وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

ذلك أن مراد الله تعالى من توجيه الشرائع وإرسال الرسل ليس مجرد قرع الأسماع بعبارات التشريع أو التذوق لدقائق تراكيبه بل مراد الله تعالى مما شرع للناس هو عملهم بتعاليم رسله وكتبه ولما كان المراد من ذلك هو العمل فجعل الله الشرائع مناسبة لقابيليات المخاطبين بها وجارية على قدر قبول عقولهم ومقدرتهم ليتمكنوا من العمل بها بدوام وانتظام فلذلك كان المقصود من التدين أن يكون ذلك التعليم الديني دأبا وعادة لمنتحليه وحيث النفوس لا تستطيع الانصياع إلى ما لا يتفق مع مدركاتها لا جرم تعين مراعاة حال المخاطبين في سائر الأديان ليمكن للأمم العمل بتعاليم شرائعها بانتظام ومواظبة .
وقد كانت أحوال الجماعات البشرية في أول عهود الحضارة حالات عكوف على عوائد وتقاليد بسيطة ائتلفت رويدا على حسب دواعي الحاجات وما تلك الدواعي التي تسببت في ائتلاف تلك العوائد إلا دواع غير منتشرة ؛ لأنها تنحصر فيما يعود على الفرد بحفظ حياته ودفع الآلام عنه ثم بحفظ حياة من يرى له مزيد اتصال به وتحسين حاله فبذلك ائتلف نظام الفرد ثم نظام العائلة ثم نظام العشيرة وهاته النظم المتقابسة هي نظم متساوية الأشكال ؛ إذ كلها لا يعدو حفظ الحياة بالغذاء والدفاع عن النفس ودفع الآلام بالكساء والمسكن والزواج والانتصار للعائلة وللقبيلة ؛ لأن بها الاعتزاز ثم ما نشأ عن ذلك من تعاون الآحاد على ذلك بإعداد المعدات : وهو التعاوض والتعامل فلم تكن فكرة الناس تعدو هذه الحالة وبذلك لم يكن لأحد الجماعات شعور بما يجري لدى جماعة أخرى فضلا عن التفكير في اقتباس إحداهما مما يجري لدى غيرها وتلك حالة قناعة العيش وقصور الهمة وانعدام الدواعي فإذا حصلت الأسباب الآنفة عد الناس أنفسهم في منتهى السعادة .
وكان التباعد بين الجماعات في المواطن مع مشقة التواصل وما يعرض في ذلك من الأخطار والمتاعب حائلا عن أن يصادفهم ما يوجب اقتباس الأمم بعضها عن بعض وشعور بعضها بأخلاق بعض فصار الصارف عن التعاون في الحضارة الفكرية مجموع حائلين : عدم الداعي وانسداد وسائل الصدفة اللهم إلا ما يعرض من وفادة وافد أو اختلاط في نجعة أو موسم على أن ذلك إن حصل فسرعان ما يطرأ عليه النسيان فيصبح في خبر كان .
فكيف يرجى من أقوام هذه حالهم أن يدعوهم الداعي إلى صلاح في أوسع من دوائر مدركاتهم ومتقارب تصور عقولهم أليسوا إذا جاءهم مصلح كذلك لبسوا له جلد النمر فأحسن من سوء الطاعة حرق الجمر لذلك لم تتعلق حكمة الله تعالى في قديم العصور بتشريع شريعة جامعة صالحة لجميع البشر بل كانت الشرائع تأتي إلى أقوام معينين ؛ وفي حديث مسلم في صفة عرض الأمم للحساب أن رسول الله قال : " فيجيء النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد " وفي رواية البخاري " فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط " الحديث . وبقي الحق في خلال ذلك مشاعا بين الأمم ففي كل أمة تجد سدادا وأفنا وبعض الحق لم يزل مخبوءا لم يسفر عنه البيان .
ثم أخذ البشر يتعارفون بسبب الفتوح والهجرة وتقاتلت الأمم المتقاربة المنازل فحصل للأمم حظ من الحضارة وتقاربت العوائد وتوسعت معلوماتهم وحضارتهم فكانت من الشرائع الإلهية : شريعة إبراهيم عليه السلام ومن غيرها شريعة " حمورابي " في العراق وشريعة البراهمة وشريعة المصريين التي ذكرها الله تعالى في قوله ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) .
ثم أعقبتها شريعة إلهية كبرى وهي شريعة موسى عليه السلام التي اختلط أهلها بأمم كثيرة في مسيرهم في التيه وما بعده وجاورتها أو أعقبتها شرائع مثل شريعة " زرادشت " في الفرس وشريعة " كنفشيوس " في الصين وشريعة " سولون " في اليونان .
وفي هذه العصور كلها لم تكن إحدى الشرائع عامة الدعوة وهذه أكبر الشرائع وهي الموسوية لم تدع غير بني إسرائيل ولم تدع الأمم الأخرى التي مرت عليها وامتزجت بها وصاهرتها وكذلك جاءت المسيحية مقصورة على دعوة بني إسرائيل حتى دعا الناس إليها القديس بولس بعد المسيح بنحو ثلاثين سنة .
A E