@ 341 @ والحمأ : الطين كما تقدم . ومن هذا المعنى قول تبع الحميري فيما يؤثر عنه يمدح ذا القرنين : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } والحمأ : الطين كما تقدم . ومن هذا المعنى قول تبع الحميري فيما يؤثر عنه يمدح ذا القرنين : % ( بلغ المشارق والمغارب يبتغى % أسباب أمر من حكيم مرشد ) % % ( فرأى مغيب الشمس عند غروبها % في عين ذي خلب وثأط حرمد ) % .
والخلب في لغة حمير : الطين . والثأط : الحمأة . والحرمد : الأسود . وعلى قراءة ( حامية ) بصيغة اسم الفاعل ، فالمعنى : أنها حارة ، وذلك لمجاورتها وهج الشمس عند غروبها ، وملاقاتها الشعاع بلا حائل . ولا منافاة بين القراءتين حق . قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : ( وجدها تغرب في عين حمئة ) أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط ، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله يراها كأنها تغرب فيه إلى آخر كلامه . ومقتضى كلامه أن المراد بالعين في الآية البحر المحيط ، وهو ذو طين أسود . والعين تطلق في اللغة على ينبوع الماء . والينبوع : الماء الكثير . فاسم العين يصدق على البحر لغة . وكون من على شاطىء المحيط الغربي يرى الشمس في نظر عينه تسقط في البحر أمر معروف . وعلى هذا التفسير فلا إشكال في الآية ، والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : { قَالَ هَاذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّى فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقّاً وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } . اعلم أولاً أنا قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أنه إن كان لبعض الآيات بيان من القرآن لا يفي بإيضاح المقصود وقد بينه النَّبي صلى الله عليه وسلم فمنا نتمم بيانه بذكر السنة المبينة له . وقد قدمنا أمثله متعددة لذلك . فإذا علمت ذلك فاعلم أن هاتين الآيتين لهما بيان من كتاب أوضحته السنة ، فصار بضميمة السنة إلى القرآن بياناً وافياً بالمقصود ، والله جل وعلا قال في كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } فإذا علمت ذلك فاعلم أن هذه الآية الكريمة ، وآية الأنبياء قد دلتا في الجملة على أن السد الذي بناه ذو القرنين دون يأجوج ومأجوج إنما يجعله الله دكا عند مجيء الوقت الموعود بذلك فيه . وقد دلتا على أنه بقرب يوم القيامة ، لأنه قال هنا : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقّاً وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ وَنُفِخَ فِى الصُّورِ } . وأظهر الأقوال في الجملة المقدرة