والتعبير عن إرادة الفعل بذكر الصيغة التي تدل على وقوع الفعل يكون لإفادة عزم الفاعل على الفعل عزما لا يتأخر عنه العمل بحيث يستعار اللفظ الدال على حصول المراد للإرادة لتشابههما وإما الإتيان بحرف التعقيب بعد ذلك فللدلالة على عدم التريث فدل الكلام كله : على أنه تعالى يريد فيخلق أسباب الفعل المراد فيحصل الفعل كل ذلك يحصل كالأشياء المتقارنة وقد استفيد هذا التقارب بالتعبير عن الإرادة بصيغة تقتضي وقوع الفعل والتعبير عن حصول السبب بحرف التعقيب والغرض من ذلك تهديد السامعين المعاندين وتحذيرهم من أن يحل غضب الله عليهم فيريد إهلاكهم فضيق عليهم المهلة لئلا يتباطأوا في تدارك أمرهم والتعجيل بالتوبة . والذي عليه المحققون أن الترتيب في فاء العطف قد يكون الترتيب الذكري أي ترتيب الإخبار بشيء عن الإخبار بالمعطوف عليه . ففي الآية أخبر عن كيفية إهلاكهم بعد الخبر بالإهلاك وهذا الترتيب هو في الغالب تفصيل بعد إجمال فيكون من عطف المفصل على المجمل وبذلك سماه ابن مالك في التسهيل ومثل له بقوله تعالى : ( إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا ) الآية . ومنه قوله تعالى : ( أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ) " أو قوله " فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه ) لأن الإزلال عن الجنة فصل بأنه الإخراج وقوله تعالى : ( كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر ) وهذا من أساليب الإطناب وقد يغفل عنه .
والبأس ما يحصل به الألم وأكثر إطلاقه على شدة الحرب ولذلك سميت الحرب البأساء وقد مضى عند قوله تعالى : ( والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ) في سورة البقرة والمراد به هنا عذاب الدنيا .
واستعير المجيء لحدوث الشيء وحصوله بعد أن لم يكن تشبيها لحلول الشيء بوصول القادم من مكان إلى مكان بتنقل خطواته وقد تقدم نظير هذا في قوله تعالى ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ) في سورة الأنعام .
والبيات مصدر بات وهو هنا منصوب على الحال من البأس أي جاءهم البأس مبيتا لهم أي جاءهم ليلا ويطلق البيات على ضرب من الغارة تقع ليلا فإذا كان المراد من البأس الاستعارة لشدة الحرب كان المراد من البيات حالة من حال الحرب هي أشد على المغزو فكان ترشيحا للاستعارة التمثيلية ويجوز أن يكون ( بياتا ) منصوبا على النيابة عن ظرف الزمان أي في وقت البيات .
A E وجملة : ( هم قائلون ) حال أيضا لعطفها على ( بياتا ) بأو وقد كفى هذا الحرف العاطف عن ربط جملة الحال بواو الحال ولولا العطف لكان تجرد مثل هذه الجملة عن الواو غير حسن كما قال في الكشاف وهو متابع لعبد القاهر وأقول : إن جملة الحال إذا كانت جملة أسمية فإما أن تكون منحلة إلى مفردين : أحدهما وصف صاحب الحال فهذه تجردها عن الواو قبيح كما صرح به عبد القاهر وحققه التفتزاني في المطول لأن فصيح الكلام أن يجاء بالحال مفردة إذ لا داعي للجملة نحو جاءني زيد هو فارس إذ يغني أن تقول : فارسا .
وأما إذا كانت الجملة اسمية فيها زيادة على وصف صاحب الحال وفيها ضمير صاحب الحال فخلوها عن الواو حسن نحو قوله تعالى : ( قلنا اهبطوا منها جميعا يعضكم لبعض عدو ) فإن هذه حالة لكلا الفريقين وهذا التحقيق هو الذي يظهر به الفرق بين قوله : ( بعضكم لبعض عدو ) وقولهم في المثال : جاءني زيد هو فاري وهو خير مما أجاب به الطيبي وما ساقه من عبارة المفتاح وعبارة ابن الحاجب فتأمله .
وعلل حذف واو الحال بدفع استثقال توالي حرفين من نوع واحد .
و ( أو ) لتقسيم القرى المهلكة : إلى مهلكة في الليل ومهلكة في النهار والمقصود من هذا التقسيم تهديد أهل مكة حتى يكونوا على وجل في كل وقت لا يدرون متى يحل بهم العذاب بحيث لا يأمنون في وقت ما .
ومعنى : ( قائلون ) كائنون في وقت القيلولة وهي القائلة وهي اسم للوقت المبتدئ من نصف النهار المنتهي بالعصر وفعله : قال يقبل فهو قائل والمقيل الراحة في ذلك الوقت ويطلق المقيل على القائلة أيضا