وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وقد أشارت الآية : إلى أن آيات القرآن صنفان : محكمات وأضدادها التي سميت متشابهات ثم بين أن المحكمات هي أم الكتاب فعلمنا أن المتشابهات هي أضداد المحكمات ثم أعقب ذلك بقوله ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) أي تأويله الذي لا قبل لأمثالهم به فعلمنا أن المتشابهات هي التي لم يتضح المقصود من معانيها فعلمنا أن صفة المحكمات والمتشابهات راجعة إلى ألفاظ الآيات .
ووصف المحكمات بأنها أم الكتاب فاحتمل أن يكون المراد من الأم الأصل المرجع وهما متقاربان : أي هن أصل القرآن أو مرجعه وليس يناسب هذين المعنيين إلا دلالة القرآن ؛ إذ القرآن أنزل للإرشاد والهدي فالمحكمات هي أصول الاعتقاد والتشريع والآداب والمواعظ وكانت أصولا لذلك : باتضاح دلالتها بحيث تدل على معان لا تحتمل غيرها أو تحتمله احتمالا ضعيفا غير معتد به وذلك كقوله ( ليس كمثله شيء ) ( لا يسأل عما يفعل ) ( يريد الله بكم اليسر ) ( والله لا يحب الفساد ) ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) . وباتضاح معانيها بحيث تتناولها أفهام معظم المخاطبين بها وتتأهل لفهمها فهي أصل القرآن المرجوع إليه في حمل معاني غيرها عليها للبيان أو التفريع .
والمتشابهات مقابل المحكمات فهي التي دلت على معان تشابهت في أن يكون كل منها هو المراد . ومعنى تشابهها : أنها تشابهت في صحة القصد إليها أي لم يكن بعضها أرجح من بعض أو يكون معناها صادقا بصور كثيرة متناقضة أو غير مناسبة لأن تكون مرادا فلا يتبين الغرض منها فهذا وجه تفسير الآية فيما أرى .
وقد اختلف علماء الإسلام في تعيين المقصود من المحكمات والمتشابهات على أقوال : مرجعها إلى تعيين مقدار الوضوح والخفاء . فعن ابن عباس : أن المحكم مالا تختلف فيه الشرائع كتوحيد الله تعالى وتحريم الفواحش وذلك ما تضمنته الآيات الثلاث من أواخر سورة الأنعام ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) والآيات من سورة الإسراء ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) وأن المتشابه المجملات التي لم تبين كحروف أوائل السور .
وعن ابن مسعود وابن عباس أيضا : أن المحكم ما لم ينسخ والمتشابه المنسوخ وهذا بعيد عن أن يكون مرادا هنا لعدم مناسبته للوصفين ولا لبقية الآية .
وعن الأصم : المحكم ما اتضح دليله والمتشابه ما يحتاج إلى التدبر وذلك كقوله تعالى : ( والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون ) فأولها محكم وآخرها متشابه .
وللجمهور مذهبان : أولهما أن المحكم ما اتضحت دلالته والمتشابه ما استأثر الله بعلمه ونسب هذا القول لمالك في رواية أشهب من جامع العتبية ونسبه الخفاجي إلى الحنفيه وإليه مال الشاطبي في الموافقات .
وثانيهما أن المحكم الواضح الدلالة والمتشابه الخفيها وإليه مال الفخر : فالنص والظاهر هما المحكم لاتضاح دلالتهما وإن كان أحدهما أي الظاهر يتطرقه احتمال ضعيف والمجمل والمؤول هما المتشابه لاشتراكهما في خفاء الدلالة وإن كان أحدهما : أي المؤول دالا على معنى مرجوح يقابله معنى راجح والمجمل دالا على معنى مرجوح يقابله مرجوح آخر ونسبت هذه الطريقة إلى الشافعية .
قال الشاطبي : فالتشابه : حقيقي وإضافي فالحقيقي : ما لا سبيل إلى فهم معناه وهو المراد من الآية والإضافي : ما اشتبه معناه لاحتياجه إلى مراعاة دليل آخر . فإذا تقصى المجتهد أدلة الشريعة وجد فيها ما يبين معناه والتشابه بالمعنى الحقيقي قليل جدا في الشريعة وبالمعنى الإضافي كثير .
وقد دلت هذه الآية على أن من القرآن محكما ومتشابها ودلت آيات أخر على أن القرآن كله محكم قال تعالى ( كتاب أحكمت آياته ) وقال ( تلك آيات الكتاب الحكيم ) والمراد أنه أحكم وأتقن في بلاغته كما دلت آيات على أن القرآن كله متشابه قال تعالى ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها ) والمعنى أنه تشابه في الحسن والبلاغة والحقية وهو معنى ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) فلا تعارض بين هذه الآيات : لاختلاف المراد بالإحكام والتشابه في مواضعها بحسب ما تقتضيه المقامات .
A E