مَحْطُوطةُ المَتْنَيْنِ مُضْمَرةُ الحَشا ... رَياَّ الرَّوادِفِ خَلْقُها مَمْكورُ ) .
وقولِ الأُقَيْشرِ في ابنِ عَمٍّ له مُوسرٍ سألَه فمنَعه وقال : كَمْ أعطيكَ مالي وأنتَ تنفقه فيما لا يَعْنيكَ واللهِ لا أعطيكَ . فتركَه حتى اجتمعَ القومُ في ناديهم وَهوَ فيهم فشكاهُ إلى القوم وذَمَّه فوثَبَ إليه ابنُ عَمِّه فلطمه فأنشأ يقولُ - طويل - : .
( سَريعٌ إلى ابْنِ العَمِّ يَلْطِم وَجْهَهُ ... ولَيْسَ إلى داعي النَّدَى بِسَريعِ ... حَرِيصٌ على الدُّنيا مُضِيعٌ لِدينِهِ ... ولَيْسَ لِمَا في بَيْتِهِ بِمُضيعِ ) .
فتأمَّلِ الآنَ هذه الأَبياتَ كلَّها واستقْرِها واحداً واحداً وانظر إلى مَوقِعها في نفسِك وإلى ما تجِدهُ مِنَ اللُّطف والظَرْف إذا أنتَ مررتَ بموضعِ الحَذْف منها ثم قلبتَ النَّفسَ عما تَجِدُ وألطفتَ النَّظرَ فيما تحسُّ به . ثم تكلَّفْ أن تَرُدَّ ما حذفَ الشاعرُ وأن تُخرجَه إلى لفظِك وتُوقعَهُ في سَمْعك فإِنك تَعْلمُ أن الذي قلتُ كما قلتُ وأنْ رُبَّ حذفٍ هو قِلادةُ الجِيد وقاعدةُ التَّجويد . وإن أردتَ ما هو أصدقُ في ذلك شهادةً وأدلُّ دلالةً فانظرْ إلى قولِ عبدِ الله بنِ الزَّبير يذكُرُ غريماً له قد أَلحَّ عليه - طويل - : .
( عَرضْتُ على زَيْدٍ ليأخُذَ بعضَ ما ... يُحاوِلُهُ قَبْلَ اعتراضِ الشَّوَاغلِ ... فَدَبَّ دبيبَ البغْلِ يألَمُ ظَهرُهُ ... وقالَ : تَعلَّمْ أَنَّني غيرُ فاعِلِ ... تثاءَبَ حتّى قلتُ : داسِعُ نَفْسِهِ ... وأخْرَجَ أَنياباً لهُ كالمَعاوِلِ ) .
الأصلُ حتى قلت : هو داسِعٌ نَفْسَهُ . أي حسبتُه من شدِّة التَّثاؤب ومما به من الجُهدْ يقذِفُ نفسَهُ من جوفه ويُخرجُها من صدره كما يَدْسَعُ البعيرُ جِرَّتَه . ثم إنَّك تَرى نِصْبَة