وفي شعبان من السنة عدت التتار الفرات وانجفل الناس وخرج السلطان بجيوشه مكن مصر .
وفي عاشر شعبان كان المصاف بين التتار والمسلمين بعرض ان المسلمون ألفاً وخمس مائة وعليهم أسندمر واغرلوا العادلي وبهادرآص وكان التتار نحواً من أربعة آلاف فانكسروا وقتل منهم خلق كثير وأسر مقدمهم .
ثم دخل من المصريين خمس تقادم وعليهم الجاشنكير والحسام أستاذ الدار ثم دخل بعدهم ثلاثة آلاف عليهم أمير سلاح ويعقوبا وأيبك الخازندار ثم أتى عسكر حلب وحماه متقهقراً من التتار وتجمعت العساكر إلى الجسورة بدمشق .
واختبط الناس واختنق في أبواب دمشق غير واحد وهرب الناس وبلغت القلوب الحناجر ووصل السلطان إلى الغور وغلقت أبواب دمشق وضج الخلق إلى الله ويئس الناس من الحياة ودخل شهر رمضان وتعلقت الآمال ببركاته .
ووصل التتار إلى المرج وساروا إلى جهة الكسوة وبعدوا عن دمشق بكرة السبت ثاني شهر رمضان وصعد النساء والأطفال إلى السطوح وكشفوا الرؤوس وضجوا وجأروا إلى الله ووقع مطر عظيم .
ووقعت الظهر بطاقة بوصول السلطان واجتماع العساكر المحمدية بمرج الصفر ثم وقعت بعدها بطاقة تتضمن طلب الدعاء وحفظ أسوار البلد .
وبعد الظهر وقع المصاف والتحم الحرب فحمل التتار على الميمنة فكسروها وقتل مقدمها الحسام أستاذ الدار وثبت السلطان ذلك اليوم ثباتاً زائداً عن الحد واستمر القتال من العصر إلى الليل ورد التتار من حملتهم على الميمنة بغلس وقد كل حدهم فتعلقوا بالجبل المانع وطلع الضوء يوم الأحد والمسلمون محدقون بالتتار فلم يكن ضحوة إلا وقد ركن التتار إلى الفرار وولوا الأدبار . ونزل النصر ودقت البشائر وزين البلد .
وكان التتار نحواً من خمسين ألفاً عليهم خطلوشاه نائب غازان . ورجع قاوان من حلب في ضيق صدر من كسرة أصحابه يوم عرض وبهذه الكسرة سقطت قواه لأنه لم يعد إليه من أصحابه غير الثلث وتخطفتهم أهل الحصون وساق سلار وقبجق وراء المنهزمين إلى القريتين ولم ينكسر التتار مثل هذه المرة .
وحكى لي جماعة من أهل دير يسير انهم كانوا يأتون إلينا عشرين عشرين وأكثر أو أقل ويطلبون منا أن نعدي بهم الفرات في الزواريق إلى ذلك البر فما نعدي بمركب إلا ونقتل كل من فيه حتى ان النساء كن يضربنهم بالفؤوس ونذبحهم في ذلك فما تركنا أحداً منهم يعيش وهذه الواقعة إلى الآن في قلوبهم وكان قد جاء كتاب غازان يقول فيه : ما جئنا هذه المرة إلا للفرجة في الشام فقال علاء الدين الوداعي ومن خطه نقلت : .
قولوا لقازانٍ بأن جيوشه ... جاءوا ففرجناهم بالشام .
في سرحة المرج التي هاماتهم ... منثورها وشقائق الأجسام .
ما كان أشأمها عليهم فرجة ... غمت وأبركها على الإسلام .
وقال لما انهزم : .
أتى قازان عدواً في جنودٍ ... على أخذ البلاد غدوا حراصا .
فما كسبوا سوى قتلٍ وأسرٍ ... وأعطوه بحصاته حصاصا .
وأنشدني لنفسه الشيخ الإمام العلامة نجم الدين علي بن داود القحفازي النحوي في ذلك : .
لما غدا غازان فخاراً بما ... قد نال بالأمس وأغراه البطر .
جاء يرجي مثلها ثانيةً ... فانقلب الدست عليه وانكسر .
وقد نظم الناس في هذه الواقعة ومن أحسن ما وقفت عليه في ذلك قول شمس الدين الطيبي وهي تقارب المائة بيت ولكن هذا الذي وجدت منها وهو : .
برق الصوارم للأبصار يختطف ... والنقع يحكي سحاباً بالدما يكف .
أحلى وأغلى قيمةً وسناً ... من ريق ثغر الغواني حين يرتشف .
وفي قدود القنا معنىً شغفت به ... لا بالقدود التي قد زانها الهيف .
ومن غدا بالخدود الحمر ذا كلفٍ ... فإنني بحدود البيض لي كلف .
ولأمة الحرب في عيني أحسن من ... لام العذار الذي في الخد ينعطف .
كلاهما زردٌ هذا يفيد وذا ... يردي فشانهما في الفعل يختلف .
والخيل في طلب الأوتار صاهلةٌ ... ألذ لحناً من الأوتار تأتلف .
ما مجلس الشرب والأرطال دائرةٌ ... كموقف الحرب والأبطال تزدلف .
والرزق من تحت ظلا لرمح مقترنٌ ... بالعز والذل يأباه الفتى الصلف