فقلت أنا في الحال : وفرق زانه جعد فأعجبه ذلك كثيراً . وكتب إلي وقد تواترت الأمطار والثلوج والرعود والبروق ودام ذلك أياماً ما عهد الناس مثلها : كيف أصبح مولانا هذا الشتاء الذي أقبل يرعب مقدمه ويرهب تقدمه ويريب اللبيب من برقه المومض تبسمه . وكيف حاله مع رعوده الصارخة ورياحه النافخة ووجوه أيامه الكالحة وسرر لياليه التي لا تبيت بليلةٍ منها صالحة وسحابه وأمواجه وجليده والمشي فوق زجاجه وتراكم مطره الأنيث وتطاول فرع ليله الأثيث ومواقده الممقوتة وذوائب جمره وأهوان به ولو ان كلّ حمراء ياقوتة وتحدر نوئه المتصبب وتحير نجمه المتصيب ؛ وكيف هو مع جيشه الذي ما أطل حتى مدّ مضارب غمامه وظلّل الجو بمثل أجنحة الفواخت من أعلامه . هذا على أنه عرى الأبنية وحلّل مما تلف في دمه سالف الأستية فلقد جاء من البرد بما رضّ العظام وأنخرها ودقّ فخّارات الأجسام وفخّرها وجمد في الفم الريق وعقد اللسان إلا أنه لسان المنطيق ويبّس الأصابع حتى كادت أغصانها توقد حطبا وقيد الأرجل فلا تمشي إلاّ تتوقع عطبا وأتى الزمهرير بجنود ما للقوي بها قبل وحمّل الأجسام من ثقل الثياب ما لا يعصم منه من قال سآوي إلى جبلٍ . ومدّ من السيل ما استبكى العيون إذا جرى واجتحف ما أتى وأول ما بدأ الدمع بالكرى . فكيف أنت يا سيدي في هذه الأحوال ؟ وكيف أنت في مقاساة هذه الأهوال ؟ وكيف ترأيت منها ما شيّب بثلجه نواصي الجبال وجاء بالبحر فتلقف ثعبانه ما ألقته هراوات البروق من عصّيٍ وخيوط السحب من حبال ؟ أما نحن فبين أمواج من السحب تزدحم وفي رأس جبل لا يعصم فيه من الماء إلا من رحم وكيف سيدنا مع مجامر كانون وشرار برقها القادح وهمّ وقدها الفادح وقوس قزحها التلون ردّ الله عليه صوائب سهامه وبدّل منه بوشائع حلل الربيع ونضارة أيامه وجعل حظّ مولانا من لوافحه ما يذكيه ذهنه من ضرامه ومن سوافحه ما يؤكده فكره من نوامه وعوضنا وإياه بالصيف والله يتقبل وأراحنا من هذا الشتاء ومشي غمامه المتبختر بكمّه المسبل