( تابع . . . 2 ) : في هذا المبحث مسائل مختلفة في المذاهب ( المالكية - قالوا : إذا حلف .
وإذا حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفي حقه منه ثم فارقه الحالف فإنه يحنث بشرطين الأول أن يكون مختارا فإنه أكره على مفارقته فإنه لا يحنث الثاني أن يكون ذاكرا لليمين فإذا نسي فإنه لا يحنث . أما إذا فارقه غريمه فإنه لا يحنث وإن أذن له أو تمكن من اتباعه لأنه إنما حلف على فعل نفسه فلا يحنث بفعل غيره ويحنث الحالف بمفارقته لغريمه على أي حال فلو كان ماشيين ووقف الغريم وتركه الحالف وذهب فإنه يحنث أو وقف الحالف فتركه الغريم وذهب فلم يتبعه فإنه يحنث . وكذا إذا فارقه بسبب ظهور فلسه أو فارقه بعد أن أحاله على من يسد عنه وكذا يحنث إذا أبرأه من الحق ولو لم يفارقه . وكذا يحنث إذا عوضه عن حقه شيئا أو ضمنه ضامن إذا كان عالما بأن هذا لا يصح أما إذا ضمنه ضامن أو عوضه عن حقه فظن صحة ذلك جهلا منه فإنه لا يحنث وإذا استوفى حقه وفارقه فوجده غير جنسه كأن وجده مغشوشا أو نحاسا ولم يعلم به فإنه لا يحنث لعذره أما إذا علم به فإنه يحنث وكذا لا يحنث إذا وجده رديئا لأن الرداءة لا تمنع استيفاء الحق .
وإذا حلف لا يفعل كذا كأن حلف لا يبيع أو لا يشتري أو لا يرهن أو لا يتصدق إلى غير ذلك فوكل غيره ففعله فإن الحالف لا يحنث لأنه إنما حلف على فعل نفسه لا فعل وكيله ما لم ينو أنه لا يفعله لا بنفسه ولا يفعل وكيل عنه فإنه يحنث إذا فعله وكيله حينئذ . ويستثنى من ذلك ما إذا حلف لا بتزوج فإنه يحنث إذا قبل الزواج لنفسه أو قبله له وكيله لأن الوكيل في الزواج لا لنفسه ولا لغيره فإنه يحنث إذا قبله لغيره وكذا إذا حلف لا يراجع مطلقته فوكل من راجعها فإنه يحنث على المعتمد . وكذا إذا حلفت المرأة لا تتزوج فأذنت لوليها في زواجها فزوجها فإنها تحنث أما لو زوجها مجبرها بدون إذنها فإنها لا تحنث .
وإذا حلف لا يهب فإنه يحنث بالهدية وصدقة التطوع وذلك لأن الهبة تطلق على معنيين : أحدهما عام يشمل الصدقة والهدية والهبة ذات الأركان " وهو تمليك عين تطوعا حال الحياة ثانيهما خاص بالهبة ذات الأركان فلا يشمل الهدية والصدقة وهو " تمليك تطوع في حياة لا من أجل إكرام ولا من أجل ثواب أو احتياج بإيجاب وقبول " وهذا هو معنى الهبة ذات الأركان فإذا حلف لا يهب فتصدق أو أهدى فإنه يحنث نظرا لكون الهبة تطلق على الصدقة أما إذا حلف لا يتصدق فوهب أو أهدى فإنه لا يحنث لأن الصدقة لا تطلق على الهبة ذات الركان ولا على الهدية ولهذا حلتا للنبي A دون الصدقة .
وإذا حلف لا يهب له فأعاره أو وقف عليه فإنه لا يحنث لأن الإعارة والوقف لا تمليك فيهما وكذلك الضيافة فإنه لا تمليك فيها فلا يحنث بها . وكذلك لا يحنث إذا وهب له عينا ولم يقبضه الموهوب له لأنه وإن ملكه لكن الملك لم يكن تاما وهو شرط في الحنث . وكذلك لا يحنث إذا ملكه ملكا تاما ولكن لم يكن تطوعا كما إذا ملكه زكاة ماله أو النذر أو الكفارة . وكذلك لا يحنث إذا أوصى له لأنه وإن ملكه ملكا تاما ولكنه لم يكن حال الحياة بل بعد الموت . وإذا حلف لا يشتري أو لا يأكل طعاما اشتراه زيد فإنه يحنث بما اشتراه زيد وحده . أما إذا اشتراه مع شريط له فإنه لا يحنث بالأكل منه ولا فرق بين أن يشتريه سلما بأن يدفع الثمن عاجلا ويؤخر قبض الطعام وبين أن يشتريه تولية بأن يأخذه برأس ماله بدون زيادة ربح أو أن يشتريه مرابحة بأن يأخذه بربح معين لأنها من أنواع الشراء . وكذلك لا يحنث بالأكل مما اشتراه وكيله .
وإذا حلف لا يدخل دارا اشتراها زيد فإنه لا يحنث إذا دخل دارا أخذها بشفعة الجوار بعد حكم الحنفي له بها أو أخذ بعضها بشفعة وباقيها بشراء لأن ذلك لا يسمى شراء عرفا .
الحنابلة - قالوا : إذا حلف ليضربنه مائة سوط أو مائة عصا أو حلف ليضربنه مائة ضربة أو مائة مرة فجمع المائة وضربه بها ضربة واحدة لميبر وإنما يبر إذا ضربه مائة ضربة مؤلمة . أما إذا قال : لأضربنه بمائة سوط وأتى بالباء ثم جمع المائة وضربه بها مرة واحدة فإنه يبر لأنه يكون ضربه بمائة سوط في هذه الحالة .
وإذا حلف ليضربن امرأته فخنقها أو عضها أو قرصها أو نتف شعرها فإن فعل ذلك مداعبة وتلذذا فإنه لا يحنث وأما إذا فعله تأليما فإنه يحنث . وإذا حلف لا يكفل فلانا في مال فكفله ببدنه فإن شرط البراءة عن المال إن عجز عن إحضاره فإنه لا يحنث . أما إذا لم يشترط البراءة عند العجز عن إحضاره فإنه يحنث لأنه يضمن ما عليه إذا عجز عن إحضاره فترجع المسألة إلى الكفالة في المال وقد حلف أن لا يكفل في المال وإذا حلف من عليه حق لزيد ليقضينه حقه فأبرأه زيد فإنه يبر . وإذا مات زيد فقضى الحالف ورثته فإنه يبر لأن قضاء ورثته يقوم مقام قضائه . وإذا حلف ليقضينه غدا فأبرأه اليوم أو أبرأه قبل مضي الغد فإنه لا يحنث . وكذا إذا مات صاحب الحق فقضاه الحالف لورثته فإنه لا يحنث . وإذا حلف لا يفارق زيدا حتى يستوفي حقه منه فهرب زيد من الحالف بغير اختياره أو فارقه الحالف مكرها كأن هدد بالضرب ونحوه فإنه لا يحنث . وكذا إذا قضاه بدل حقه عرض تجارة ونحوه فإنه لا يحنث أما إذا فارقه باختياره كأن هرب منه وهو متمكن من ملازمته والمشي معه فإنه يحنث سواء أبرأه من الحق أو لا . وكذا إذا أذن له في مفارقته فإنه يحنث . وإذا أحاله المدين على حكمه كحكم الناسي فيحنث في الحلف بالطلاق والعتاق . ولا يحنث في اليمين بالله والنذر . وإذا وكل الحالف أحدا عنه أن لا يفارق زيدا حتى يستوفي حقه ففارقه المدين قبل أن يستوفي الوكيل منه حقه حنث . وإذا حلف لا افترقنا حتى أستوفي حقي فأكرههما غيرهما على الافتراق أو أكره أحدهما فإنه لا يحنث أما إذا افترقا باختيار الحالف فإنه يحنث .
وإذا حلف لا يشتري هذا الجمل فشارك فيه بأن اشترى بعضه بقسط من الثمن فإنه يحنث وكذلك إذا اشتراه بثمنه الأصلي بدون أن يعطي البائع ربحا واشتراه سلما بأن دفع الثمن عاجلا على أن يقبض المبيع فإنه يحنث وإذا حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا فإنه لا يحنث . أما إذا حلف لا يبيع ما لا يصح بيعه كما إذا حلف لا يبيع الخمر فباعها فإنه يحنث . وكذا إذا حلف لا يزوج فلانا فزوجه زواجا فاسدا فإنه لا يحنث أما إذا حلف لا يحج فحج حجا فاسدا فإنه يحنث كما تقدم . وإذا حلف لا يبيع فباع بيعا فيه الخيار فإنه يحنث لأنه بيع شرعي وإذا حلف لا أبيع كذا فباعه لرجل فلم يقبل فإنه لا يحنث وكذا إذا حلف لا أزوج فلانا فزوجه فلم يقبل فإنه لا يحنث .
وكذا إذا حلف لا أؤجر هذا المنزل فأوجره لآخر فلم يقبل فإنه لا يحنث . أما إذا حلف لا يهب لزيد شيئا ولا يوصي له ولا يتصدق عليه أو حلف لا يعيره شيئا ثم وهب له أو أوصى أو تصدق أو أهدى أو أعاره ولم يقبل زيد فإن الحالف يحنث .
وإذا حلف لا يتصدق عليه فوهبه لم يحنث وإذا حلف لا يهبه شيئا فأسقط عنه دينا أو أعطاه من نذره أو كفارته أو صدقته الواجبة أو أعاره أو أوصى له فإنه لا يحنث . أما إذا تصدق عليه صدقة تطوع فإنه يحنث لأن صدقة التطوع من أنواع الهبة وكذا إذا أهدى له أو وقف عليه فإنه يحنث . وكذلك إذا باع له شيئا وحاباه في ثمنه أو وهب له بعض الثمن فإنه يحنث وإذا حلف لا يتصدق فأطعم عياله فإنه لا يحنث .
وإذا حلف ليتزوجن فإنه يبر بعقد نكاح صحيح لا فاسد . وإذا حلف ليتزوجن على امرأته " ولا نية له ولا سبب ليمينه " فإنه لا يبر إلا بدخوله بنظيرتها أو بمن تتأذى بها وتغمها فإن تزوج عجوزا زنجية فإنه لم يبر .
وإذا حلف لا أفارقك حتى أوفيك حقك وكان الحق دينا فأبرأه صاحب الدين فإنه لا يحنث أما إذا كان الحق عينا من وديعة وعارية ونحوها فإنه إذا وهبها له مالكها منه فقبلها يحنث لأن البر فاته باختياره لتوقفه على قبوله لأنه إذا لم يقبل لا يحنث . وإذا قبضها مالكها منه ثم وهبها إياه فإنه لا يحنث . وإذا كانت يمينه لا أفارقك ولك في قبلي حق فأبرأه صاحب الدين أو وهب له العين أو أحاله المدين بدينه فإنه لا يحنث وما نواه بيمينه في ذلك مما يحتمله لفظه فهو على ما نواه . وإذا حلف لا يباشر لزيد بيع شيء فوكل زيد رجلا غير الحالف في أن يباشر له بيع فرسه فأعطاها الوكيل للحالف ليباشر بيعها بدون أن يعلمه بأنها لزيد فباعها فإنه لا يحنث إلا في اليمين بالطلاق والعتاق . وإذا حلف لا يشتري شيئا اشتراه زيد فاشترى زيد سلعة بالشركة مع عمرو فإن الحالف يحنث بشرائها إلا إذا نوى أن لا يشتري ما انفرد زيد بشرائه فإنه يعمل بنيته وإذا حلف لا يأكل شيئا مما اشتراه زيد فاشترى غير زيد وخلطه به ثم أكل الحالف منه فإن كان القدر الذي أكله قدر ما اشتراه الآخر أو أقل منه فإنه لا يحنث . أما إذا كان أكثر فإنه يحنث . وإذا حلف لا يأكل مما اشتراه زيد فاشترى زيد من الحالف شيئا مأكولا كتمر أو زبيب ونحوهما ثم اقاله الحالف من الشراء وأكل منه لا يحنث لأن الإقالة فسخ يبطل بها الشراء وإذا اشتراه زيد لغيره بوكالة ونحوها ثم أكل منه الحالف فإنه يحنث . وكذا إذا اشتراه زيد ثم باعه لغير الحالف فأكل منه الحالف بعد بيعه فإنه يحنث )