@ 11 @ أعينهم ، وهذا ما رجحه ابن جرير . .
وقد جاءت قصة امرأة أبي لهب مفصلة هذا الذي ذكرناه كما ساقها ابن كثير قال : لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة تبت يدا أبي لهب وتب إلى قوله : { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } جاءت امرأة أبي لهب وفي يدها فهر ، ولها ولولة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أبي بكر رضي الله عنه عند الكعبة فقال له : إني أخاف عليك أن تؤذيك ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى عاصمني منها ) ، وتلا قرآناً ، فجاءت ووقفت على أبي بكر وقالت : إن صاحبك هجاني . قال : لا ورب هذه البنية إنه ليس بشاعر ولا هاج ، فقالت : إنك مصدق وانصرفت . أي ولم تره وهو جالس مع أبي بكر رضي الله عنه . .
فهل يقال بعدم وجود الحجاب لأنه مستور لم يشاهد ، أم أننا نثبته كما أخبر تعالى وهو القادر على كل شيء ؟ وعليه وبعد إثباته نقول : ما الفرق بين إثبات حقيقة قوله تعالى هنا : { حِجَابًا مَّسْتُورًا } ، وقوله تعالى : { وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } ؟ ففي كلا المقامين إثبات أمر لا ندركه بالحس ، فالتسبيح لا نفقهه ، والحجاب لا نبصره . .
وقد أوردنا هذه النماذج ، ولو مع بعض التكرار ، لما يوجد من تأثر البعض بدعوى الماديين أو العلمانيين ، الذين لا يثبتون إلا المحسوس ، لتعطي القارىء زيادة إيضاح ، ويعلم أن المؤمن بإيمانه يقف على علم ما لم يعلمه غيره ، ويتسع أفقه إلى ما وراء المحسوس ، ويعلم أن وراء حدود المادة عوالم يقصر العقل عن معالمها ، ولكن المؤمن يثبتها . .
وقد رسم لنا النَّبي صلى الله عليه وسلم الطريق الصحيح في مثل هذا المقام من إثبات وإيمان ، كما في صحيح البخاري أن النَّبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح ، ثم أقبل على الناس فقال : ( بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت : إنا لم نخلق لهذا ، وإنما خلقنا للحرث ، فقال الناس سبحان الله بقرة تتكلمُ ؟ فقال : فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثَمَّ ، وبينما رجل في غنمه ، إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة . فطلب حتى كأنه استنقذها منه ، فقال له الذئب : هذا : استنقذتها مني ، فمن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري فقال الناس : سبحان الله ذئب يتكلم ، قال فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر ، وما هما ثم ) . .
ففي هذا النص الصريح نطق البقرة ونطق الذئب بكلام معقول من خصائص العقلاء على غير العادة ، مما استعجب له الناس وسبحوا الله إعظاماً لما سمعوا ، ولكن