واسم كان هو : ( أن قالوا ) المفرغ له عمل كان و ( دعواهم ) خبر ( كان ) مقدم لقرينة عدم اتصال كان بتاء التأنيث ولو كان : ( دعوى ) هو اسمها لكان اتصالها بتاء التأنيث أحسن وللجري على نظائره في القرآن وكلام العرب في كل موضع جاء فيه المصدر المسؤول من أن والفعل محصورا بعد كان نحو قوله تعالى : ( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم ) ( وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا ) وغير ذلك وهو استعمال ملتزم غريب مطرد في كل ما وقع فيه جزء الإسناد ذاتين أريد حصر تحقق أحدهما في تحقق الآخر لأنهما لما اتحدا في ألما صدق واستويا في التعريف كان المحصور أولى باعتبار التقدم الرتبي ويتعين تأخيره في اللفظ لأن المحصور لا يكون إلا في آخر الجزأين ألا ترى إلى لزوم تأخير المبتدأ المحصور . واعلم أن كون أحد الجزأين محصورا دون الآخر في مثل هذا مما الجزآن فيه متحدا ألما صدق إنما هو منوط باعتبار المتكلم أحدهما هو الأصل والآخر الفرع ففي مثل هذه الآية اعتبر قولهم هو المترقب من السامع للقصة ابتداء واعتبر الدعاء هو المترقب ثانيا كأن السامع يسأل : ماذا قالوا لما جاءهم البأس فقيل له : كان قولهم : ( إنا كنا ظالمين ) دعاءهم فأفيد القول وزيد بأنهم فرطوا في الدعاء وهذه نكتة دقيقة تنفعك في نظائرهم هذه الآية مثل قوله : ( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم ) على أنه قد قيل : إنه لاطراد هذا الاعتبار مع المصدر المؤول من ( أن ) والفعل علة لفظية : وهي كون المصدر المؤول يشبه الضمير في أنه لا يوصف فكان أعرف من غيره فلذلك كان حقيقا بأن يكون هو الاسم لأن الأصل أن الأعرف من الجزأين وهو الذي يكون مسندا إليه .
( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين [ 6 ] فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين [ 7 ] ) الفاء في قوله : ( فلنسألن ) عاطفة لترتيب الأخبار لأن وجود لام القسم علامة على أنه كلام أنف انتقال من خبر إلى خبر ومن قصة إلى قصة وهو انتقال من الخبر عن حالتهم الدنيوية إلى الخبر عن أحوالهم في الآخرة .
وأكد الخبر بلام القسم ونون التوكيد لإزالة الشك في ذلك .
وسؤال الذين أرسل إليهم سؤال عن بلوغ الرسالة . وهو سؤال تقريع في ذلك المحشر قال تعالى : ( ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ) .
A E وسؤال المرسلين عن تبليغهم الرسالة سؤال إرهاب لأممهم لأنهم إذا سمعوا شهادة رسلهم عليهم أيقنوا بأنهم مسوقون إلى العذاب وقد تقدم ذلك في قوله : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) وقوله ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم ) .
( والذين أرسل إليهم ) هم أمم الرسل وعبر عنهم بالموصول لما تدل عليه الصلة من التعليل فإن فائدة الإرسال هي إجابة الرسل فلا جرم أن يسأل عن ذلك المرسل إليهم ولما كان المقصود الأهم من السؤال هو الأمم لإقامة الحجة عليهم في استحقاق العقاب قدم ذكرهم على ذكر الرسل ولما تدل عليه صلة ( الذي ) وصلة ( ال ) من أن المسؤول عنه هو ما يتعلق بأمر الرسالة وهو سؤال الفريقين عن وقوع التبليغ .
ولما دل على هذا المعنى التعبير : ف ( الذين أرسل إليهم ) والتعبير : ف ( المرسلين ) لم يحتج إلى ذكر جواب المسؤولين لظهور أنه إثبات التبليغ والبلاغ .
والفاء في قوله : ( فلنقصن عليهم ) للتفريع والترتيب على قوله : ( فلنسألن ) أي لنسألنهم ثم نخبرهم بتفصيل ما أجمله جوابهم أي فلنقصن عليهم تفاصيل أحوالهم أي فعلمنا غني عن جوابهم ولكن السؤال لغرض آخر .
وقد دل على إرادة التفصيل تنكير علم في قوله : ( يعلم ) أي علم عظيم فإن تنوين ( علم ) للتعظيم وكمال العلم إنما يظهر في العلم بالأمور الكثيرة وزاد ذلك بيانا قوله : ( وما كنا غائبين ) الذي هو بمعنى : لا يعزب عن علمنا شيء بغيب عنا ونغيب عنه .
والقص : الإخبار يقال : قص عليه بمعنى أخبره وتقدم في قوله تعالى : ( يقص الحق ) في سورة الأنعام .
وجملة : ( وما كنا غائبين ) معطوفة على ( فلنقص عليهم بعلم ) وهي في موقع التذييل