وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وبلاد العرب شديدة الحرارة في غالب السنة ؛ ولم يكونوا يحسنون حفظ أطعمتهم من التعفن بالمكت فربما كان فطام الأبناء في العام أو ما يقرب منه يجر مضار للرضعاء وللأمزجة في ذلك تأثير أيضا . وعن ابن عباس أن التقدير بالحولين للولد الذي يمكث في بطن أمه ستة أشهر فإن مكث سبعة أشهر فرضاعة ثلاثة وعشرون شهرا وهكذا بزيادة كل شهر في البطن ينقص شهر من مدة الرضاعة . حتى يكون لمدة الحمل والرضاع ثلاثون شهرا ؛ لقوله تعالى ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) وفي هذا القول منزع إلى تحكيم أحوال الأمزجة ؛ لأنه بمقدار ما تنقص مدة مكثه في البطن تنقص مدة نضج مزاجه .
والجمهور على خلاف هذا وأن الحولين غاية لإرضاع كل مولود . وأخذوا من الآية أن الرضاع المعتبر هو ما كان في الحولين وأن ما بعدهما لا حاجة إليه فلذلك لا يجاب إليه طالبه .
وعبر عن الوالد بالمولود له إيماء إلى أنه الحقيق بهذا الحكم ؛ لأن منافع الولد منجزة إليه وهو لاحق به ومعتز به في القبيلة حسب مصطلح الأمم فهو الأجدر بإعاشته وتقويم وسائلها . والرزق : النفقة والكسوة : اللباس والمعروف : ما تعارفه أمثالهم وما لا يجحف بالأب .
والمراد بالرزق والكسوة هنا ما تأخذه المرضع أجرا عن رضاعتها من طعام ولباس لأنهم كانوا يجعلون للمراضع كسوة ونفقة وكذلك غالب إجاراتهم ؛ إذ لم يكن أكثر قبائل العرب أهل ذهب وفضة بل كانوا يتعاملون بالأشياء وكان الأجراء لا يرغبون في الدرهم والدينار وإنما يطلبون كفاية ضروراتهم وهي الطعام والكسوة ولذلك أحال الله تقديرهما على المعروف عندهم من مراتب الناس وسعتهم وعقبه بقوله ( لا تكلف نفس إلا وسعها ) .
وجمل : ( لا تكلف نفس إلا وسعها - إلى قوله : ولا مولود له بولده ) معترضات بين جملة ( وعلى المولود ) وجملة ( وعلى الوارث ) فموقع جملة ( لا تكلف نفس إلا وسعها ) تعليل لقوله ( بالمعروف ) موقع جملة ( لا تضار والدة ) إلى آخرها موقع التعليل أيضا وهو اعتراض يفيد أصولا عظيمة للتشريع ونظام الاجتماع .
والتكليف تفعيل : بمعنى جعله ذا كلفة والكلفة : المشقة والتكلف : التعرض لما فيه مشقة ويطلق التكليف على الأمر بفعل فيه كلفة وهو اصطلاح شرعي جديد .
والوسع بتثليث الواو الطاقة وأصله من وسع الإناء الشيء إذا حواه ولم يبق منه شيء وهو ضد ضاق عنه والوسع هو ما يسعه الشيء فهو بمعنى المفعول وأصله استعارة ؛ لأن الزمخشري في الأساس ذكر هذا المعنى في المجاز فكأنهم شبهوا تحمل النفس عملا ذا مشقة باتساع الظرف للمحوي لأنهم ما احتاجوا لإفادة ذلك إلا عندما يتوهم الناظر أنه لا يسعه فمن هنا استعير للشاق البالغ حد الطاقة .
فالوسع إن كان بكسر الواو فهو فعل بمعنى مفعول كذبح وإن كان بضمنها فهو مصدر كالصلح والبرء صار بمعنى المفعول وإن كان بفتحها فهو مصدر كذلك بمعنى المفعول كالخلق والدرس . والتكليف بما فوق الطاقة منفي في الشريعة .
وبنى فعل تكلف للنائب : ليحذف الفاعل فيفيد حذفه عموم الفاعلين كما يفيد وقوع نفس وهو نكرة في سياق النفي عموم المفعول الأول لفعل تكلف : وهو الأنفس المكلفة وكما يفيد حذف المستثنى في قوله ( إلا وسعها ) عموم المفعول الثاني لفعل تكلف وهو الأحكام المكلف بها أي لا يكلف أحد نفسا إلا وسعها وذلك تشريع من الله للأمة بأن ليس لأحد أن يكلف أحدا إلا بما يستطيعه وذلك أيضا وعد من الله بأنه لا يكلف في التشريع الإسلامي إلا بما يستطاع : في العامة والخاصة فقد قال في آيات ختام هذه السورة ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) .
والآية تدل على عدم وقوع التكليف بما لا يطاق في شريعة الإسلام وسيأتي تفصيل هذه المسألة عند قوله تعالى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) في آخر السورة .
وجملة ( لا تضار والدة بولدها ) اعتراض ثان ولم تعطف على التي قبلها تنبيها على أنها مقصودة لذاتها فإنها تشريع مستقل وليس فيها معنى التعليل الذي في الجملة قبلها بل هي كالتفريع على جملة ( لا تكلف نفس إلا وسعها ) ؛ لأن إدخال الضر على أحد بسبب ما هو بضعة منه يكاد يخرج عن طاقة الإنسان ؛ لأن الضرار تضيق عنه الطاقة وكونه بسبب من يترقب منه أن يكون سبب نفع أشد ألما على النفس فكان ضره أشد .
A E