دور الثورة الإسلامية في مسيرة الصحوة
الشيخ حسن البغدادي
الصحوة :تعني التنبه والاستيقاظ
قد يغفو الإنسان عن كثير من الأشياء، ويحتاج إلى من ينبهّه ويوقظه، والأخطر في هذه الاشياء، عندما يغفل عن أمور دينه، وعن كرامته، وعن عرضه ووطنه. لقد كانت الشعوب تغط في سبات عميق، ولأسباب مختلفة، بعضها مرتبط بالجهل وعدم المعرفة، وبعضها بالقهر والظلم، والبعض الآخر بفقدان الأمل واليأس من التغيير، ولعل أخطر الأسباب على الاطلاق أن تصل الشعوب إلى حالة اليأس، أن يصل الفرد والمجتمع بكل مكوناته إلى قناعة بعدم جدوى الحركة، أو الانتفاضة، أو الاعتراض. ولعل قيمة الجمهورية الإسلامية وتجربتها منذ أن تفجرت عام 1979م على يد قائدها الامام الراحل السيد الخميني أعلى الله مقامه، تتجلى في إعادة الأمل إلى هذه الشعوب، وجعلها تشعر بكرامتها وبوجودها بعد عشرات السنين من افتقادها هذا الشعور. لقد استطاعات الجمهورية الإسلامية أن تكون نموذجاً رائعاً في ايجاد الصحوة عند عامة المسلمين، وخصوصاً عندما راقبت هذه الشعوب، تصرفات قائد الثورة الامام الخميني، وقيادة الدولة، فبطبيعة الحال، كانت تسأل عن هذا القائد أين كان وكيف عاش، وكيف تصرّف، وما هو نمط تفكيره وسلوكه. لقد كانت الفرحة كبيرة والأمل أكبر ، عندما تأكد هذا العالم، أن قائد الثورة هو منهم ، ومن الفقراء من هذا الشعب المستضعف، من حوزة قم، إلى حوزة النجف الأشرف، مجاهداً ومهاجراً ، إلى باريس، ثم عودته إلى ايران حاكماً. لم يتغير فيه شيء، لا نمط حياته ، ولا تفكيره، ولا سلوكه، بقي السيد روح الله كما هو في كل هذه المراحل والمتغيراتّ. لم تأخذه في الله لومة لائم. كان يمارس العدالة بأعلى طبقاتها، حتى لامست عدالته هذه، الحد الأدنى لعدالة الأئمة المعصومين(ع)، فلم يعد يرى شيئاً منفصلاً عن محبة الله ورضاه. أذكر ونحن في تشييع نجله العلامة السيد مصطفى في النجف الأشرف، أن السيد روح الله الخميني كان شديد الصلابة وكنا كطلاب علم آنذاك، نفكر أن القائد لا يجوز أن يبكي أو يضحك، فهو إنسان مختلف، وعليه ان يتحمل المسؤولية امام شعبه، ولكن بعد كل هذا الزمن وكل هذه التجربة، اكتشفنا شخصية الامام الخميني (قدسره)، وأن قلبه امتلأ حباً لله تعالى، ولم تعد معه مساحة لأحد، كما قال الشيخ هادي كاشف الغطاء للمرحوم المقدس الشيخ حبيب آل ابراهيم العاملي المعروف (بالمهاجر)، عندما فقد ولده الشاب في مدينة(الكوت) بالعراق، عندما كان وكيلاً للسيد أبو حسن الاصفهاني، وقد عز عليه كثيراً. فقده لولده، ورغم كثرة المعزّين الا ان قلبه لم يَبرُد ، حتى قدم اليه الشيخ هادي آل كاشف الغطاء معزياً، قائلاً له : انّ الله خير لك من علي وخير لعلي منك".
فيقول بعدما سمعت هذه العبارة برد قلبي وهدأ روعي، وأيقظت هذه العبارة الشيخ حبيب من غفلته عن محبوبه الحقيقي، الذي لا يجوز لمن وصل إلى هذه المرتبة أن يشاركه في حبه أحد. وهكذا كان الإمام الخميني (قدسره)، فقد شاهد هذا العالم وعايش هذا القائد الاستثنائي، فراقب سلوكه ونمط تفكيره، واهتمامه بالقضايا الكبيرة للمسلمين. لقد عمل الامام الخميني على قطع يد الشرق والغرب عن بلاد المسلمين. ودعا المسلمين والحكومات إلى الاطاحة بهذا الكيان الغاصب لفلسطين، وحثهم على مشروع الوحدة الإسلامية، والتكاتف كمصدر قوة لمواجهة الاستكبار ومشاريع الهيمنة.
هذه التجربة للثورة الإسلامية في ايران، أعادت الأمل لهذه الأمة وجعلت شعوب المنطقة تتأثر وتتفاعل معها، وجاء رد الانظمة الرجعية والمتقاعسة، بان ايران تعمل على تصدير الثورة، وردت ايران على لسان قائدها، ان الثورة ليست بضاعة كي نصدرها، واذا كانت شعوبكم تبحث عن كرامتها وعزتها، وعن أمنها واقتصادها وثرواتها، وعن مقدساتها، من المسجد الأقصى إلى كل الحرمات، وتسمون هذا تصديراً، فليكن ما تقولونه حينئذٍ صحيحاً.
نحن في حزب الله لدينا نفس المشكلة، عندما انتصرنا لاول مرة في 25 أيار 2000م على العدو الاسرائيلي في لبنان، وأخرجناه بالمقاومة المسلحة من الاراضي اللبنانية، وقف الشعب الفلسطيني مستاءً من قيادته، موجهاً الّلَوم إلى نفسه، بانه كان من الممكن أن يسير على درب حزب الله والمقاومة الإسلامية، ويحصل على التحرير والعزة والكرامة، وبالفعل كنا نشاهد بعض الفلسطينيين يذهبون إلى الحدود مع لبنان، يذرفون الدمع والحسرة، وهم يتأملون بمناطقهم القريبة والبعيدة، وسرعان ما انطلقت في فلسطين انتفاضة مباركة إسلامية، لا زال دويها حاضراً إلى يومنا هذا، وكان من بركاتها الانتصار الذي حققته الفصائل الفلسطينية، في صد العدوان الإسرائيلي على غزة، كيف صمدت المقاومة ، رغم الامكانات المتاوضعة والحصار المطبق على المدينة سنة 2008م.
ايها السادة
اليوم ، وبعد مرور كلّ هذه السنوات على قيام الجمهورية الإسلامية كيف يتصرف الامام القائد السيد الخامنئي أعزه المولى، ومعه مؤسسات الدولة؟ لا زالوا على العهد ، ولم يحيدوا عما رسمه الامام الخميني قيد انملة، فالاهتمام بالداخل والاصلاحات، ومواجهة الحصار، كل ذاك لم يمنع القيادة من الحضور الدائم في ساحات المواجهة، والاستنهاض، فلا زالت قضية فلسطين هي القضية المركزية، ولا زال مشروع الوحدة الإسلامية هو الاساس، على عكس بقية الانظمة التي تقول كلاماً معسولاً بالظاهر لصالح القضية الفلسطينية او مشروع الوحدة بين المسلمين، ثم تذهب بالخفاء لتتآمر على هذه القضية وعلى شعبها، ولتدعم كل القوى الظلامية المرتهنة للخارج والتي اخذت على عاتقها تمزيق وحدة المسلمين. إن شعوب المنطقة تنظر بأمل كبير إلى رياح التغيير القادمة من الشرق، خصوصاً ما تشاهده من تفكك هذا العالم المستكبر. هذه الشعوب اليوم تعمل على التغييرمن خلال الإطاحة بأنظمة الاستبداد ،كتونس ، ومصر، وليبيا، واليمن، إلا أن المشكلة الحقيقية أننا بحاجة إلى قيادة تعبر وبحرص عن طموح هذه الثورات، وكلّ الخشية ان تأخذ هذا الجهد مجدداً إلى أحضان أمريكا وإسرائيل ومشاريعهم.
وبالعودة إلى دور الثورة الإسلامية الايرانية في دعم الصحوة واستنهاض مكامن القوة، فان المحور الاساس الجامع لوحدة المسلمين والمستنهض لطاقاتهم، يبقى القضية الفلسطينية. ولم تبخل الجمهورية الإسلامية بأي شيء في سبيل دعم هذه القضية بكل فصائلها ومكوناتها، والذي لم يستفد من رعاية الجمهورية الإسلامية، يكون هو من نأى بنفسه عن هذا الموقع. وكذلك وقفت الجمهورية الإسلامية مع كل فصائل المقاومة في المنطقة، من دون ان تميِّز بين فصيل وآخر، وبين مذهب وآخر، وبين دين وآخر، كانت تدعم الإنسان بما هو إنسان حرٌّ يدافع عن كرامته وعن هويته.
فهذه الصحوة الإسلامية، تنمو يوماً بعد يوم في وجدان الامة، وقد التزمته خياراً لا عودة عنه، ومهما حاول الاستكبار الذي خرج من الباب أن يعود من الشباك، لن يتمكن من ذلك باذن الله. وعلى العلماء والمفكرين والقادة، أن يلتفتوا إلى هذه المخاطر المحدقة، وأن لا يضيِّعوا دماء شعوبهم المستضعفة، التي اريقت في السجون والطرقات لأجل العزة والكرامة.
ارسال نظر