وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وانتصب نحلة على الحال من ( صدقاتهن ) وإنما صح مجيء الحال مفردة وصاحبها جمع لأن المراد بهذا المفرد الجنس الصالح للأفراد كلها ويجوز أن يكون نحلة منصوبا على المصدرية لآتوا لبيان النوع من الإيتاء أي إعطاء كرامة .
وسميت الصدقات نحلة إبعادا للصدقات عن أنواع الأعواض وتقريبا بها إلى الهدية إذ ليس الصداق عوضا عن منافع المرأة عند التحقيق فإن النكاح عقد بين الرجل والمرأة قصد منه المعاشرة وإيجاد آصرة عظيمة وتبادل حقوق بين الزوجين وتلك أغلى من أن يكون لها عوض مالي ولو جعل لكان عوضها جزيلا ومتجددا بتجدد المنافع وامتداد أزمانها شأن الأعواض كلها ولكن الله جعله هدية واجبة على الأزواج إكراما لزوجاتهم وإنما أوجبه الله لأنه تقرر أنه الفارق بين النكاح وبين المخادنة والسفاح إذ كان أصل النكاح في البشر اختصاص الرجل بامرأة تكون له دون غيره فكان هذا الاختصاص ينال بالقوة ثم اعتاض الناس عن القوة بذل الأثمان لأولياء النساء بيعهن بناتهن ومولياتهن ثم ارتقى التشريع وكمل عقد النكاح وصارت المرأة حليلة الرجل شريكته في شؤونه وبقيت الصدقات أمارات على ذلك الاختصاص القديم تميز عقد النكاح عن بقية أنواع المعاشرة المذمومة شرعا وعادة وكانت المعاشرة على غير وجه النكاح خالية عن بذل المال للأولياء إذ كانت تنشأ عن الحب أو الشهوة من الرجل للمرأة على انفراد وخفية من أهلها فمن ذلك الزنى الموقت ومنه المخادنة فهي زنا مستمر وأشار إليها القرآن في قوله ( محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخذان ) ودون ذلك البغاء وهو الزنا بالإماء بأجور معينة وهو الذي ذكر الله النهي عنه بقوله ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ) وهنالك معاشرات أخرى مثل الضماد وهو أن تتخذ ذات الزوج رجلا خليلا لها في سنة القحط لينفق عليها مع نفقة زوجها فلأجل ذلك سمى الله الصداق نحلة فأبعد الذين فسروها بلازم معناها فجعلوها كناية عن طيب نفس الأزواج أو الأولياء بإيتاء الصدقات والذين فسروها بأنها عطية من الله للنساء فرضها لهن والذين فسروها بمعنى الشرع الذي ينتحل أي يتبع .
وقوله ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ) الآية أي فإن طابت أنفسهن لكم بشيء منه أي المذكور . وأفرد ضمير ( منه ) لتأويله بالمذكور حملا على اسم الإشارة كما قال رؤبة : .
فيها خطوط من سواد وبلق ... كأنه في الجلد توليع البهق فقال له أبو عبيدة : إما أن تقول : كأنها إن أردت الخطوط وإما أن تقول : كأنهما إن أردت السواد والبلق فقال : أردت كأنها إن أردت كأن ذلك ويلك ! ! أي أجرى الضمير كما يجري اسم الإشارة . وقد تقدم عند قوله تعالى ( عوان بين ذلك ) في سورة البقرة . وسيأتي الكلام على ضمير ( مثله ) عند قوله تعالى ( ومثله معه ليفتدوا به ) في سورة العقود .
وجيء بلفظ ( نفسا ) مفردا تمييز نسبة " طبن " إلى ضمير جماعة النساء لأن التمييز اسم جنس نكرة يستوي فيه المفرد والجمع . وأسند الطيب إلى ذوات النساء ابتداء ثم جيء بالتمييز للدلالة على قوة هذا الطيب على ما هو مقرر في علم المعاني : من الفرق بين واشتعل الرأس شيبا وبين اشتعل شيب رأسي ليعلم أنه طيب نفس لا يشوبه شيء من الضغط والإلجاء .
وحقيقة فعل ( طاب ) اتصاف الشيء بالملاءمة للنفس واصله طيب الرائحة لحسن مشمومها وطيب الريح موافقتها للسائر في البحر " وجرين بهم بريح طيبة " . ومنه أيضا ما ترضى به النفس كما تقدم في قوله تعالى ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ) ثم استعير لما يزكو بين جنسه كقوله ( ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ) ومنه فعل ( طبن لكم عن شيء من نفسا ) هنا أي رضين بإعطائه دون حرج ولا عسف فهو استعارة .
وقوله ( فكلوه ) استعمل الأكل هنا في معنى الانتفاع الذي لا رجوع فيه لصاحب الشيء المنتفع به أي في معنى تمام التملك . وأصل الأكل في كلامهم يستعار للاستيلاء على مال الغير استيلاء لا رجوع فيه لأن الكل أشد أنواع الانتفاع حائلا بين الشيء وبين رجوعه إلى مستحقه . ولكنه أطلق هنا على الانتفاع لأجل المشاكلة مع قوله السابق ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ) فتلك محسن الاستعارة .
A E