وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وإنما كانت الكعبة قياما للناس لأن الله لما أمر إبراهيم بأن ينزل في مكة زوجه وابنه إسماعيل وأراد أن تكون نشأة العرب المستعربة " وهم ذرية إسماعيل " في ذلك المكان لينشأوا أمة أصيلة الآراء عزيزة النفوس ثابتة القلوب لأنه قدر أن تكون تلك الأمة هي أول من يتلقى الدين الذي أراد أن يكون أفضل الأديان وأرسخها وأن يكون منه انبثاث الإيمان الحق والأخلاق الفاضلة . فأقام لهم بلدا بعيدا عن التعلق بزخارف الحياة ؛ فنشأوا على إباء الضيم وتلقوا سيرة صالحة نشأوا بها على توحيد الله تعالى والدعوة إليه ؛ وأقام لهم فيه الكعبة معلما لتوحيد الله تعالى ووضع في نفوسهم ونفوس جيرتهم تعظيمه وحرمته . ودعا مجاوريهم إلى حجة ما استطاعوا وسخر الناس لإجابة تلك الدعوة فصار وجود الكعبة عائدا على سكان بلدها بفوائد التأنس بالوافدين والانتفاع بما يجلبونه من الأرزاق وبما يجلب التجار في أوقات وفود الناس إليه ؛ فأصبح ساكنوه لا يلحقهم جوع ولا عراء . وجعل في نفوس أهله القناعة فكان رزقهم كفافا . وذلك ما دعا به إبراهيم في قوله : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) . فكانت الكعبة قياما لهم يقوم به أود معاشهم . وهذا قيام خاص بأهله .
ثم انتشرت ذرية إسماعيل ولحقت بهم قبائل كثيرة من العرب القحطانيين وأهلت بلاد العرب . وكان جميع أهلها يدين بدين إبراهيم ؛ فكان من انتشارهم ما شأنه أن يحدث بين الأمة الكثيرة من الاختلاف والتغالب والتقاتل الذي يفضي إلى التفاني فإذا هم قد وجدوا حرمة أشهر الحج الثلاثة وحرمة شهر العمرة وهو رجب الذي سنته مضر " وهم معظم ذرية إسماعيل " وتبعهم معظم العرب . وجدوا تلك الأشهر الأربعة ملجئة إياهم إلى المسالمة فيها فأصبح السلم سائدا بينهم مدة ثلث العام يصلحون فيها شؤونهم ويستبقون نفوسهم وتسعى فيها سادتهم وكبراؤهم وذوو الرأي منهم بالصلح بينهم فيما نجم من ترات وأحن . فهذا من قيام الكعبة لهم لأن الأشهر الحرم من آثار الكعبة إذ هي زمن الحج والعمرة للكعبة .
وقد جعل إبراهيم للكعبة مكانا متسعا شاسعا يحيط بها من جوانبها أميالا كثيرة وهو الحرم فكان الداخل فيه آمنا . قال تعالى ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) . فكان ذلك امنا مستمرا لسكان مكة وحرمها وأمنا يلوذ اليه من عراه خوف من غير سكانها بالدخول إليه عائذا ولتحقيق أمنه أمن الله وحوشه ودوابه تقوية لحرمته في النفوس فكانت الكعبة قياما لكل عربي إذا طرقه ضيم .
وكان أهل مكة وحرمها يسيرون في بلاد العرب آمنين لا يتعرض لهم أحد بسوء فكانوا يتجرون ويدخلون بلاد قبائل العرب فيأتونهم بما يحتاجونه ويأخذون منهم ما لا يحتاجونه ليبلغوه إلى من يحتاجونه ولولاهم لما أمكن لتاجر من قبيلة أن يسير في البلاد فتعطلت التجارة والمنافع . ولذلك كان قريش يوصفون بين العرب بالتجار ولأجل ذلك جعلوا رحلتي الشتاء والصيف اللتين قال الله تعالى فيهما ( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ) . وبذلك كله بقيت أمة العرب محفوظة الجبلة التي أراد الله أن يكونوا مجبولين عليها فتهيأت بعد ذلك لتلقي دعوة محمد صلى الله عليه وسلم وحملها إلى الأمم كما أراد الله تعالى وتم بذلك مراده .
وإذا شئت أن تعدو هذا فقل : إن الكعبة كانت قياما للناس وهم العرب إذ كانت سبب اهتدائهم إلى التوحيد واتباع الحنيفية واستبقت لهم بقية من تلك الحنيفية في مدة جاهليتهم كلها لم يعدموا عوائد نفعها . فلما جاء الإسلام كان الحج إليها من أفضل الأعمال وبه تكفر الذنوب فكانت الكعبة من هذا قياما للناس في أمور أخراهم بمقدار ما يتمسكون به مما جعلت الكعبة له قياما .
A E