الحنفية - قالوا : إذا حلف ليضربن غلامه مائة سوط ولا نية له فضربه ضربا خفيفا فإنه يبر بشرط أن يتألم المضروب أما إذا لم يتألم فإن الحالف لا يبر وإذا ضربه بسوط واحد له شعبتان خمسين مرة فإنه يجزئه في المائة ويبر في يمينه بشرط أن تقع الشعبتان على بدن المضروب في كل مرة . وغذا جمع المائة سوط وسوى رؤوسها قبل الضرب وضربه بها ضربة واحدة بحيث يصيب بكل رأس منها بدن المضروب فإنه يبر . أما إذا ضربه بعرض الأسواط أو لم يسو الرؤوس فاندس بعضها في بعض فلم تصب الرؤوس جميعها بدنه فإنه لا يحسب إلا ما أصاب بدنه . وغذا حلف ليضربن بنته الصغيرة عشرين سوطا فإنه يبر إذا جمع عشرين شمراخا من " شماريخ " النخل وضربها بها مرة واحدة .
وغذا حلف لا يضرب امرأته فقرصها أو عضها أو خنقها أو نتف شيئا من شعرها فآلمها ذلك فإن كان قد فعله على وجه الغضب فإنه يحنث أما إن كان قد فعله على وجه الملاعبة فإنه لا يحنث .
وإذا حلف لا يضرب امرأته فضرب بنته فأصابت الضربة امرأته فإنه لا يحنث على المعتمد . وكذا إذا حلف لا يضربها فنفض ثوبه فأصاب وجهها فأوجعها فإنه لا يحنث . وإذا حلف ليضربن غلامه حتى يموت فإنه يبر إذا ضربه ضربا شديدا لأن مثل هذه اليمين تنصرف إلى المبالغة .
وإذا أراد أن يضرب ولده فحلف أن لا يمنعه أحد فضربه خشبة أو خشبتين ثم منعه إنسان عن ضربه وهو يريد أن يضربه أكثر من ذلك فإنه يحنث .
وإذا كان له عند شخص حق فحلف أن لا يفارقه حتى يقضيه حقه أو يستوفي ما عليه فلزمه بأن قعد منه مقعدا بحيث يراه ويحفظه ولو حال بينهما سترة أو عمودا من أعمدة المسجد أو جلس أحدهما خارج الحانوت والآخر داخلها بحيث ينظر إليه ويراه فإنه يكون غير مفارق له وإذا نام الطالب أو غفل أو شغله إنسان فهرب المطلوب فإنه لا يحنث . أما إذا فر منه ولم يمنعه مع القدرة عليه فإنه يحنث . وإذا حلف ليقبضن أو ليأخذن من فلان حقه فأخذه بنفسه أو قبضه وكيله بدلا منه فإنه يبر وإن نوى أن يقبض بنفسه فإن يعامل بنيته ويصدق في قوله ديانة وقضاء وكذلك يبر إذا قبض حقه من وكيل المحلوف عليه أو قبض من كفيل بالمال إذا قبضه بأمر المديون وكذا إذا أحاله المديون على رجل فقبض منه حقه فإنه يبر في يمينه أما إذا قبض من شخص غير المحلوف عليه أو كانت الكفالة أو الحوالة بغير أمره فإنه يحنث وإذا غضب شيئا يساوي حقه فإنه يبر .
وإذا حلف ليقبضن حقه ولم يوقت بوقت ثم أبرأ المدين من المال أو وهبه إياه فإنه يحنث وإذا حلف ليقبضن حقه في وقت كذا ثم أبرأه قبل حلول الوقت فإن اليمين تسقط ولا يحنث إذا جاء ذلك الوقت .
وإذا حلف ليقضين حقه من فلان في وقت كذا ففعل فإنه لا يحنث ولو كان به عيب كأن أعطاه نقودا مغشوشة غشا لا يمنع التعامل بها فيقبلها التجار تساهلا وتسمى " زيوفا " أو أعطاه نقودا مغشوشة غشا أكثر من الأولى بحيث لا يقبلها إلا المتساهلون من التجار وتسمى " بنهرجة " أما إذا أعطاه نقودا مغشوشة غشا شديدا وتسمى " ستوقة " أي ثلاث طبقات الوجهان فضة والوسط نحاس أو رصاص فإنه يحنث لأنها ليست من جنس الدراهم .
وكذا لا يحنث إذا أعطاه مالا مستحقا للغير بأن أثبت حقه ومتى ثبت البر في الأحوال الثلاثة وهي ما إذا قضاه بنهرجة أو زيوفا . وأعطاه مالا مستحقا للغير فإن البر لا يرتفع برد النقود للمحلوف عليه ثانيا .
وإذا حلف ليقضينه حقه في وقت كذا فباعه سلعة واحتسب له ثمنها في مقابلة حقه فإنه لا يحنث سواء استلم الحالف السلعة أو لم يستلمها وإذا هلكت قبل أن يستلمها الحالف انفسخ البيع وعاد الدين ولكن لا ينتقض بر اليمين . وإذا باع المحلوف عليه السلعة للحالف بيعا فاسدا واستلمها الحالف فإن كانت قيمتها تساوي الدين فإنه لا يحنث وإلا حنث .
وإذا حلف ليقضين دين فلان بدون أن يوقت فوهب له الدائن دينه فإنه لا يبر لأن القضاء فعل المديون والهبة فعل الدائن فلم يقع منه القضاء . أما إذا حلف ليقضين دينه غدا فوهب له الدائن الدين قبل الغد فإنه لا يحنث لأن الدين المحلوف على سداده سقط بالهبة فسقطت اليمين لأن فعل المحلوف عليه أصبح غير ممكن وقد تقدم أن إمكان فعل المحلوف عليه شرط في بقاء اليمين منعقدة كما هو شرط في انعقادها ابتداء .
وإذا حلف لا يبيع كذا أو لا يشتريه فأمر غيره ببيعه أو شرائه لا يحنث سواء كان المأمور وكيلا أو قريبا أو صديقا . أو لم يكن كذلك ويشمل البيع والشراء السلم فإذا حلف لا يبيع حنطة فأسلم غليه شخص عشرين جنيها ثم عشرة " أرادب " من القمح بمعنى أنه يعطيه العشرين جنيها عاجلا على أن يستلم منه القمح بعد حصاده آجلا فإنه يحنث لأنه قد باع القمح وإن لم يقبضه المشتري . وكذلك إذا حلف لا يشتري فأسلم في ثوب أو غلة بأن دفع ثمنها عاجلا على أن يقبضها آجلا فإنه يحنث . لأنه لا يصدق عليه أنه اشترى غايته أنه أجل القبض . أما الإقالة فإنها إن كانت بلفظ البيع فإنه يحنث بها اتفاقا فإذا حلف لا يشتري السلعة التي باعها فأقال المشتري منها بلفظ البيع بأن قال له : بعني تلك السلعة فإنه يحنث اتفاقا . أما إذا كانت لفظ المفاسخة بأن يتفقا على فسخ البيع أو بلفظ المشاركة بأن يترك المشتري السلعة للبائع وهذا يترك له ثمنها أو تراد بأن يرد المشتري السلعة والبائع الثمن فإنها لا تدخل في البيع والشراء اتفاقا . أما إذا كانت بلفظ الإقالة بأن قال له : أقلني بيع هذه السلعة فقال : أقلتك فقال : قبلت فإن كانت السلعة لم تقل عن ثمنها الأول فإنه لا يحنث أما إن نقصت عن ثمنها الأول قدرا أو جنسا فإنه يحنث وقيل : لا يحنث لأنها إقالة على كل حال .
وإذا حلف لا يبيع أو لا يشتري فإنه يحنث بالفاسد منهما ولو لم يقبضه كما يحنث بالبيع الذي فيه هذا الخيار للبائع أو للمشتري وبالبيع بطريق الفضول ولا يحنث بالبيع الباطل .
هذا وقد ذكروا ضابطا لما يحنث فيه بفعل وكيله وما لا يحنث .
وهو أن كل عقد ترجع حقوقه المترتبة عليه على من يباشره ويستغني الوكيل فيه عن نسبته للموكل فإن الحالف لا يحنث فيه بفعل مأموره وذلك كالبيع والشراء والإيجار والاستئجار والصلح عن مال والقسمة وقد اختلف في المخاصمة أو الجواب على الدعوى فإنها من العقود التي لا يحنث الأمر فيها بفعل مأموره كالبيع ونحوه وقيل : إنه يحنث لأنها من العقود التي لا يستغني فيها عن ذكر الموكل لأن الوكيل يقول : أدعي لموكلي . ولكن المفتى به أن الآمر لا يحنث بفعل مأموره في المخاصمة . ومثل هذه العقود الفعل الذي تقتصر أصل الفائدة فيه على محله كما إذا حلف لا يضرب ولده فأمر وكيله بضربه فإنه لا يحنث لأنه فائدة الضرب مقصورة على فائدة الولد وهي تأديبه ولكنه لا يحنث في مثل هذا إذا لم يكن العرف على خلافه فإن كان العرف على أن ضرب المأمور ينسب إلى الآمر كما يقول الأب لابنه : غدا أعطيك " علقة " ثم يذهب لمؤدبه فيضربه بأمره فينسب الضرب للأب ويقال : إن الأب ضرب ابنه فإنه في هذه الحالة إذا حلف لا يضرب ابنه فأمر مؤدبه بضربه فإنه يحنث لأن ضرب المؤدب منسوب إليه وكذلك سائر العقود المذكورة إن كان الحالف بها ذا سلطان لا يباشر بنفسه فإنه يحنث إذا فعلها بنفسه أو بوكيله عملا بالعرف .
فهذه هي العقود التي لا يحنث فيها الآمر بفعل المأمور .
أما العقود التي لا ترجع حقوقها المترتبة عليها على من يباشرها بل ترجع على الآمر بها يحنث بفعل وكيله كما يحنث بفعل نفسه وهي ما عدا العقود التي ذكرت آنفا . ومنها النكاح فإن الحقوق المترتبة عليه ترجع للآمر فهو الذي يطالب بالمهر والنفقة والقسم وكل حقوق الزوجية المترتبة على العقد ولهذا ينسب الشخص المباشر إلى الآمر به فيقول : زوجت موكلي من فلانة ولا يحنث إلا بالعقد " الصحيح " أما الفساد فلا يحنث به مطلقا .
ومنها الاستقراض " وهو أن يطلب شخص من آخر قرضا " فإذا حلف لا يستقرض شيئا ثم أرسل إلى رجل رسولا يستقرض له منه كذا من الدراهم فقال له : إن فلانا يشتقرض منك كذا فإنه يحنث ولو لم يقرضه . أما إذا قال له الرسول : أقرضني كذا فإنه لا يكون استقراضا بل يكون قرضا للرسول ولهذا يصح التوكيل في القرض وفي قبضه كأن يقول له : أقرضني كذا ثم يوكل عنه من يقضيه . أما الاستقراض فإنه لا يصح التوكيل فيه بل يكون الرسول معبرا فقط لأنه يقول للمرسل إليه : إن فلانا يستقرض منك كذا فلا بد في الاستقراض من نسبته إلى الآمر . وإذا أقرضه يكون المال للمرسل فإذا ضاع من الرسول كان المرسل ضامنا له بخلاف القرض فإنه يكون ملكا للوكيل وله أن يمنعه عن الأمر فلهذا يحنث في صورة الاستقراض لا في صورة القرض .
ومنها الهبة فإنه إذا حلف لا يهب لفلان كذا أو حلف لا يهب هذا الشي بخصوصه أو حلف لا يهب وأطلق فإنه يحنث إذا وهب بنفسه . أو وكل عنه من يهب . سواء قبل الموهوب له أو لم يقبل قبض أو لم يقبض وسواء كانت الهبة صحيحة أو لا وكذا إذا حلف ليهبن لفلان كذا فوهبه إياه فإنه يبر وإن لم يقبل الموهوب . ويشترط في الحنث في المثال الأول والبر في المثال الثاني : أن يكون الموهوب له حاضرا فلو وهب الحالف لغائب لا يحنث على أي حال . وإذا لف لا يهب هذا الشيء لفلان ثم وهبه له على عوض فإنه يحنث أما إذا وكل أحدا فوهبه له على عوض فإنه لا يحنث .
وإذا حلف إن وهب لفلان كذا فعليه طلاق فوهب له فإنه يحنث وإن لم يقبل لما علمت من أن قبول الموهوب ليس شرطا في بر الحالف أو حنثه بخلاف ما إذا حلف لا يبيع لفلان كذا فباعه فلم يقبل فإنه لا يحنث . وكذا إذا حلف ليبيعنه كذا فلم يقبل فإنه لا يحنث . والفرق أن الهبة عقد تبرع يتم بالمتبرع به فيكفي فيها الإيجاب بخلاف البيع فإنه عقد معاوضة لا بد فيه من فعل الجانبين البائع والمشتري فلا بد فيه من الإيجاب والقبول .
ومنها الصدقة فإنه إذا حلف لا يتصدق فإنه يحنث إذا تصدق بنفسه أو بوكيله سواء قبل المتصدق عليه أو لم يقبل قبض أو لم يقبض وكذا إذا حلف لا يقبل صدقة فوكل من يقبضها له فإنه يحنث . وإذا حلف لا يتصدق فوهب لفقير فإنه يحنث لأن العبرة بالمعنى ما لم ينو خصوص الهبة فإنه لا يحنث . وإذا حلف لا يهب فتصدق على غني فإنه لا يحنث لأن الصدقة على الغني ليست هبة إذ لا يملك الرجوع .
ومنها الطلاق فلو حلف أن لا يطلق ثم وكل رجلا بأن يطلق عنه فإنه يحنث وإذا قال لامرأته : إن دخلت الدار فأنت طالق . ثم حلف بعد ذلك أنه لا يحلف بالطلاق ثم دخلت امرأته الدار فإنه يحنث في اليمين الأولى دون الثانية أما إذا حلف أولا أنه لا يحلف بالطلاق ثم قال لامرأته : إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار فإنه يحنث في اليمينين ومنها قضاء الدين وقبضه فلو حلف لا يقبض الدين من غريمه اليوم حنث بقبض وكيله أما إذا وكله بقبضه قبل اليمين ثم حلف فقبضها الوكيل بعد اليمين فقيل يحنث وقيل لا يحنث .
ومنها الذيح فلو حلف لا يذبح شاة في ملكه فأمر وكيله بذبحها فإنه يحنث . ومنها الإيداع والإعارة فلو حلف لا يودع عند فلان شيئا أو يعيره ففعل وكيله فإنه يحنث ومنها الاستعارة فإذا حلف لا يستعير من فلا ثم أرسل له رسولا يستعير منه فقال له : إن فلانا يستعير منك كذا فإنه يحنث . أما إذا قال : أعرني فإنه لا يحنث لأن ملك المنفعة يقع له لا للآمر فلا يحنث كما تقدم في الاستقراض .
ومنها الكسوة فإذا حلف لا يلبس شيئا أو لا يكسوه سواء ذكر معينا أو أطلق فإنه يحنث بفعل وكيله وليس التكفين من الكسوة فإذا حلف لا يكسوه فكفنه فإنه لا يحنث ومنها الحمل فإذا حلف لا يحمل لزيد متاعا أو غيره فإنه يحنث إذا حمله وكيله . ومثل العقود والأفعال التي لا يباشرها الإنسان بنفسه . بل يأمر غيره بفعلها كالبناء والخياطة ونحوهما فإذا حلف لا يبني هذا الحائط أو لا يخيطن هذا الثوب أو لا يختتن أو لا يحلق رأسه أو لا يقلع ضرسه فأمر غيره بفعلها فإنه يحنث .
الشافعية - قالوا : إذا حلف ليضربنه فإنه يبر إذا ضربه بيده سواء كانت مفتوحة أو مضمومة أو دفعه ولو بغير اليد ونحو ذلك مما يسمى ضربا أما إذا عضه أو خنقه أو قرصه أو نتف شعره أو وضع سوطا عليه بدون ضرب فإنه لا يبر ولا يشترط الإيلام بالفعل بل الشرط أن يكون الضرب شديدا في نفسه وإن لم يتألم المضروب لمانع كحائل ثخين فوق جسمه أما الضرب الخفيف فإنه لا يؤلم لا بالفعل ولا بالقوة فلا يبر به بخلاف الحد والتعزير فإنه يشترط فيهما الإيلام بالفعل وإذا حلف ليضربنه ضربا شديدا ونحوه فإنه لا يبر إلا إذا آلمه بالفعل وكذلك إذا نوى الضرب الشديد فإنه لا يبر إلا إذا ضربه ضربا مؤلما بالفعل . وإذا حلف ليضربنه " علقة " فإنه يبر إذا ضربه ضربا يسمى علقة في العرف على الظاهر لأن الأيمان بغير الطلاق مبنية على العرف كما تقدم .
وإذا حلف ليضربنه مائة سوط أو خشبة فجمع مائة سوط أو خشبة وشدها وضربه بها ضربة واحدة فإنه يبر . وإذا حلف ليضربن مائة خشبة فضربه بعرجون عليه مائة غصن فإنه يبر أما إذا حلف ليضربنه مائة سوط فضربه بعرجون عليه مائة غصن فإنه لا يبر لأن العرجون ليس من جنس السوط . وإذا شك في إصابة الكل لبدنه فإنه يعمل بالظاهر وهو إصابة الكل ويبر كذا إذا ترجح عدم إصابة الكل فإنه يبر أيضا على المعتمد . لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة والإحالة على السبب الظاهر وهو الضرب فإنه سبب ظاهر في انكباس الأسواط على البدن والانكباس أمارة على إصابة الكل فيبر ولو ترجح عدم إصابة الكل أما إذا حلف ليضربنه مائة مرة فجمع مائة سوط وضربه بها مرة واحدة فإنه لا يبر لأنه في هذه الحالة لم يضربه إلا مرة وقد حلف ليضربنه مائة مرة فلا يبر .
( يتبع . . . )