وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

ومما لا شبهة فيه أن استحقاق الثواب والعقاب على قدر الأعمال القلبية والجوارحية فالأمر الذي لا يحصل شيء من المطلوب دونه لا ينجي من العذاب إلا جميعه فوجب أن يكون من لم يؤمن ولم يسلم مخلدا في النار لأنه لا يحصل منه شيء من المقصود بدون الإيمان والإسلام وأما الأمور التي يقرب فاعلها من الغاية بمقدار ما يخطو في طرقها فثوابها على قدر ارتكابها والعقوبة على قدر تركها ولا ينبغي أن ينازع في هذا غير مكابر إذ كيف يستوي عند الله العليم الحكيم رجلان أحدهما لم يؤمن ولم يسلم والآخر آمن وأسلم وامتثل وانتهى إلا أنه اتبع الأمارة بالسوء في خصلة أو زلة فيحكم بأن كلا الرجلين في عذاب وخلود وهل تبقى فائدة لكل مرتكب معصية في البقاء على الإسلام إذا كان الذي فر من أجله للإسلام حاصلا على كل تقدير وهو الخلود في النار حتى إذا أراد أن يتوب آمن يومئذ وهل ينكر أحد أن جل الأمة لا يخلون من التلبس بالمعصية والمعصيتين إذ العصمة مفقودة فإذا كان ذلك قبل التوبة كفرا فهل يقول هذا العاقل إن الأمة في تلك الحالة متصفة بالكفر ولا إخال عاقلا يلتزمها بعد أن يسمعها أفهل يموه أحد بعد هذا أن يأخذ من نحو قوله تعالى ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) يعني الصلاة إن الله سمى الصلاة إيمانا ولولا أن العمل من الإيمان لما سميت كذلك بعد أن بينا أن الأعمال هي الغاية من الإيمان والإسلام فانتظم القول الرابع والخامس لثلاثة الأقوال لمن اقتدى في الإنصاف بأهل الكمال . ثم على العالم المتشبع بالاطلاع على مقاصد الشريعة وتصاريفها أن يفرق بين مقامات خطابها فإن منها مقام موعظة وترغيب وترهيب وتبشير وتحذير ومنها مقام تعليم وتحقيق فيرد كل وارد من نصوص الشريعة إلى مورده اللائق ولا تتجاذبه المتعارضات مجاذبة المماذق فلا يحتج أحد بما ورد في أثبت أوصاف الموصوف وأثبت أحد تلك الأوصاف تارة في سياق الثناء عليه إذ هو متصف بها جميعا فإذا وصف تارة بجميعها لم يكن وصفه تارة أخرى بواحد منها دالا على مساواة ذلك الواحد لبقيتها فإذا عرضت لنا أخبار شرعية جمعت بين الإيمان والأعمال في سياق التحذير أو التحريض لم تكن دليلا على كون حقيقة أحدهما مركبة ومقومة من مجموعهما فإنما يحتج محتج بسياق التفرقة والنفي أو بسياق التعليم والتبيين فلا ينبغي لمنتسب أن يجازف بقوله سخيفة ناشئة عن قلة تأمل وإحاطة بموارد الشريعة وإغضاء عن غرضها ويؤول إلى تكفير جمهور المسلمين وانتقاض الجامعة الإسلامية بل إنما ينظر إلى موارد الشريعة نظرة محيطة حتى لا يكون ممن غابت عنه أشياء وحضره شيء بل يكون حكمه في المسألة كحكم فتاة الحي .
أما مسألة العفو عن العصاة فهي مسألة تتعلق بغرضنا وليست منه والأشاعرة قد توسعوا فيها وغيرهم ضيقها وأمرها موكول إلى علم الله إلا أن الذي بلغنا من الشرع هو اعتبار الوعد والوعيد وإلا لكان الزواجر كضرب في بارد الحديد وإذا علمتم أن منشأ الخلاف فيها هو النظر لدليل الوجوب أو الجواز علمتم خروج الخلاف فيها من الحقيقة إلى المجاز ولا عجب أعجب من مرور الأزمان على مثل قولة الخوارج والإباضية والمعتزلة ولا ينبري من حذاق علمائهم من يهذب المراد أو يؤول قول قدمائه ذلك التأويل المعتاد وكأني بوميض فطنة نبهائهم أخذ يلوح من خلل الرماد .
( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون [ 9 ] ) جملة ( يخادعون ) بدل اشتمال من جملة ( يقول آمنا بالله ) وما معها لأن قولهم ذلك يشتمل على المخادعة . والخداع مصدر خادع الدال على معنى مفاعلة الخدع والخدع هو فعل أو قول معه ما يوهم أن فاعله يريد بمدلوله نفع غيره وهو إنما يريد خلاف ذلك ويتكلف ترويجه على غيره ليغيره عن حالة هو فيها أو يصرفه عن أمر يوشك أن يفعله تقول العرب خدع الضب إذا أوهم حارشه أنه يحاول الخروج من الجهة التي أدخل فيها الحارش يده حتى لا يرقبه الحارش لعلمه أنه آخذه لا محالة ثم يخرج الضب من النافقاء .
والخداع فعل مذموم إلا في الحرب والانخداع تمشي حيلة المخادع على المخدوع وهو مذموم أيضا لأنه من البله وأما إظهار الانخداع مع التفطن للحيلة إذا كانت غير مضرة فذلك من الكرم والحلم قال الفرزدق :