أستغفر الله بل بشر ذلك البشير بل الملك الكريم وصفيحة وجهه المتهلل الوسيم بل صحيفة عمله وصبيحة عمله وصبيحة أمله وأنموذج إيثاره وصنو يده البيضاء وآثاره وشبيه ما بفضّة لؤلؤه من نثاره وغير هذا من ندى أياديه البيض على لإقلال العدّ أو أكاره . لله تلك اليد المقبّلة ولله تلك اليد المؤملة ولله تلك المواهب المجزلة ولله تلك الراحة التي لا يقاس بها الثريا ولا تجيء الجوزاء أنملة . ولله ذلك البين الساحر وذلك البنان الساخر وذلك اللسان المذرّب والبحر الزاخر وذلك إلا لسان الذي طال باع علمه وطار فأوقد ضرام اليوم المشمس شعاع فهمه وطاب جنى ثمره وجناب حلمه وطاف الأرض صيته ونفق كاسد الفضائل باسمه ولله لله لسيدٍ جاء بالفضل كلّه وألّى بالمر على جلّه واقتبس من نوره وأوى إلى ظله . لقد ألبس المملوك رداء الفخار وعرفه العوم وكان لا يطمع أن يشق بحره الزخار ومحا عنه صبغ دجنّة تلك الليلة وقصر من ذيلها وقهقر من سيلها وأخذ بعقيصتها وغرّق في تيار النهار ليلها وأطلق لسانه من الاعتقال وأنطق بيانه فقال ووفقه في البيان ولولا توفيقه ما نطق ووقفه ولولا إيقافه لغبّر على آثاره في وجه من سبق وقام وأقام الحجة على البلغاء حيث لا يجد من يقول إلا صدق . تمت .
فلما رأيت ما هالني وغلّ عقلي وغالني عدلت عن النثر فراراً ألوذ بالنظم وقلت جواباً : .
جاء الجواب يزفّ منك فواضلا ... ويرف في روض النبات خمائلا .
أغرقت غرّ السّحب حين وصفتها ... يا من غدا بحراً يموج فضائلا .
لو لم تكن يمناك بجراً زاخراً ... ما أرسلت تلك السطور جداولا .
ضربٌ من السحر الحلال متى تشا ... أخرجته فيعود ضرباً داخلا .
ما إن جلا راويه حور بيانه ... إلا وزان مشاهداً ومحافلا .
فمتى يروم به اللحاق مقصرٌ ... والنجم أقرب من مداه تناولا .
أبرزته أفقاً فكلّ قرينة ... برج حوى معناه بدراً كاملا .
فكأنما تلك الحروف حدائق ... أمست معانيها تصيح بلابلا .
وكأن ذاك الطّرس خدٌّ رائق ... والسطر فيه غدا سائلا .
مهلاً أبا العباس قد أفحمتني ... وتركتني بعد التحلي عاطلا .
بالله قل لي عندما سطّرته ... هل كنت تزعم أن تجيب الفاضلا .
أقسمت لو باراك في إنشائه ... ما كان ضمّ على اليراع أناملا .
حرّكت منك حميّةً عدويّةً ... ملأت فضاء الطرس منك جحافلا .
كم فيه من لامٍ كلأمة فارسٍ ... قد هزّ من ألفات قدّك ذابلا .
هل شئت أن تنشي الجواب سحابةً ... تندى فجاءت منك سيلاً سائلا .
يا فارس الإنشاء رفقاً بالذي ... نازلته يوم الترسل راجلا .
لو رام أن يجري وراءك خطوةً ... نصبت له تلك الحروف حبائلا .
فاحبس عنانك قد تجاوزت المدى ... وتركت سحبان الفصاحة باقلا .
والفاضل المسكين أصبح فنّه ... من بعد ما قد راج فينا خاملا .
فاسلم لتبليغ النفوس مرامها ... فالدهر في أثواب فضلك مائلا .
كم فيك من أملٍ يروق لأنني ... أدري بأنك لا تخّيب آملا .
فأجاب : .
وافى الكميّ بها يهزّ مناصلا ... ويروم صبغاً للشبيبة ناصلا .
سبق الظلام بها بزينة ليله ... ولو انه في الفخر حلّى العاطلا .
حمراء قانية يذوب شعاعها ... ويرى حصى الياقوت منها سائلا .
حمراء قانية يحبّ كئوسها ... وقع الصوارم والوشيج الذابلا .
ذهبية ما عرق عانة كرمها ... لكنه كفّ الكريم شمائلا .
كفٌّ لمنبجس النوال كأنما ... دفع السيول تمدّ منه نائلا .
كرم خليليّ يمدّ سماطه ... ويشب ناراً للقرى وفواضلا .
ولهيب فكرٍ لو تطير شرارة ... منه لما بل السحاب الوابلا .
يذكي به في كل صبحه قرةٍ ... فهماً لنيران القرائح آكلا