وقال شرب الليل قد آذانا ... وطمس العقول والأذهانا .
وشكت الجن إلى إبليس ... أنهم في أضيق الحبوس .
يبول في وجههم ويخرا ... ويقتل الذباب منهم صبرا .
أما ترى البستان كيف نورا ... ونشر المنثور برداً أصفرا .
وضحك الورد إلى الشقائق ... واعتنق القطر اعتناق الوامق .
في روضةٍ كحلة العروس ... وخرمٍ كهامة الطاوس .
وياسمينٍ في ذرى الإغصان ... منظماً كقطع العقيان .
والسرو مثل قضب الزبرجد ... قد استمد الماء من تربٍ ند .
على رياضٍ وثرىً ثري ... وجدولٍ كالمبرد المجلي .
وفرش الخشخاش جيباً وفتق ... كأنه مصاحفٌ بيض الورق .
حتى إذا ما انتشرت أوراقه ... وكاد أن ينأد رياً ساقه .
صار كأقداحٍ من البلور ... كأنما تجسمت من نور .
وبعضه عريان من أثوابه ... قد خجل البائس من أصحابه .
تبصره بعد انتثار الورد ... مثل الدبابيس بأيدي الجند .
والسوسن الآزاذ منشور الحلل ... كقطن قد مسه بعض البلل .
نور في حاشيتي بستانه ... ودخل الميدان في ضمانه .
وقد بدت في ثمار الكنكر ... كأنها جماجمٌ من عنبر .
وحلق البهار فوق الآس ... جمجمةً كهامة الشماس .
حيال شيحٍ مثل شيب النصف ... وجوهرٍ من زهرٍ مختلف .
وجلنارٍ كاحمرار الخد ... أو مثل أعراف ديوك الهند .
والأقحوان كالثنايا الغر ... قد صقلت أنواره بالقطر .
قل لي أهذا حسنٌ بالليل ... ويلي مما تشتهي وعولي .
وأكثر الفضول والأوصافا ... فقلت قد حببت لي الخلافا .
بت عندنا حتى إذا الصبح سفر ... كأنه جدول ماءٍ منفجر .
قمنا إلى زادٍ لنا معد ... وقهوةٍ صراعةٍ للجلد .
كأنما حبابها المنشور ... كواكبٌ في فلكٍ تدور .
ومسمعٍ يلعب بالأوتار ... أرق من نائحة القُماري .
ولا تقل لي قد ألفت منزلي ... فتفسد القول بعذرٍ مشكل .
فقال هذا أول الجنون ... متى ثوى الضب بوادي النون .
دعوتكم إلى الصباح ثم لا ... أكون فيه إذ أجبتم أولا .
لي حاجةٌ لا بد من قضائها ... فتستريح النفس من عنائها .
ثم أجي والصبح في عنان ... من قبل أن يغفر بالأذان .
ثم مضى يوعد بالبكور ... وهز رأس فرحٍ مسرور .
فقمت منه خائفاً مرتاعاً ... وقلت ناموا ويحكم سراعا .
لتأخذ العين من الرقاد ... حضاً إلى تغليسة المنادي .
فمسحت جنوبنا المضاجعا ... ولم أكن للنوم قبل طائعاً .
ثمت قمنا والظلام مطرق ... والطير في أوكارها لا تنطق .
وقد تبدى النجم في سواده ... كحلة الراهب في حداده .
ونحن نصغي السمع نحو الباب ... فلم نجد حساً من الكذاب .
حتى تبدت حمرة الصباح ... وأوجع للندمان سوط الراح .
وقامت الشمس على الرؤوس ... وملك السكر على النفوس .
جاء بوجةٍ بارد التبسم ... مفتضحٍ لما جنى مذمم .
يعثر وسط الدار من حيائه ... وينتف الأهداب من ردائه .
فعطعط القوم به حتى سدر ... وافتتح القول بعيٍّ وحصر .
وقال يا قوم اسمعوا كلامي ... لا تسرعوا ظلماً إلى ملامي .
فجاءنا بقصةٍ كذابه ... لم يفتح القلب لها أبوابه