في هذا المبحث مسائل مختلفة في المذاهب .
( المالكية - قالوا : إذا حلف ليضربن غلامه عشرين سوطا مثلا ثم جمع السواط وضربه بها مرة واحدة فإنه لا يبر بذلك بل لا بد في البر من ضربه بالسوط العدد متفرقا على العادة ثم إن الضربة التي حصلت بها إن حصل منها إيلام المنفردة حسبت واحد وإن لم يحصل منها إيلام كلإيلام المنفردة فلا تحسب .
وإذاحلف لا يقبل زوجه فقبلته هي فإن استرخى لها حنث وإنما يحنث إذا قبلته في فمه أما إذا قبلته في خده فإنه لا يحنث وإذا حلف عليها أن لا تقبله فقبلته حنث مطلقا سواء استرخى لها أو لا وسواء قبلته في الفم أو غيره وإذا حلف لا يقبلها فقبلها حنث سواء قبلها في الفم أو في غيره .
وإذا كان له عند آخر حق فحلف أنه لا يفارقه أو قال : لا تفارقني حتى آخذ منك حقي أو حتى أستوفي حقي أو أقبض حقي ففر منه قبل أخذ حقه منه فإنه يحنث سواء فرط بأن لم يقبض عليه حتى فر أو لم يفرط بأن فر منه كرها أو استغفالا .
وإذا أحاله على شخص آخر وقبل الحوالة فقيل إنه لا يجزئه بل يحنث حتى ولو قبض الحق بحضرة الغريم ولكن هذا إذا لم يكن العرف على خلافه والعرف في مصر على الاكتفاء بالحوالة في مثل هذا ومعلوم أن الأيمان مبنية على العرف .
وإن حلف أنه علم بالأمر الفلاني فإنه يخبر به فلانا أو يعلمه به فعلم به ولم يعلم فلانا حتى علمه فلان من غير الحالف فإن الحالف يطلب منه أن يعلمه ولم يبر بإعلامه مشافهة أو برسول أو كتاب فإن فعل بر في يمينه فإذا علم الحالف أن المحلوف له علم بالخبر من غيره فقيل : يكفي هذا في بره ولا يطلب بإعلامه لحصول المقصود وقيل : لا يكفي .
وإذا كان لشخص ثوب مرهون فطلب شخص استعارته منه فحلف له أن ليس لي ثوب فإن كان لا يقدر على فك الرهن لعسره أو لكون الدين مما لا يجعل فلا يحنث اتفاقا وإن كان يقدر على فك الرهن فإن نوى أنه لا ثوب له غير المرهون فإنه لا يحنث اتفاقا أيضا وإن برق لا ثوب له تمكن إعارته فإن كانت قيمته قدر الدين فإنه لا يحنث أيضا وكذا إن كانت قيمته تريد على الدين فإنه لا يحنث على المعتمد .
وإذا حلف لا يعير فلانا ثوبه أو داره فإنه يحنث بالصدقة عله بهما وبكل ما ينفعه من إسكان أو وقف أو غير ذلك . وإذا نوى بيمينه خصوص العارية فإنه يقبل قوله عند المفتي مطلقا ولا يقبل قوله قضاء في الطلاق والعتق المعين .
وإذا كان الأمر بالعكس بأن حلف لا يتصدق على فلان أو لا يهبه شيئا فأعاره وادعى أنه قصد الهبة والصدقة حقيقة لا عدم نفعه مطلقا فإنه لا يحنث بالعارية ويصدق عند القاضي حتى في الطلاق والعتق المعين وكذا إذا حلف لا يتصدق عليه بكذا فوهبه إياه وادعى أنه قصد حقيقة الصدقة لا عدم نفعه فإنه يصدق عليه بكذا فوهبه إياه وادعى أنه قصد حقيقة الصدقة لا عدم نفعه فإنه يصدق عند القاضي أيضا حتى في الطلاق والعتق المعين .
وإذا كان الأمر بالعكس بأن حلف لا يهبه شيئا فتصدق عليه به وادعى أنه قصد خصوص الهبة فإنه لا يصدق عند القاضي في الطلاق والعتق المعين أما عند المفتي فإنه يصدق في الجميع .
وإذا حلف ليسافرن ولم يكن له نية ولا ليمينه بساط فإنه يلزمه أن يسافر مسافة القصر حملا له على المعنى الشرعي لأنه يقدم على الراجح كما تقدم . ويلزمه أن يمكث في المعنى اللغوي على المحل الذي انتهى سفره إليه نصف شهر بمعنى أنه لا يرجع إلى بلده الذي سافر منه أو إلى غيره مما ليس بينه مسافة القصر فإن رجع قبل نصف شهر فإنه لا يبر أما إذا استمر مسافرا نصف شهر بعد مسافة القصر فإنه يبر إذ لا تلزمه الإقامة ويندب له أن يكمل الشهر وكذا إذا حلف لينتقلن من هذه البلدة فإنه يلزمه أن ينتقل إلى بلد أخرى بشرط أن يكون بينهما مسافة القصر فإذا انتقل إلى بلد دون مسافة القصر فإنه لا يبر ويلزمه أن يمكث نصف شهر بعد الانتقال ويندب كمال الشهر . أما إذا حلف لينتقلن من هذه الدار أو من هذه الحارة فإنه يكفي أن ينتقل إلى دار أخرى أو إلى حارة أخرى ولا يشترط أن يكون بينهما مسافة قصر ويمكث نصف شهر ويندب أن يكمل الشهر . هذا إذا قصد إرهاب جاره أما إذا كره جواره فحلف فإنه يحنث إذا رجع في أي وقت .
وإذا أطلق اليمين كأن حلف لينتقلن ولم يقل من البلد أو الحارة أو الدار ولم ينو واحدا منها ولم يكن ليمينه بساط يعين مراده فإنه يلزمه أن يسافر مسافة القصر ولا يعود " بعد أن ينتهي في سفره إلى تلك المسافة " إلا بعد نصف شهر كما تقدم في المثال الأول وإلا فلا يبر .
وإذا حلف ليقضين فلانا حقه بعد عشرة أيام فلما مضت تسعة منها عمد الحالف إلى مال غيره فأخذه بدون عمله وأعطاه المحلوف به قضاء لحقه . فإن في هذه المسألة تفصيلا : وذلك لأنه إما أن يعلم صاحب المال بذلك قبل انقضاء الأجل أو بعده فإن علم قبل انتقضاء الأجل فإن الحالف لا يحنث أما إن علم صاحب المال بعد العشرة الأيام ففيها أقوال أقربها إلى الصواب أنه يحنث مطلقا سواء أجازرب المال فعله أو لم يجزه وأخذ ماله . وكذا إذا عمد الحالف إلى سلعة من غير جنس الدين يستحق بعضها والبعض الآخر مستحق لغيره فقضى بها دينه فإنه يحنث ولو كان البعض الذي يستحقه يفي بالدين لأن المحلوف له ما رضي إلا بالكل فلما ذهب البعض انفض الرضا . وكذا إذا قضاه بشيء وجد فيه عيبا كأن أعطاه فضة فوجد فيها نحاسا أو رصاصا ولم يرض صاحب الحق به أما إن رضي فإنه لا يحنث ما لم ينقص في العداد أو في الوزن في المتعامل به مكيلا كان أو موزنا فإنه في هذه الحالة يحنث ولو رضي صاحب الدين .
وإذا حلف لا يضمنه فضمن وكيله ففي المسألة تفصيل وذلك لأنه لا يخلو : إما أن يعلم بأنه وكيله أو لا فإن علم بأنه وكيله فإنه يحنث إذا ضمنه في شيء اشتراه أو اقترضه للمحلوف عليه مطلقا سواء كان ذلك الوكيل قريب المحلوف عليه أو نسيبه أو صديقه أو لم يكن كذلك وسواء علم الضامن بقرابته أو لم يعلم . أما إذا ضمن الوكيل في شيء اشتراه أو اقترضه لنفسه فإنه لا يحنث ولو علم بأنه وكيل وقت الضمان وإذا لم يعلم بأنه وكيله وضمنه في شيء اشتراه للمحلوف عليه فإنه يحنث إذا كان الوكيل قريب المحلوف عليه أو نسيبه أو صديقه فإذا لم يعلم بقرابته أو نسبه أو صداقته أيضا فقيل يحنث وقيل لا يحنث . فإذا كانت يمينه بالطلاق ونحوه وادعى أنه لا يعلم صلته بالمحلوف عليه فإنه يصدق قضاء إن كانت تلك الصلة غير مشهورة على القول الثاني فإن كانت مشهورة فلا يقبل قوله قضاء أما في الفتوى فإنه يقبل قوله سواء كانت الصلة مشهورة أو غير مشهورة .
وإذا حلف لا ببيع من زيد شيئا أو لا يتولى له بيعا بسمسرة ونحوها فإنه يحنث إذا باع لوكيله أو تولى لوكيله بيعا إن كان ذلك الوكيل قريبا أو صديقا لزيد ولو لم يعلم بأنه وكيل وفي عمله بالقرابة الخلاف المتقدم في المسألة الأولى أما إن علم بأنه وكيله فإنه يحنث سواء كان الوكيل قريبا أو لا .
وإذا قال البائع للوكيل : حلفت أن لا يبيع من زيد شيئا وأخاف أن تكون وكيله فقال الوكيل : البيع لي لا له ثم ثبت بالبينة أنه لزيد فإنه يلزم البيع ويحنث الحالف ما لم يقل الحالف إن كنت تشتري له فلا بيع بيني وبينك فإنه لا يحنث ولا يلزم البيع على المعتمد .
وإذا أسر محمد حديثا لعلي ثم استحلفه على كتمانه بحيث لا يخبر به أحدا ثم إن محمدا أسر حديثه لخالد أيضا فذهب خالد لعلي وقال له الحديث فقال على ما أظن أن محمدا يسر هذا الحديث لغيري فإنه يحنث بهذه الكلمة لأنها تكون كالإخبار ولو لم يقصد بها ذلك .
وإذا حلف لا يكلم زوجه حتى تفعل كذا ثم قال لها عقب يمينه : اذهبي أو انصرفي فإنه يحنث ولا يتوقف الحنث على كلام آخر . أما إذا حلف لا يكلم فلانا حتى يبدأه بالكلام فقال له : فلان لا أبالي بك فإنه لا يعتبر بهذه العبارة بادئا بالكلام فيحنث إذا كلمه عقبها أن يبدأه بكلام آخر .
وإذا حلف ليقضين فلانا حقه في وقت كذا فباع له سلعة بيعا فاسدا " متفق على فساده " وجعل الثمن في نظير الحق الذي عليه ففي هذه المسألة تفصيل : وذلك لأنه إما أن يسلم السلعة لصاحب الدين ويفوتها في يده قبل حلول الأجل المحلوف إليه أو لا يفوتها فإن فاتها قبل الأجل فإنه لا يحنث بشرط أن تكون قيمتها تفي بالدين فإن كانت أقل يحنث إلا إذا كمل له بقية الأجل وإن لم يتركها في يده قبل الأجل بأن لا يفوتها له أصلا أو يفوتها بعد الأجل ففي هذا الخلاف .
والذي اختاره بعضهم أنه يحنث إن كانت القيمة لا تفي بالدين ولا يحنث إن كانت تفي به .
وإذا حلف ليقضينه حقه في وقت كذا فوهبه رب الدين له وقبل الحالف الهبة فإنه يحنث إذا مضى الأجل ولم يقض الدين . أما إذا دفع الدين قبل مضي الأجل فإنه لا يحنث على التحقيق لأن مجرد قبول الهبة لا يوجب الحنث .
وإذا حلف ليقضينه حقه في وقت كذا فقضاه عنه قريب له بدون إذنه فإن علم بذلك قبل حلول الأجل ورضي به فإنه يبر أما إذا لم يعمل قبل حلول الأجل حتى مضى الأجل ولم يقض فإنه يحنث سواء دفع قريبه من مال الحالف أو من ماله ما لم يكن الدافع وكيلا مفوضا للحالف أو وكيلا في قضاء الدين فإنه في هذه الحالة لا يحنث أما إذا دفعه عن وكيل له في بيع أو شراء أو وكيل ضيعة وهو الذي يوكله في قبض خراج العقار أو في شراء نفقات المنزل من لحم وخضار وصابون ونحو ذلك أو وكيل تقاضي " أي وكيل في خصومات القضاء " فإنه يحنث . وكذلك إذا تذكر أنه دفع الحق لصاحبه وأبرأه أو شهدت الشهود عند القاضي بأن صاحب الحق قد أخذ حقه فإنه يلزمه أن يدفعه قبل حلول الأجل ثم يأخذه ثانيا .
وإذا حلف ليتزوجن فإنه لا يبر إذا تزوج امرأة لا تليق لمثله لدناءتها . كما إذا تزوج مومسا أو فقيرة وكان موسرا ولو دخل بها . وكذا إذا تزوجها بعقد نكاح فاسد يفسخ قبل الدخول بها أو بعده كنكاح الشغار والمتعة ونكاح المحرم فإن قيد يمينه بأجل كأن قال : لأتزوجن في شهر كذا فإنه يحنث إذا فات الأجل ولم يتزوج بعقد صحيح على امرأة يشبه التي حلف ليتزوجن عليها قدرا ورفعة ولا يشترط في بر اليمين أن يكون الزواج لرغبة فيه ونسب بل يكفي ولو قصد مجرد إبراز اليمين .
ومن حلف لا يكفل أحدا في مال فضمن شخصا ضمان وجه " أي ذات الشخص " فإنه يحنث وذلك لأنه يؤول إلى ضمانه في المال عند العجز عن إحضار شخصه إلا إذا اشترط في الضمان عدم الغرم للمال إذا عجز عن إحضاره . فإنه في هذه الحالة لا يحنث لأن هذا يكون ضمان طلب حينئذ وهو لا يحنث به في حلفه لا يكفل في مال . وإذا حلف لا أتكفل وأطلق أي لم يقل في مال أو غيره فإنه يحنث بجميع أنواع الضمان وهي ضمان الغرم للمال وضمان الوجه وضمان الطلب وإذا حلف لا يضمن زيدا فضمن وكيل زيد في شيء اشتراه الوكيل لزيد لا لنفسه فإنه يحنث .
وإذا باع شخص سلعة لآخر ولم يقبض البائع الثمن من المشتري . ثم إن المشتري طلب من البائع أن يحط عنه شيئا من الثمن فحلف البائع أن لا يترك مر حقه شيئا فأعاد له السلعة المبيعة ثانيا فقبلها المشتري واقاله من البيع فعلى القول بأن الإقالة رد للبيع الأول فإنه لا يحنث مطلقا سواء كانت قيمة السلعة حين الإقالة تساوي قيمتها حين البيع أو كانت أقل من الثمن الذي باع به لأن بساط يمينه إن ثبت لي حق فلا أضع شيئا منه وحيث انحل البيع وردت السلعة فلم يثبت للبائع حق عند المشتري فلا يحنث . أما على القول بأن الإقالة بيع فإنه لا يحنث إذا كانت قيمة السلعة حين الإقالة تساوي الثمن الذي بيعت به فأكثر تحقيقا . أما إذا كانت أقل منه فإنه يحنث إلا أن يدفع له المشتري ما نقصه فإنه لا يحنث لأنه ما ترك شيئا من حقه حينئذ . ويشترط في عدم الحنث أن لا يدفع له الناقص على سبيل الهبة فإن وهبه إياه فإنه يحنث .
وإذا حلف بطلاق أو غيره ليقضينه حقه في وقت كذا إلا إذا أخر له إلى وقت آخر فمات صاحب الحق قبل أن يؤخر له فإذا كان له وارث رشيد وأخره أجلا ثانيا فإنه لا يحنث إذا لم يدفع عند الأجل الأول . أما إذا لم يؤخره الوارث الرشيد أجلا آخر فإنه إذا لم يدفع في الموعد الذي ضربه للقضاء فإنه يحنث ولا ينفع تأخيره الوارث إذا كان على الميت دين يستغرق التركة .
وإذا حلف ليقضينه حقه في وقت كذا إلا إذا أخره مدة أخرى فمات صاحب الحق قبل أن يؤخره وترك ورثة صغارا أو محجورا عليهم لسفه أو جنون فأخره الوصي مدة أخرى فإنه لا يحنث سواء أخره لمصلحة الصبي أو المحجور عليه كأن خاف إنكار الدين أو خاف خصام الحالف أو أخره لغير ذلك . إلا أنه يحرم على الوصي أن يؤخره مدة أخرى من غير نظر إلى مصلحة الصغير أو المحجور عليه .
ويشترط لعدم الحنث بتأخير الوصي أن لا يكون على الميت دين يستغرق التركة فإن كان عليه دين يستغرق التركة فالكلام لأصحاب الدين فيجوز لهم أن يؤخروا الدين عند الحالف مدة أخرى بشرط أن يبرئوا ذمة الميت من القدر الذي تأخر قبضه عند الحالف . فإن لم يفعلوا ذلك فإن تأخيرهم الدين عند الحالف لا يجزئه . ولو تركوا له المبلغ ويشترط أيضا أن يقع التأخير من جميع الغرماء فإن أخر بعضهم دون بعض فإنه يجب التعجيل لمن لم يؤخره .
( يتبع . . . )