وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

إلى أن كان في القرن الرابع بعد المسيح حصول تقابس وتمازج بين أصناف البشر في الأخلاق والعائد بسببين : اضطراري واختياري . أما الاضطراري فذلك أنه قد ترامت الأمم بعضها على بعض واتجه أهل الشرق إلى الغرب وأهل الغرب إلى الشرق بالفتوح العظيمة الواقعة بين الفرس والروم وهما يومئذ قطبا العالم بما يتبع كل واحدة من أمم تنتمي إلى سلطانها فكانت الحرب سجالا بين الفريقين وتوالت أزمانا طويلة .
وأما الاختياري فهو ما أبقاه ذلك التمازج من مشاهدة أخلاق وعوائد حسنت في أعين رائيها فاقتبسوها وأشياء قبحت في أعينهم فحذروها وفي كلتا الحالتين نشأت يقظة جديدة وتأسست مدنيات متفننة وتهيأت الأفكار إلى قبول التغييرات القوية فتهيأت جميع الأمم إلى قبول التعاليم الغريبة عن عوائدها وأحوالها وتساوت الأمم وتقاربت في هذا المقدار وإن تفاوتت في الحضارة والعلوم تفاوتا ربما كان منه ما زاد بعضها تهيئوا لقبول التعاليم الصحيحة وقهقر بعضا عن ذلك بما داخلها من الإعجاب بمبلغ علمها أو العكوف والإلف على حضارتها .
فبلغ الأجل المراد والمعين لمجيء الشريعة الحق الخاتمة العامة .
فأظهر الله دين الإسلام في وقت مناسب لظهوره واختار أن يكون ظهوره بين ظهراني أمة لم تسبق لها سابقة سلطان ولا كانت ذات سيادة يومئذ على شيء من جهات الأرض ولكنها أمة سلمها الله من معظم رعونات الجماعات البشرية لتكون أقرب إلى قبول الحق وأظهر هذا الدين بواسطة رجل منها لم يكن من أهل العلم ولا من أهل الدولة ولا من ذرية ملوك ولا اكتسب خبرة سابقة بهجرة أو مخالطة ليكون ظهور هذا الحق الصريح والعلم الصحيح من مثله آية على أن ذلك وحي من الله نفح به عباده .
ثم جعل أسس هذا الدين متباعدة عن ذميم العوائد في الأمم حتى الأمة التي ظهر بينها وموافقة للحق ولو كان قد سبق إليه أعداؤها وكانت أصوله مبنية على الفطرة بمعنى ألا تكون ناظرة إلا إلى ما فيه الصلاح في حكم العقل السليم غير مأسور للعوائد ولا للمذاهب قال تعالى ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) قال الشيخ أبو علي ابن سينا " الفطرة أن يتوهم الإنسان نفسه حصل في الدنيا دفعه وهو عاقل لم يسمع رأيا ولم يعتقد مذهبا ولم يعاشر أمة لكنه شاهد المحسوسات ثم يعرض على ذهنه الأشياء شيئا فشيئا فإن أمكنه الشك في شيء فالفطرة لا تشهد به وإن لم يمكنه الشك فيه فالفطرة توجبه وليس كل ما توجبه الفطرة بصادق بل الصادق منه ما تشهد به فطرة القوة التي تسمى عقلا قبل أن يعترضه الوهم " .
ويدخل في الفطرة الآداب العتيقة التي اصطلح عليها كافة عقلاء البشر وارتاضت نفوسهم بها إذا كانت تفيدهم كمالا ولا تفضي إلى فساد وذلك أصول قواعد حفظ النسب والعرض خاص . فبهذا الأصل : أصل الفطرة كان الإسلام دينا صالحا لجميع الأمم في جميع الأعصر .
ثم ظهر هذا الأصل في تسعة مظاهر خادمة له ومهيئة جميع الناس لقبوله .
المظهر الأول : إصلاح العقيدة بحمل الذهن على اعتقاد لا يشوبه تردد ولا تمويه ولا أوهام ولا خرافات ثم بكون عقيدته مبنية على الخضوع لواحد عظيم وعلى الاعتراف باتصاف هذا الواحد بصفات الكمال التامة التي تجعل الخضوع إليه اختيارا ثم لتصير تلك الكمالات مطمح أنظار المعتقد في التخلق بها ثم بحمل جميع الناس على تطهير عقائدهم حتى يتحد مبدأ التخلق فيهم ( قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ) .
وكان إصلاح الاعتقاد أهم ما ابتدأ به الإسلام وأكثر ما تعرض له ؛ وذلك لأن إصلاح الفكرة هو مبدأ كل إصلاح ؛ ولأنه لا يرجى صلاح لقوم تلطخت عقولهم بالعقائد الضالة وخسئت نفوسهم بآثار تلك العقائد المثيرة خوفا من لا شيء وطمعا في غير شيء . وإذا صلح الاعتقاد أمكن صلاح الباقي ؛ لأن المرء إنسان بروحه لا بجسمه .
ثم نشأ عن هذا الاعتقاد الإسلامي : عزة النفس وأصالة الرأي وحرية العقل ومساواة الناس فيما عدا الفضائل .
A E