وجبى التتار الأموال من دمشق وقاسى الناس منهم شدائد وأهوالاً عظيمة وكان إذا قرروا على الإنسان عشرة آلاف درهم ينوبه ترسيم المغل القان وقرر على كل سوق شيء من المال واستخرجوه بالضرب والإحراق وكان ما حمله وجيه الدين ابن المنجا إلى خزانة قازان ثلاثة آلاف ألف وست مائة ألف درهم خلاف ما ناب الناس من البرطيل والترسيم .
ولم يزل قازان بالغوطة نازلاً إلى ثاني عشر جمادى الأولى فرحل طالباً بلاده وتخلف بالقصر نائبه خطلوشاه في فرقة من الجيش وفي رجب جمع قبجق العيان والقضاة إلى داره وحلفهم للدولة القازانية بالنصح وعدم المداجاة ثم إن قبجق توجه هو والصاحب عز الدين ابن القلانسي إلى مصر في نصف رجب وقام بحفظ المدينة وأمر الناس ارجواش .
وفي يوم الجمعة سابع عشر شهر رجب أعيدت الخطبة للملك الناصر وكان مدة إسقاط ذلك مائة يوم .
وأما السلطان فإنه دخل بعد الكسرة إلى مصر وتلاحق به الجيش ونفق في العساكر واشتريت الخيل وآلات السلاح بالثمن الغالي .
وفي يوم عاشر شعبان قدم الأفرم نائب دمشق بعسكر دمشق وقدم أمير سلاح والميسرة المصرية ثم دخلت الميمنة ثم دخل القلب وفيهم سلار وتوجه سلار بالجيوش إلى القاهرة .
ثم كثرت الأراجيف بمجيء التتار وانجفل الناس إلى مصر وإلى الحصون وبلغ كراء المحارة إلى مصر خمس مائة درهم .
ثم فترت أخبار التتار في شهر ربيع الأول سنة سبع مائة ثم دخل التتار إلى حلب وشرع الناس في قراءة البخاري وقال الوداعي في ذلك ومن خطه نقلت : .
بعثنا على جيش العدو كتائباً ... بخاريةً فيها النبي مقدم .
فردوا إلى الاردو بغيظٍ وخيبةٍ ... واردوا وجيش المسلمين مسلم .
فقوا لهم عودوا نعد ووراءكم ... إذا ما أتيتم أو أبيتم جهنم .
ووصل السلطان إلى العريش ووصل غازان إلى حلب ودخل جمادى الأولى والناس في أمر مريج ووصل بكتمر السلاحدار بألف فارس وعاد السلطان إلى مصر وانجفل الناس غنيهم وفقيرهم ونودي بالرحيل إلى مصر في الأسواق وضج النساء والأطفال وغلقت أبواب دمشق واقتسم الناس قلعة دمشق بالشبر ووقع على غيارة التتار يزك حمص فكسروهم وقتلوا منهم نحو مائة وصحت الأخبار برجوع غازان من حلب فبلع الناس ريقهم وهلك كثير من التتار بحلب من الثلج والغلاء وعز اللحم بدمشق فأبيع الرطل بتسعة دراهم ثم دخل الأفرم والأمراء من المرج بعد ما أقاموا به أربعة أشهر واستقر حال الناس بعد ذلك .
وفي شهر شعبان ألبس النصارى الأزرق واليهود الأصفر والسامرة الأحمر وسبب ذلك ان مغربياً كان جالساً بباب القلة عند الجاشنكير وسلار فحضر بعض الكتاب النصارى بعمامة بيضاء فقام له المغربي يتوهم أنه مسلم ثم ظهر له أنه نصراني فدخل إلى السلطان وفاوضه في تغيير زي أهل الذمة ليمتاز المسلمون عنهم وفي ذلك يقول علاء الدين علي بن مظفر الكندي الوداعي ومن خطه نقلت : .
لقد ألزم الكفار شاشات ذلةٍ ... تزيدهم من لعنة الله تشويشا .
فقلت لهم ما ألبسوكم عمائماً ... ولكنهم قد ألزموكم براطيشا .
وقال أيضاً : .
غيروا زيهم بما غيروه ... من صفات النبي رب المكارم .
فعليهم كما ترون براطيش ولكنها تسمى عمائم .
وقال أيضاً : .
لقد البسوا أهل الكتابين ذلةً ... ليظهر منهم كل من كان كامنا .
قلت لهم ما ألبسوكم عمائماً ... ولكنهم قد ألبسوكم لعائنا .
وفي ذلك يقول شمس الدين الطيبي وهو أحسن من الأول : .
تعجبوا للنصارى واليهود معاً ... والسامريين لما عمموا الخرقا .
كأنما بالأصباغ منسهلاً ... نسر السماء فأضحى فوقهم ذرقا .
وفي جمادى الأولى سنة إحدى وسبع مائة توفي أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسي ودفن عند الست نفيسة وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في الأحمدين وتولى الخلافة أمير المؤمنين المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بولاية العهد إليه من والده الحاكم وقرئ تقليده بعد عزاء والده وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف السين في مكانه .
وفي سنة اثنتين وسبع مائة فتحت جزيرة أرواد وهي بقرب انطرسوس وقتل بها عدة من الفرنج ودخلوا بالأسرى وهم ما يقارب الخمسين أسيراً إلى دمشق