@ 340 @ : وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } . وزعم من لا علم عنده أن هذه الأمور لا حقيقة لها ، وإنما هي ضرب أمثال زعم باطل ، لأن نصوص الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن معناها الواضح المتبادر إلا بدليل يجب الرجوع إليه . وأمثال هذا كثيرة جداً . وبذلك تعلم أنه لا مانع من إبقاء إرادة الجدار على حقيقتها لإمكان أن يكون الله علم منه إرادة الانقضاض ، وإن لم يعلم خلقه تلك الإرادة . وهذا واضح جداً كما ترى . مع أنه من الأساليب المربية إطلاق الإرادة على المقاربة والميل إلى الشيء . كما في قول الشاعر : % ( يريد الرمح صدر أبي براء % ويعدل عن دماء بني عقيل ) % .
أي يميل إلى صدر أبي براء . وكقول راعي نمير : أي يميل إلى صدر أبي براء . وكقول راعي نمير : % ( إن دهراً يلف شمل بجمل % لزمان يهم بالإحسان ) % .
فقوله ( لزمان يهم بالإحسان فيه . وقد بينا في رسالتنا المسماه ( منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز ) أن جميع الآيات التي يزعمون أنها مجاز أن ذلك لا يتعين في شيء منها . وبينا أدلة ذلك . والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } . ظاهر هذه الآية الكريمة أن ذلك الملك يأخذ كل سفينة ، صحيحة كانت أو معيبة . ولكنه يفهم من آية أخرى أنه لا يأخذ المعيبة ، وهي قوله : { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } أي لئلا يأخذها ، وذلك هو الحكمة في خرقه لها المذكور في قوله : { حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى السَّفِينَةِ خَرَقَهَا } ثم بين أن قصده بخرقها سلامتها لأهلها من أخذ ذلك الملك الغاصب . لأن عيبها يزهده فيها . ولأجل ما ذكرنا كانت هذه الآية الكريمة مثالاً عند علماء العربية لحذف النعت . أي وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غير معيبة بدليل ما ذكرنا . وقد قدمنا الشواهد العربية على ذلك في سورة ( بني إسرائيل ) في الكلام على قوله تعالى : { وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا } . واسم ذلك الملك : هدد بن بدر : وقوله ( وراءهم ) أي أمامهم كما تقدم في سورة ( إبراهيم ) : قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ } . قرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم ( حمئة ) بلا ألف بعد الحاء ، وبهمزة مفتوحة بعد الميم المكسورة . وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وشعبة عن عاصم ( حامية ) بألف بعد الحاء ، وياء مفتوحة بعد الميم المكسورة على صيغة اسم الفاعل . فعلى القراءة الأولى فمعنى ( حمئة ) ذات حمأة وهي الطين الأسود ، ويدل لهذا التفسير قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ }