@ 10 @ .
وفي موطأ مالك : لما رجع صلى الله عليه وسلم من سفر طلع عليهم أُحد فقال ( هذا جبل يحبنا ونحبه ) . .
فهذا جبل من كبار جبال المدينة يرتجف لصعود النَّبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فيخاطبه صلى الله عليه وسلم خطاب العاقل المدرك : ( أثبت أُحد فإن عليك نبياً وصديقاً وشهيدين ) ، فيعرف النَّبي ويعرف الصديق والشهيد فيثبت ، فبأي قانون كان ارتجافه ؟ وبأي معقول كان خطابه ؟ وبأي معنى كان ثبوته ؟ ثم ها هو يثبت له صلى الله عليه وسلم المحبة المتبادلة بقوله : يحبنا ونحبه . .
وإذا ناقشنا أقوال القائلين بتخصيص هذا العموم من إثبات التسبيح للجمادات ونحوها ، لما وجدنا لهم وجهة نظر إلا أن الحس لم يشهد شيئاً من ذلك ، وقد أوردنا الأمثلة على إثبات ذلك لسائر الأجناس ، وتقدم تنبيه الشيخ على تأكيد ذلك بقوله تعالى : { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } رداً على استبعاده . .
ومن الأدلة القرآنية في هذا المقام ، ما جاء في سياق قوله تعالى : { وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ } ، جاء بعدها قوله تعالى : { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاٌّ خِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا } وهذا نص يكذب المستدلين بالحس . لأن الله تعالى أخبر بأنه جعل بين الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة ، وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً يحجبه عنهم ، وهذا الحجاب مستور عن أعينهم فلا يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه محجوب عنهم ، ولا يرون الحجاب لأنه مستور ، وهذا هو الصحيح في هذه الآية . .
وقد قال فيها بعض البلاغيين . إن مستوراً هنا بمعنى ساتراً ويقال لهم : إن جعل مستوراً بمعنى ساتر تكرار لمعنى حجاب ، لأن قوله تعالى : { جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاٌّ خِرَةِ حِجَابًا } هو بمعنى ساتر ، أي يستره عن الذين لا يؤمنون بالآخرة وليس في ذلك زيادة معنى ، ولا كبير معجزة ، ولكن الإعجاز في كون الحجاب مستوراً عن أعينهم ، وفي هذا تحقيق وجود المعنيين ، وهما حجبه صلى الله عليه وسلم وسلم عنهم ، وستر الحجاب عن أعينهم ، وهذا أبلغ في حفظه صلى الله عليه وسلم منهم ، لأنه لو كان الحجاب مرئياً أي ساتراً فقط مع كونه مرئياً لربما اقتحموه عليه ، وأقوى في الإعجاز ، لأنه لو كان الحجاب مرئياً لكان كاحتجاب غيره من سائر الناس . ولكن حقيقة الإعجاز فيه هو كونه مستوراً عن