي " لا محالة أَلا تَرى أنك تَرى النفسَ كيف تَتفادى من إظهارِ هذا المحذوفِ وكيف تأنسُ إلى إضمارهِ وترى الملاحةَ كيف تذهبُ إن أنتَ رمتَ التكلم به .
ومن جَيِّدِ الأمثلةِ في هذا الباب قولُ الآخرِ يخاطِبُ امرأته وقد لامتْه على الجُود - الكامل - : .
( قالَتْ سُمَيَّةُ : قَدْ غَوَيَتَ بأَنْ رَأَتْ ... حَقاًّ تنَاوَبَ مالَنا وَوُفودا ) .
( غَيٌّ لَعَمْرُكِ لا أَزالُ أعودُه ... ما دامَ مَالٌ عِنْدنا مَوجودا ) .
المعنى : ذاك غيٌّ لا أزالُ أعودُ إليه فَدَعي عنكِ لومي .
وإذ قد عَرَفْتَ هذه الجملَةَ من حال الحذف في المبتدأ فاعلمْ أنَّ ذلك سبيلُه في كلِّ شيء فما من اسمٍ أو فعلٍ تجدُه قد حُذِف ثم أُصيبَ به موضعُه وحُذِف في الحال