فكتبت إليه الجواب عن ذلك وهو : وينهي ورود هذه الرقعة التي هي طراز في حلة الدهر وحديقة ذكّرت بزمن الربيع وما تهديه أيامه من الزهر فوقف منها على الروض الذي تهدلت فروع غصونه بالأثمار ونظر منها إلى الأفق الذي كواكبه شموس وأقمار فأنشأت له أطرابه وأعلمته أن قلم مولانا يفعل بالألباب ما لا تفعله نغمة الشبّابة وأرشفته سلافاً كئوسها الحروف وكل نقطة حبابة وشاهد أوصاف هذه الأيام المباركة القدوم المتصلة الظلام فلا أوحش الله من طلعة الشمس وحاجب الهلال وعيون النجوم فما لنا ولهذه السحائب السحّابة والغمائم السكابة والرعود الصخابة والبروق اللهابة والثلوج التي أصبحت بحصبائها حصّابة والبرد الذي أمست إبرة لغصون الجلود قطابة والزميتا التي لا تروى عن أبي ذرً إلاّ ويروى الغيب عن أبي قلابة كلما أقبلت فحمة ظلام قدحت فيها البوارق جمرتها وكلما جاءت سحابة كحلاء الجفون رجعت مدها لما أسبلت من عبرتها فما هذا شهر طوبة إن هذا إلا جبل ثهلان وما هذا كانون إن إلا تنور الطوفان فإلى متى قطن هذه الثلوج يطرح على جباب الجبال ؟ وإلى متى تفاض دلاص الأنهار وترشقها قوس قزح بالنبال ؟ وإلى متى يشق السحاب ما لها من الحلل والحبر ؟ وإلى متى ترسل خيوط المزن من الجو وفي أطرافها على الغدران إبر ؟ وإلى متى تجمد عيون الغمام وتكحلها البروق بالنار ؟ وإلى متى نثار هذه الفضة وما يرى من النجوم دينار ؟ وإلى متى نحن على النار حنوّ المرضعات على الفطيم ؟ وإلى متى تبكي المزاريب بكاء الأولياء بغير حزن إذا استولوا على مال اليتيم ؟ وإلى متى هذا البرق تتلوى بطون حياته وتنقلب حماليق العيون المحمرّة من أسود غاباته ؟ وإلى متى يزمجر عتب هذه الرياح العاصفة ؟ وإلى متى يرسل الزمهرير أعواناً تصبح حلاوة الوجوه بها تالفة ؛ أترى هذه الأمطار تقلب بالأزيار أم هذه المواليد تنتهي فيها الأعمار ؟ كم من جليد يذوب له قلب الجليد ويرى زجاجه الشفاف أصلب من الحديد ووحل لا تمشي هريرة فيه الوحى وبردٍ لا تنتطق فيه نؤوم الضحى . اللهّم حوالينا ولا علينا لقد أضجرنا تراكم الثياب ومقاساة ما لهذه الرحمة من العذاب وانجماع كلٍّ عن إلفه واغلاق باب القباب . وتخلّل الصباب زوايا البيوت فالأطفال ضباب الضّباب : كل ضبًّ منهم قد ألف باطن نافقائه وقدم بين يديه الموت بداية بدائه قد حسد على النار من أمسى مذنباً وأصبح عاصيا وتمنى أن يرى من فواكه الجنات عناباً وقراصيا فإن كانت هذه الأمطار تكاثر فضائل مولانا فيا طول ما تسفح وإن كانت العواصف تتشبه ببأسه فيا طول ما تلفح وإن كانت البروق تحاكي ذهنه المتسرع فيا طول ما تتألق وإن كانت الرعود تحاكي جوانح أعدائه فيا طول ما تشهق وتفهق وإن كانت السيول تجري وراء جوده فإنها تجري طول المدى وما تلحق والأولى بهذا النوء الباكي أن لا يحاكي والأليق بهذا الفصل المبغض أن لا يتعرض فرحم الله من عرف قدره وتحقق أن مولانا في الجود ندره