وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
وحدة الأمة والدولة في الإسلام
۱۳۹۷/۱۰/۱۸ ۱۱:۳۱ 1474

وحدة الأمة والدولة في الإسلام

 

 

وحدة الأمة والدولة في الإسلام

 

الدكتور عبد العزيز الخياط

وزير أوقاف المملكة الأردنية الهاشمية سابقاً

 

بسم الله الرحمن الرحيم

بحث «وحدة الأمة والدولة في الإسلام » مقدم إلى المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية لمؤتمره الحادي عشر في طهران، بتاريخ ربيع الأول 1419، يوليو 1998 تحت عنوان «خصائص الإسلام العامة».

وحدة الأمة الإسلامية

تعريف الأمة: الأمة في اللغة الجماعة التي أرسل لهم رسول، أو الجيل من كل حي، أو من كان على الحق مخالفا لسائر الأديان(1). وقد استعملت في القرآن الكريم في معاني عدة، قال تعالى ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(2).

أي جماعة وقال ﴿ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾(3).

أي جماعة، ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ

_____________________________________

1 ـ افيروز آبادى، القاموس المحيط.

2 ـ آل عمران: 104.

3 ـ النحل 92.

ـ(132)ـ

بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾(1) أي لكل جيل من كل حي، وقال تعالى ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾(2) أي طائفة من الزمان(3) وقال تعالى ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾(4)

أي عندما كان عند أمة وهي الجماعة الكثيرة من الناس(5) أو مأموما أي الإمام الذي يقتدى به(6). وقال ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾(7) أي على دين ومذهب(8).

والأُمة في نظر الإسلام: الجماعة من الناس التي تربطها عقيدة واحدة ويسودها نظام واحد، ويلحق بها من يقبل بسيادة النظام الإسلامي فيها، سواء اختلفت أجناسها أو اتفقت أو تعددت الشعوب التابعة لها أو كانت شعبا واحدا فهي أمة واحدة، ولذلك نجد القرآن الكريم يؤكد هذا المعنى في كل آياته التي تحدث فيها عن الأمة الواحدة، قال تعالى ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾(9) قال العلماء «القوم هم الذين يجتمعون على دين واحد» قال الالوسي «والأُمة بمعنى الجماعة أي ان هؤلاء جماعتكم التي لزمكم الاقتداء بهم مجتمعين على الحق غير مختلفين، وقد أطلقت على نفس الدين أي الملة»(10).

وفرق بين الأمة والشعب، فالشعب مجموعة من الناس تنحدر من أصل واحد، أو من أصول متفارقة إلا انها تلاحمت في ارض واحدة نسبا وصهرا، اما

_____________________________________

1 ـ يونس 47.

2 ـ يوسف 45.

3 ـ تفسير الالوسي 4:، حاشية الجمل على الجلالين 1.

4 ـ النحل 120.

5 ـ تفسير الالوسي 4: 455.

6 ـ تفسير الزمخشري 1: 698، تفسير ابن كثير 2: 590 تفسير الالوسي 4: 455.

7 ـ الزخرف 22.

8 ـ حاشية الجمل على الجلالين 3: 144.

9 ـ الأنبياء 21.

10 ـ تفسير الالوسي 5: 388.

ـ(133)ـ

الأمة فقد تكون من اصل واحد أو من أصول متفرقة إلا انها ربطتها عقيدة واحدة لها لغة واحدة، ولها نظام تشريعي واخلاقي ينبثق عن عقيدتها.

وقد اشترط القانونيون في الشعب ان يتعارف افراده ويتفاهموا على الخضوع للنظام المشترك، وقد قالوا «إذا كانت مجموعة قد وجدت معا لمصادفة والتفت دون سابقة تعارف فان الدولة لا تقوم بهم».

ومن هنا نجد اتفاق الشريعة الإسلامية والقانون على ان الأمة ضرورية لقيام الدولة وان القانونيين يرون التعارف على نظام مشترك واحد، غير ان نظرة الشريعة كانت أعمق حين اعتبرت تكوين الأمة بعقيدتها ونظامها المنبثق عنها، وهذا معنى تعارف الشعب على نظام واحد، والاتجاه الحديث عند القانونيين عدم اعتبار الجنس وإنّما اعتبار الرابطة الاجتماعية كما في أميركا، وليس أسمى من الإسلام رابطة تربط المجموعة من الناس وتكون الأمة الواحدة.

وقد حرص الإسلام على ان تكون الأمة قوية البنيان موحدة الكلمة، منفية الخبث بين أفرادها ومجموعها، واعية حكامها وسياسة دولتها، ولذلك قرر الإسلام نقاء خلقها ومنع المفاسد فيها، وضرورة خلوها من المنكرات والموبقات ومحاربة المجرمين والعابثين فيها ومقاومة الانحراف العقائدي والفكري والسلوكي، وان تكون مناهج تعليمها ونظم حكمها وقوانين دولتها منبثقة عن دستور إسلامي، تؤخذ مواده من كتاب الله الذي لا يضل وسنة نبيه الصحيحة، قال تعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾(1).

_____________________________________

1 ـ البقرة: 143.

ـ(134)ـ

وحدة الأمة

حرص الإسلام على تكوين الأمة على الأساس العقائدي، حتى تكون الأعراف والتقاليد واللغة والأخلاق والتشريع منبثقة عن هذه العقيدة، وبذلك يتبلور ذوق الأمة على وجهة واحدة وسياسة موحدة، وتقاليد واعراف واحدة أو متقاربة، وهذا ماكنا نشاهده ونشهد آثاره الباقية في وحدة اعراف المسلمين وتقاليدهم ومشاعرهم، تهزهم كلمة «الله اكبر» وتجمعهم رابطة الدين، وتشعرهم بأن قضاياهم واحدة كقضية القدس والمسجد الأقصى وفلسطين.

والتجزؤ الظاهر في الأمة الإسلامية في تفريقها إلى دول عربية متعددة، ودول أخرى تسمى إسلامية نجزؤ طارئ بفعل السياسة الاستعمارية والانحراف الفكري بالتمسك بآراء وأفكار ليست من الإسلام، والدعوة إلى الحكم بنظم وتشريعات ليست إسلامية تكرس تفرقة الأمة إلى دول على الأساس العرقي أو الجغرافي ولو اتحد دينها.

وتعد الأمة الإسلامية وحدة إنسانية واحدة، بغض النظر عن الطائفة أو العرق أو الجنس ولا يشترط في أفرادها إذا كانوا غير مسلمين إلا المواطنة(الرعوية)، وهي الولاء للدولة الإسلامية التي تحكم الأمة بنظام الإسلام دون أي تعرض لعقائدهم وشعائرهم وعباداتهم لأن حرية العقيدة والعبادة والقيام بالشعائر الدينية مضمونة لجميع أفراد الأمة في دولة الإسلام، ولا ينظر لأحد أو مجموعة من الأمة على انها(أقلية) أو(طائفة) لهم حكم خاص وقانون خاص، ولا يجوز ان ينظر إليها بمنظار العزلة وأشعارها بأنها منبوذة في المجتمع الإسلامي، ولذلك فليس في أمة الإسلام جاليات أو اقليات بل أمة واحدة على اختلاف أديانهم وأجناسهم

ـ(135)ـ

 مواطنون لكل فرد حق المواطنة(1) وكل من خرج عن الولاء للدولة والنظام لا يستحق ان يكون مواطنا ولو كان مسلما وليس لـه من حقوق المسلمين شيء.

قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ﴾(2).

عوامل تكوين الأمة الإسلامية

خلق الله البشر من ذكر وأنثى، وتفرع منهما نسل كثير توزع قبائل تعتز كل قبيلة بأصلها، وتؤلف بين أفرادها عصبية القرابة، ويتولى أمرهم أكبرهم سنا وأكثر حكمة ثم تفرعت من القبيلة الواحدة قبائل متعددة، يجمعها اصل واحد ولغة واحدة، وتكون من هذه القبائل شعوبا كثيرة، تفرقت في المنطقة الواحدة فكانت في أرض واحدة ومنطقة واحدة يعملون ويأكلون من خيراتها كما قال الله عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(3) وكما قال ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾(4) ثم أنزل الله بعد ذلك الرسل يهدون الناس بالحق والى الحق، ويؤلفون قلوب أقوامهم بالدين ليكونوا أمة واحدة، تجمعها اللغة والدين والأرض، فمنهم من آمن وكثير منهم تمردوا على رسلهم وكفروا بما انزل الله فهلكوا، قال سبحانه ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم

_____________________________________

1 ـ محمد مبارك، نظام الإسلام والحكم: 99.

2 ـ التوبة 72.

3 ـ الحجرات 13.

4 ـ النحل 72.

ـ(136)ـ

بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾(1). ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأرض فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾(2).

والأقوام الذين آمنوا فقد تكونت منهم الأمم إذ بين الله سبحانه ان القبائل والشعوب حين تتعارف تتوحد على دين واحد وعقيدة واحدة فتتكون منهم أمة. وقد جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي نظم به العلاقات بين الناس مدينة يشرب مسلمين غير مسلمين:

«ومن تبعهم أي(المسلمين) فلحق بهم وجاهد معهم، انهم أمة واحدة من دون الناس وان لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وان المؤمنين المتقين على من يغى منهم أو ابتغى دسيعة(عظيمة) ظلم أو أثم أو عدوان أو فساد بين الناس، وان أيديهم عليه جميعا، لو كان من ولد أحدهم... وانه من تبعنا من يهود فان لـه النصر والاسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم )(3).

والذمي جزء من الأمة الإسلامية، مواطن من المسلم يواليه ويؤاخيه، ظلمه حرام، واضطهاده حرام، ونصرته واجبة، وحريته العبادية مكفولة، يتساوى في الحق والواجب مع المسلم لانهما في وحدة الأمة وتماسكها، قال عليه الصلاة والسلام من آذى ذميا فقد آذاني)(4) وقال من آذي ذميا فأنا خصمه(5) وقال «من

_____________________________________

1 ـ إبراهيم 9 و 13.

2 ـ النحل 36.

3 ـ سيرة ابن هشام 2: 431 ـ 144.

4 ـ العجلوني، كشف الخفاء 218.

5 ـ كنز العمال 3: 109.

ـ(137)ـ

ظلم معاهدا أو تنقصه حقه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب من نفسه فأنا خصمه يوم القيامة»(1).

وتتضح وحدة الأمة في قولـه تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾(2) وقوله سبحانه ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾(3) وقال ﴿إنّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾(4) على اختلاف اصولهم العرقية وانتمائهم القومي، إذ تربطهم رابطة العقيدة والدين والفكرة الواحدة والثقافة الواحدة والعادات والأعراف الواحدة، وليست رابطة دم أو نسب أو ارض، ومن هؤلاء جميعا تتكون الأمة الإسلامية(5) تتمايز افرادها وجماعاتها بالعمل الصالح من أجلها ولمصلحتها، كما قال عز من قائل ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(6) قال المفسرون ان التعارف هو التفاهم والالتقاء على رطيقة واحدة وغاية واحدة وتكون من الشعوب وحدة متعارفة في الدين والعقيدة، تتفاوت في التقوى افرادها(7) ومن هنا نرى ان عوامل تكوين الأمة الإسلامية هي:

1 ـ العقيدة وما ينبثق عنها من قيم ومفاهيم.

2 ـ الثقافة المشتركة المنبثقة عن القرآن والسنة.

_____________________________________

1 ـ رواه أبو داود، المنذري الترغيب والترهيب 4: 011

2 ـ الأنفال 17.

3 ـ التوبة 71.

4 ـ الحجرات 16.

5 ـ محمد مبارك، نظام الإسلام 100.

6 ـ الحجرات 13.

7 ـ تفسير الالوسي 8: 194.

ـ(138)ـ

3 ـ اللغة العربية باعتبارها لغة المسلمين كافة.

4 ـ التشريع الإسلامي المتناول لجميع نواحي الحياة.

5 ـ العبادات.

وقد نمت عوامل تكوين الأمة الإسلامية فأصبحت تشمل الأعراف الاجتماعية الناشئة عن التزام الأحكام الشرعية الأحكام الشرعية والأخلاق الإسلامية، ثمل عادات الاعياد والزواج والأكل والشرب والزيارات والاتصال الجغرافي الذي يربط بين أجزاء العالم الإسلامي ووحدة الأهداف والآمال والتحديات(1) ولا عبرة بالانفصال الجغرافي اليوم فهو انفصال طارئ أوجدته العوامل الاستعمارية والسياسية والاحتلالات الغربية. وبهذا نجد ان الإسلام يقيم من إتباعه أمة متكاملة موحدة مصداقا لقولـه تعالى الذي وصف المسلمين بالأمة فقال ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أهل الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾(1) وقوله ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾(3) وقال ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾(4).

مفهوم الدولة الإسلامية

الأصل في المجتمع ان يكون لـه دولة تدير شؤونه وتهيمن على أموره، وبدونها تكون الأمور فوضى، والحياة مضطربة، يأكل فيها القوي الضعيف، ويظلم المتسلط المغلوب، ومن خصيصة البشر العدوان والظلم فإذا لم يكبح

_____________________________________

1 ـ أنور الجندي، معلمة الإسلام المجموعة الثانية 266.

2 ـ آل عمران110.

3 ـ المؤمنون 52.

3 ـ البقرة: 143.

ـ(139)ـ

السلطان واليد القاهرة، لم يستقم للبشر أمر، ولذلك اتفقت المجتمعات البشرية من أول شأنها في الحياة أن يقوم فرد منها يعاونه من المجتمع أفراد آخرون على تنظيم الأمور وسياسة المجتمع، مهما كان اسم هذا ملكا أو أميرا أو شيخ قبيلة أو خليفة أو إماما(1).

وضرورة ذلك واضحة لجميع الناس، إذ كلما اجتمع الناس وانتظموا وجب وجود من يمنع الفساد والتعدي بعضهم على بعض، وارتكاب المعاصي ومن يقوم بدفعهم إلى الطاعة والعبادة وأنصاف الناس والمروءة، وبذلك تنسق أمور المواطنين وتنظم أحوالهم وتكون أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد(2).

وطبيعة الإسلام توجب إقامة الدولة وتفرضها، لأن الإسلام عقيدة وشريعة وخلق وقيم سامية ذات أنظمة متعددة عادلة تحكم الإنسان في تصرفاته ومعاملاته وعلاقاته، ولابد لتنفيذ النظام وضبط أمور الناس من دولة إسلامية. ولما كانت مهمة الإسلام وطبيعة حمل الدعوة الإسلامية بعقيدتها وأنظمته لتحقيق العدالة بين الناس، وإيجاد المجتمع الفاضل والحياة المثلى ومنع الظلم والعدوان، وقمع شهوات التسلط والبغي وكبح جماح طغيان الأثرة والمصلحة الخاصة، وإيقاف الإذلال والاستغلال والاحتكار، ونصرة البائسين وحماية المستضعفين، وتوفير الطمأنينة والأمان لكل المواطنين، ومن هنا كانت مهمة الدولة في الإسلام حراسة الدين وسياسة الدنيا وهداية الناس ورحمتهم(3).

_____________________________________

1 ـ ابن خلدون المقدمة 274، محمد موسى، نظام الحكم في الإسلام 7.

2 ـ محمد باقر المجلسي، حياة القلوب 3: 23.

3 ـ الأحكام السلطانية لماوردي 5.

ـ(140)ـ

وإذا كانت الدول الحديثة تتخذ أشكالا متعددة لها، منها الملكي ومنها الجمهوري ومنها ما يكون رئيس الدولة فيها ممارسا للحكم فهو رئيس الدولة ورئيس الوزراء، ومنها ما يكون فيها رئيس للدولة يحكم ويرسم وله رئيس وزراء وجهاز حكم ينفذ، ومنها من لا يملك رئيس الدولة فيها سلطانا، بل هو رمز لوحدة الأمة وانتظام أمورها؛ فان الإسلام قد كون من أول أمره شكل الدولة في المدينة المنورة(على ساكنها افضل الصلاة والسلام) بوجود رئيس للدولة يعاونه في الحكم جهاز من الولاة والعمل والقضاة والمعلمين والجند والشرطة والجباة لأموال الزكاة وغيرها والموظفين والحجاب وغيرهم ولك ما يلزم للدولة ورئيسها من أجهزة الدولة لكل شأن من شؤونها.

والمدار في شكل الدولة الإسلامية على تنصيب رئيس أعلى للدولة بكيفية تحقق اختيار من تتوافر فيه أهلية الرئاسة. وقد وضح الفقهاء أهلية الإمام استنباطا من الآيات الكريمة وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما فعله الخلفاء الراشدون وأجمعت عليه الأئمة، ووضحوا ما يشترط فيه وكيفية تعيينه، وبينوا صلاحيته، ومما يذكر أن النبي(عليه وعلى آله الصلاة والتسليم ) لم يحدد شكلا معينا للدولة بعد تعيين الإمام، وإنّما ترك للأمة تحديد الشكل الذي يمكن الامام من حراسة الدين وسياسة الناس.

وقد انعقد إجماع المسلمين على وجوب تنصيب خليفة أو إمام أو سلطان أو أمير للمسلمين يقول ابن حزم «اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد للإمام عدل يقيم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي

ـ(141)ـ

بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(1).

ويقول الماوردي «الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا وعقدها لمن يقوم بالأمة واجب بالإجماع»(2). ويقول ابن تيمية «يجب أن يعرف ان ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيامة للدين إلا بها فان بني آدم لا تتم مصلحتهم بالإجماع إلا بها لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رئيس حتى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» وجاء في مسند احمد ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال «لا يحق لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم» فأوجب الرسول تأمير واحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع ثم ان الله أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وامارة»(3) ومثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سائر ما أوجبه الله من الجهاد والعدل وإقامة الحدود لا يتم إلا بالقوة والامارة يقول الغزالي «ان الدين والأمن على الأنفس والأموال لا ينتظم إلا بسلطان مطاع وهذا ما تشهد لـه مشاهدة أوقات الفتك بموت السلاطين والأئمة، وان ذلك لو دام ولم يتدارك بنصب سلطان آخر مطاع دام الهرج وعم السيف وشمل القحط»(4) والأدلة على ذلك كثيرة؛ فقد روي عن نافع قال: قال لي عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول «من خلع يدا من طاعة الله لقي الله يوم القيامة لا حجة لـه، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»

_____________________________________

1 ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل 4: 72.

2 ـ الأحكام السلطانية للماوردي 5.

3 ـ السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية: 172.

4 ـ الاقتصاد في الاعقتاد: 135.

ـ(142)ـ

وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال «الامام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به» ويقول الدكتور عبد الكريم زيدان «فمن البديهي ان في أحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها ما يتعلق بالدولة ونظام الحكم فيها، كمبدأ الشورى، ومسئولية الحكام ووجوب طاعتهم في المعروف وأحكام الحرب والسلم والمعاهدات إلى غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالدولة وشؤونها وفي السنة النبوية تتكرر ألفاظ «الأمير» و«الامام» و«السلطان»(1).

وقال الشيخ محمد مهدي الخالصي «الإمامة رئاسة عامة لحفظ ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فان النبي محتاج إليها من جهتين: الأولى تبليغ الأحكام من الله تعالى والوساطة بينه وبين خلقه في إيصال أوامره إليهم، والثانية حفظ تلك الأحكام من التحريف والدثور وإجرائها ورفع الخصومات والتنازع وإدارة شؤون الناس في كل ما يحتاجون إليه من أمور معاشهم ومعادهم، وإذا توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم انقطع الوحي لأن الشريعة والأحكام تكمل في زمنه فيبقى حفظها وأجراؤها، إدارة أمور الناس بحاجة إلى من يقوم بها فلابد من رئيس يقوى على ذلك وهو الامام، وإذا لم يكن ذلك الرئيس عطلت الأحكام واختلت أمور الناس(2). ولم يشذ عن الإجماع إلا من لا يعتد برأيه كأبي بكرين عبد الرحمن بن كيسان الأصم المعتزلي(3) والنجدات من الخوارج الذين قالوا بأنه لايمل إمامة بين

_____________________________________

1 ـ الفرد والدولة في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد الكريم زيدان: 4.

2 ـ أحياء الشريعة في مذهب الشيعة لحجة الإسلام محمد مهدي الخالصي: 58.

3 ـ هو عبد الرحمن بن أبي بكر الأصم صاحب المقالات في الأصول، ذكره عبد الجبار القاضي في طبقاتهم وكان من افصح الناس واورعهم وله تفسير قالوا عنه انه عجيب وله تفسير قالوا عنه انه عجيب ولم اطلع عليه، وليس هو حاتم الأصم الزاهد المشهور.

ـ(143)ـ

الناس وإنّما عليهم ان يتعاطوا الحق فيما بينهم(1) وقد تعرض لهذا الخلاف علماء العقائد كالايجي والجرجاني وذكروا ان الأئمة اختلفوا في وجوب نصب الإمام أم لا، وهل هو واجب عقلا أم شرعا، فقال أهل السنة والشيعة بالشرع وقال بعض الزيدية والمعتزلة بل عقلا، وقال الجاحظ وأبو الحسين الخياط وغيرهما من المعتزلة بل عقلا وشرعا، وقالت بعض الخوارج لا يجب نصب الإمام علينا أصلا بل هو من الأمور الجائزة(2).

وقد رد الإسلام على المخالفين في وجوب نصب الإمام أي في وجوب إقامة الدولة أو ممانعتهم لإقامة الإمام، واثبتوا بالأدلة القاطعة وجوب إقامة الدولة وضرورة الطاعة لها شرعا، وعلى الرغم من ذلك فلا يزال أناس يزعمون ان الإسلام لا يرى نصب الإمام ولا إقامة الدولة الإسلامية، وهم يرون العالم كله لا يقوم إلا بدول وملوك ورؤساء، وان جميع أصحاب نظرية عدم الوجوب تخلوا عنها عمليا» وفي كل حين يطلع علينا واحد منهم يؤلف كتابا في عدم إقامة الإمام، كعلي عبد الرزاق في كتابه «الإسلام وأصول الحكم(3) أو صادق العظم في كتابه الفكر الديني ويذهب كل ذلك هباء وصيحة في واد من غير صدى ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرض﴾(5). لان الحق وأقلام الحق

_____________________________________

1 ـ ابن حزم في كتاب الفصل 4: 187، الماوردي في الأحكام السلطانية، وهذا الرأي قريب من رأي الاشتراكية في فلسفتها الأصلية ولم تطبقها الشيوعية وثبت فشلها نظريا وتطبيقا.

2 ـ شرح المواقف للجرجاني 603 ـ 4.

3 ـ صدر في رمضان عام 1334 هـ ج 1925 م في القاهرة.

4 ـ صدر الأول عام 1950 م والثاني 1952 م.

5 ـ الرعد: 17.

ـ(144)ـ

تقذف الباطل فتدمغه، ونصاعة الإسلام في قرآن الله وسنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم واجتهادات الفقهاء وقيام الدولة عبر التاريخ تؤيد الكاتبون في تنفيذ باطل هؤلاء وأمثالهم كما فعل الشيخ محمد خضر الحسين شيخ الأزهر سابقا في كتابه «نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم»(1) والشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية سابقا في كتابه «حقيقة الإسلام وأصول الحكم»(2) والشيخ محمد الغزالي في كتابه «من هنا نعلم»(3) والشيخ تقي النبهان في كتابه «نظام الحكم في الإسلام»(4) والشيخ علي الصافي في كتابه «نقد الفكر الديني»(5)

وإذا كانت الدولة في الإسلام قامت بسيطة في تركيبها أول الأمر؛ نظر البساطة الأمة وقلة عددها فانها قامت مستوفية شروطها مستكملة عناصرها موضحة أجهزتها وكان الرسول عليه السلام نبيا رسولا وحاكما منفذا، وقائدا وقاضيا، يحمل أمانة الرسالة وأعباء الحكم معا، وكانت العلاقة واضحة بين الحاكم والمحكوم.

وأني اخالف ما ذهب إليه الدكتور صبحي الصالح في كتابه النظم الإسلامية من ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهد لدولة الإسلام بإنشاء الجو الصالح لها جاعلا في تقديره احتياج الحياة الإنسانية إلى التطور والنماء(6) لأني اعتقد ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقام الدولة الإسلامية منذ وطئت قدماه يثرب، ومنذ آخى بين المهاجرين والأنصار

_____________________________________

1 ـ صدر عام 1925 بالقاهرة.

2 ـ صدر عام 1344 هج من المطبعة السلفية بالقاهرة.

3 ـ صدر عام 1370 هج، 1950 م عن دار الكتاب العربي.

4 ـ صدر عام 1951 ط أولى.

5 ـ صدر عام 1970.

6 ـ النظم الإسلامية: 34.

ـ(145)ـ

وأذاع العهد(المنشور) لفئات السكات في المدينة المنورة، وقد مهد لقيام الدولة بإنشاء الكتلة الإسلامية الصالحة وبيعتي العقبة الصغرى والكبرى وبإرسال مصعب بن عمير وعبد الله بن أم مكتوم إلى المدينة المنورة قبل هجرته صلى الله عليه وآله وسلم، وبتقدم الدولة الإسلامية الناشئة واتصالها بالشعوب المختلفة والحضارات المتعددة، وباتساع رقعتها وصهرها الشعوب المختلفة في أمة واحدة اتسع مفهوم الدولة في الإسلام منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى زوال هذه الدولة بزوال الدولة العثمانية، وأصبح واضحا كل الوضوح بالأمس والقواعد التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية وظهر بالتطبيق في دولة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والخلافة الراشدة.

ومن هنا نجد ان مفهوم الدولة في الإسلام يقوم على أمرين اثنين:

1 ـ العقيدة الإسلامية بمفهومها الواضح الذي يعطي أهمية إيجابية خاصة لحاجات الإنسان على اختلاف نزعاتها واتجاهاتها، والتي تحل مشكلات الإنسان المادية وأشواقه الروحية؛ بالإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، والتي تفرض العبادة لتنظيم علاقة الإنسان بالله، وتحيط العقيدة بالقيم العليا والأخلاق الفاضلة حتى تظل في جو من الطهر والسمو مستمر بأنظمتها التي تنبثق عنها، والتي تضع القواعد الثابتة والأحكام المستنبطة لمعالجة جميع شؤون الحياة وتحقيق مصلحة الفرد والجماعة، فهي تشمل المعاملات والقضاء والأحوال الشخصية والميراث والوصايا والحدود والعقوبات وعلاقات الدولة بغيرها وأحكام الجهاد(السير) والسلم وغيرها.

2 ـ أجهزة الحكم التي تنفذ ما تتطلبه العقيدة من النشر والأنظمة من التطبيق، وأجهزة الحكم هذه تشمل السلطة التنفيذية والسلطة القضائية؛ اما السلطة التشريعية في الإسلام فموكول أمرها لمجتهدي هذه الأمة يستنبطون الأحكام

ـ(146)ـ

الشرعية من مصادرها الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وتتبنى الدولة من الأحكام المستنبطة ما ينظم جميع شؤونها من أي مجتهد أو مذهب كان يختارها الحاكم بواسطة أهل الحل والعقد أو بواسطة مجلس تشريعي أو أي هيئة تمثل الدولة.

ومن واقع حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وواقع فعل الصحابة(عليهم الرضوان) وواقع الأمة الإسلامية في تاريخها اتخذت الدولة الإسلامية في مسيرتها الطويلة الشكل الذي يمكن ان يتطور في تحديث الدولة، وما يناسب تطور معاش الناس وأساليب حياتهم ونمو طرائق تعاملهم واستعمال وسائل التقنية الحديثة في حياتهم ضمن الإطار الإسلامي، وفي نطاق المضمون الذي عيّن الإسلام خطوطه العريضة، ووضح حدود معالمه، فلم تكن الدولة في شكلها إمبراطورية لأن الشكل الإمبراطوري يعني ان تشمل الدولة على ولايات مستقلة في شؤونها الداخلية وأحكامها وقوانينها ولكنها ترتبط بدولة يرأسها الإمبراطور ارتباطا في السياسة العامة، ويشارك في موازنة الدولة بجزء من أموالها الخاصة، وتساعد الإمبراطور بجيشها وقواتها أمام خصوم الإمبراطورية. وشكل الدولة الإسلامية لم يكن كذلك، ولم تكن الدولة الإسلامية ملكية وراثية بشكل الدول القائمة حاليا في إنجلترا وهولندا وأمثالها من بلدان العالم، وان اسم الملك على الخليفة والإمام في بعض عصور الدولة الإسلامية وان حصرت الخلافة في أسرة معيّنة في بعض الدول الإسلامية كالأموية والعباسية والفاطمية ولم تكن الدولة في شكلها جمهورية تحدد فيها مدة رئيس الجمهورية بخمس سنوات أو اربع وإنّما تحدد مدة رئيس الدولة بمدى صلاحيته للحكم وتطبيق الإسلام. ولا ينطبق أي شكل من اشكال الدول الحديثة على شكل الدولة الإسلامية من حيث ان الدولة

ـ(147)ـ

الإسلامية تكون فيها السادة للشرع لا للشعب والمشرع فيها هو الله تعالى فالحاكمية لـه سبحانه، والعلماء المجتهدون هم الذين يستنبطون الأحكام والقوانين من مصادرها الشرعية الكتاب والسنة والإجماع والقياس والدولة تتبنى من اجتهادات العلماء القوانين اللازمة للتطبيق. والسلطان للشعب يختار رئيس الدولة(عند أهل السنة) ولا تتم رئاسته إلا بالبيعة لـه من عامة الناس أو من أهل الحل والعقد فيها، ولا تملك الأمة عزله مادام صالحا للحكم مطبقا للاحكام والقوانين الشرعية، فإذا اخل بذلك استحق العزل، ويقرر ذلك محكمة تسمى محكمة المظالم تعين من القضاة ولا تملك الدولة ان تعزل أعضاءها وإنّما يعزلون أنفسهم إذا أصبح العضو غير صالح للنظر في القضاء، وله السلطة الشاملة على الأمة ورئيس الدولة والحكومة كما للقضاء بعامة.

وليس فيها مجلس نيابي يشرع وإنّما يكون فيها مجلس نيابي يمثل الأمة في مراقبة رئيس الدولة ومن يعاونه في الحكم وفيها مجلس شورى يرجع إليه رئيس الدولة مستشيرا في مهمات الأمور والمساواة مقررة لجميع المواطنين. واخوة المؤمنين واجبة لا يتميز أحد عن أحد إلا بالعمل والتقوى(1).

وقد ترك الإسلام للمسلمين ؛ بعد ان وضح قواعد الحكم في سيادة الشرع وسلطان الأمة وعدالة القضاء وتساوي المواطنين واخوة المؤمنين؛ وبعد ان قر تنصيب الامام(رئيس الدولة) وبيعة الأمة لـه ؛ ترك للمسلمين أمر الشؤون التفصيلية في الدولة الإسلامية وشكلها ليتسع لاولي الأمر ان يضعوا أنظمتهم ويشكلوا حكومتهم ويعينوا وزراءهم ويكونوا مجالسهم بما يلائم أوضاعهم وأحوالهم

_____________________________________

1 ـ نظام الحكم للدكتور محمد موسى: 141.

 

ـ(148)ـ

ويتناسب مع تجديد أساليب الحياة ومعايش الناس(1).

وحدة الدولة الإسلامية

عبّر الفقهاء عن وحدة الدولة الإسلامية بوحدة الإمامة أو وحدة الخلافة، ذلك لأن الإسلام يهدف إلى تجميع المسلمين ووحدة صفهم، ولا يريد لهم الفرقة والضعف باعتبار أنهم أمة واحدة، فلابد أن يكونوا تحت رئاسة واحدة، تجنبا للفوضى والخلافات وضبط الأمور الأمة وشؤونها وتوحيد لصفوفها قال جل جلاله ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾(2) ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾(3) وقال عليه السلام «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»(4) وقال «من آتاككم وأمركم جميع على أمر واحد يريد ان يفرق جماعتكم فاقتلوه»(5). وقال «من بايع اماما فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه ان استطاع، فان جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»(6). والأمر بقتله محمول على ما إذا أصر على الخلاف فيحنئذ يكون باغيا، فإذا لم يندفع إلا بالقتل قتل، وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وانه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، أعطوهم حقهم فان الله سائلهم عما استرعاهم»(7).

_____________________________________

1 ـ السياسة الشرعية لعبد الوهاب خلاف 17.

2 ـ الأنفال: 40.

3 ـ آل عمران 103.

4 ـ رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري.

5 ـ رواه مسلم.

6 ـ رواه مسلم في كتاب الامارة.

7 ـ رواه مسلم، وورد في المسامرة للكمال بن شريف شرح المسايرة للكمال بن الهمام 280.

ـ(149)ـ

ويؤخذ من هذه النصوص عدم جواز ان يكون أئمة متعددون، يستقل كل منهم بإمامته وينفرد بحكمه، لكن لابد ان يكون أمام واحد تنضوي تحت لوائه جميع الأمة الإسلامية ويرتبط به جميع الأحكام، ضمن تعاليم الإسلام وانظمته.

وقد فهم المسلمون الأولون ذلك يوم اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة حين رفضوا ان يكون أميران لأنه لا يصلح سيفان في قراب واحد، يقول صاحب المسامرة » والمعنى في امتناع تعدد الامام أنه مناف لمقصود الإمامة من اتحاد كلمة أهل الإسلام واندفاع التفن، وان التعدد يقتضي لزوم امتثال أحكام متضادة»(1).

تعدد الإمامة في البلد الواحد

الحكم فيما إذا بويع لإمامين في البلد الواحد:

اختلف العلماء على عدة آراء:

1 ـ ذهبت طائفة من العلماء وفي طليعتهم الامام الغزالي إلى ان الإمامة تنعقد صحيحة لمن انعقدت لـه من أكثر الخلق، والمخالف للأكثرية يعتبر باغيا يجب رده إلى الانقياد للحق(2).

2 ـ ذهب أكثر أهل السنة إلى اعتبار الأسبقية في عقد الإمامة، فإذا بايع الأقل ذا أهلية أولا، ثم بايعت الأكثرية غيره، فالإمامة الصحيحة للأول ولو كان المبايعون هم الأقل، ويجب رد إمامة الثاني، أو أن يتخلى عنها للإمام السابق في البيعة(3).

_____________________________________

1 ـ المسامرة شرح المسايرة: 280.

2 ـ المسامرة: 280.

3 ـ المسامرة: 280.

ـ(150)ـ

3 ـ ذهبت طائفة إلى ان الإمامة تنعقد صحيحة للإمام الذي بويع لـه في نفس البلد الذي مات فيه الامام السابق أو في عاصمة الخلافة حيث يكون أهل الحل والعقد فيها، وتعد إمامة غيره فاسدة في المصر الواحد.

4 ـ وذهبت طائفة رابعة إلى يجب على كل من الإمامين ان يتخلى عن الإمامة لصاحبة ويختار أهل الحل والعقد أو جميع الناس إذا أمكن واحدا منهما.

ويرجح الماوردي أن تكون الإمامة لاسبقهما بيعة وعقدا كالوليين في نكاح المرأة إذا زوجاها باثنين كان النكاح لا سبقهما عقدا، وقد ذكر ان هذا ما عليه المحققون(1).

والذي اميل إليه ـ استهداء باختيار عثمان وميل الناس لـه لأنه قبل ان يكون على شرط الشيخين أبي بكر وعمر ـ ان الإمامة تنعقد لمن اختاره أكثر الناس(شرح المسامرة 280) لأن السلطان للأمة في اختيار الامام الذي يحكمها بشرع الله ويرجح جانب الأكثرية إذا تساوي الإمامان في الشروط المعتبرة، لاسيما وأن إمكانية اختيار رئيس الدولة في زماننا هذه أسهل منها في الأيام الماضية.

ولا يفوتني ان اذكر هنا مؤكدا ان موقف الشيعة يفترق عن موقف أهل السنة، فهم يرون ان الخلافة ثبتت العلي كرم الله وجهه بالنص على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم لمن بعده من آل البيت على لسان علي عليه السلام ورد في كتاب عقائد الإمامية للسيد محمد رضا المظفر «نعتقد ان الإمامة كالنبوة، لا تكون إلا بالنص من الله تعالى ولسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد ان ينص على الإمام من بعده وحكمها حكم النبوة بلا فرق » واستدلوا بآيات من القرآن الكريم مثل قولـه جل جلاله ﴿إنّما

_____________________________________

1 ـ الأحكام السلطانية للماوردي: 9.

ـ(151)ـ

وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾(1). وأحاديث نبوية مثل حديث غدير خم، ولكل من أهل السنة والشيعة رأيه ولا نجعل اختلاف الرأي مدعاة شقاق بين المسلمين ونحن نواجه أعداء الإسلام والمسلمين ونسعى لإقامة حكم الله في الأرض فان تم حكمه فيها فان وجد من يصلح للإمامة من آل البيت فهو أولى وإلا فمن المسلمين القادرين على أحكام الإسلام. ولا عبرة بالمغالين المتعصبين تعصب جهالة فان ذلك يضر بوحدة الأمة ويؤدي إلى فرقتها وضعفها.

خاتمة

ولابد ان نفرّق بين وحدة الأمة ووحدة الدولة من جهة وبين الوحدة الإسلامية من جهة أخرى، والفرق بين وحدة الأمة الإسلامية ووحدة الدولة ظاهر مما تناولنا في الحديث عنهما فالأمة غير الدولة وان كان لا يتستغني إحداهما عن الأخرى فالأمة نظام منفرط ينتظمه السلك القوي وهو الدولة ويمنعه من الانفراط.

والوحدة الإسلامية اليوم تعني ان نوحد هذه الشعوب التي تكون الأمة الإسلامية والمنضوية تحت دول مختلفة سمي بعضها دولا عربية لها حكومات متعددة تحكم شعبا عربيا واحدا معظمه مسلمون، وسمي البعض الآخر دولا إسلامية لها حكومات تحكم شعوبا متعددة اغلبهم مسلمون، وتوحيدها يكون بتوحيد ثقافتها وأنظمتها ومناهج تعليمها وسياستها الخارجية والداخلية وإزالة الحواجز الجمركية فيما بينها وحرية التنقل وتوحيد النقد وغير ذلك.

_____________________________________

1 ـ سورة المائدة: 55.

ـ(152)ـ

وقد نشأ الخلاف الكبير في مطلع القرن العشرين بين دعاة الوحدة الإسلامية ودعاة الوحدة العربية، ولم يتمكن دعاة الوحدة الإسلامية من الاستمرار في العمل لها لوجود عوامل مما تركه الاستعمار والاحتلال الأجنبي والتخلف الفكري وضبابية الفهم للإسلام ونزعات القبلية والتسلط وتمسك الحكام والأمراء والملوك كراسيهم وضعف الإيمان والتقوى عند بعضهم وغيرها ن فصرفوا النظر عن الدعوة للوحدة الإسلامية. واستمر دعاة الوحدة العربية في دعوتهم وجندوا أقلامهم وأفكارهم لها، وحشدوا جموعهم وأحزابهم وزعماءهم وتشدقوا بألفاظ الوطنية والقومية والكبرياء القومي والوحدة، ونشأ أبناء العرب في القرن العشرين ينشدون الأناشيد التي تمجد هذه الدعوة إلى الوحدة وأنشئت مؤسسات ومنظمات وحدوية، ولكن الواقع كان يشهد فرقة وتمزقا وتمسكا بالنزعات القبلية والولاءات الإقليمية كالفلسطينية والسورية والأردنية والمصرية والفرعونية والمغربية والجزائرية وغيرها بحسب الدول أو الدويلات أو الإمارات التي نشأت، ولم تفلح منظمة الجامعة العربية ان توجد أي نوع من أنواع الوحدة العربية، وبذلك أصبحت الدعوة إلى الوحدة العربية جعجعة في الهواء وطحنا ولاقمح ولاطاحون.

وأصبحت الدعوة إلى الوحدة الإسلامية إلى تلاقي حكومات ومؤتمرات فأنشئت منظمة الدول الإسلامية وكانت كسالفتها منظمة الجامعة العربية.

ارسال نظر