وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
مد الجسور بين الدراسات الإسلامية التقليدية والدراسات الإسلامية الجامعية الحديثة لتيسير البحث الفقهي السليم
۱۳۹۷/۱۰/۲۵ ۰۸:۳۱ 2110

مد الجسور بين الدراسات الإسلامية التقليدية والدراسات الإسلامية الجامعية الحديثة لتيسير البحث الفقهي السليم

 

 

مد الجسور بين الدراسات الإسلامية التقليدية والدراسات الإسلامية الجامعية الحديثة لتيسير البحث الفقهي السليم

 

كامل أبو بكر شريف

 

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمدك اللهم ونستعينك ونستهديك ونسألك ولا مسؤولا ولا مرجوا سواك أن تسدد خطانا وتجعلنا ممن يخلصون لك في القول والعمل، واجعلنا اللهم من المهتدين بهديك وهدي نبيك المختار محمّد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الهادين إلى سبيلك، وارزقنا الله حبك وحب نبيك الكريم الذي أرسلته رحمة للعالمين، وحب أهل بيته الطاهرين الطيبين الذين أذهبت عنهم الرجس، وحب الصحابة وجميع المؤمنين. وصلّ اللهم وسلم على نبيك وحبيبك صفوة خلقك وخاتم النبيين والمرسلين محمّد ابن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه النجباء وسلم علينا معهم.

 

فهذا بحث متواضع حول الوسائل الجديدة لتيسير البحث الفقهي، اخترت عرض إحداها وهي مد الجسور بين الدراسات التقليدية الإسلامية وبين الدراسات الإسلامية الجامعية الحديثة، علها تعطي فكرة عن فائدة مد الجسور بين الدراسات التقليدية والدراسات الجامعية الحديثة من حيث تيسير البحث الفقهي السليم.

 

حاولت تقديم عرضا موجزا عن الدراسات الإسلامية التقليدية وما قدمته هذه الدراسات من خدمات جليلة وفوائد جمة للإسلام والمسلمين في الماضي وكونها الحصن الحصين وينبوع العلم الذي لا يندب. كما عرضت ما تعرضت له من المصائب والمخاطر في عهد الاستعمار. كما قدمت عرضا موجزا عن الدراسات الإسلامية الجامعية الحديثة وكون الجامعات الحديثة قلاع الثقافة الإسلامية الحديثة التي تواكب عصر التقدم وتقدم للعالم الإسلامي خدماتها الجليلة في إطار الشريعة الإسلامية مهتدية بهدي القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

مد الجسور بين الدراسات التقليدية والدراسات الجامعية الحديثة

 

قبل أن نخوض في أي بحث حول الموضوع يستحسن أن نحدد ماذا هو القصد بالدراسات التقليدية وأين تعطى وكيف وماهي أهدافها وما هو القصد بالدراسات الجامعية الحديثة وأين تعطى وما هي أهدافها.

الدراسات التقليدية

 

إنّما نقصده بالدراسات التقليدية هي الدراسات الإسلامية التقليدية، واللغة العربية بصفتها لغة القرآن الكريم. وهذه الدراسات تعطى في المساجد والحوزات العلمية والمراكز الإسلامية لطلاب العلم الذين يرغبون في التفقه في الدين وتعلم اللغة العربية لغة القرآن. اتباعا لقوله جل وتعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إًليهم لعلهم يحذرون)، ويقوم بإلقاء الدروس نخبة من العلماء المتخصصين المتفقهين في الدين والعارفين للغة العربية، يقضى الطالب في هذه الحوزات أو المراكز الإسلامية أو المساجد ما يزيد عن عشرين سنة ينتقل من درس إلى درس آخر ومن عالم إلى عالم آخر ومن بلد إلى بلد آخر يمضى جل وقته في الدراسة.

متى بدأت الدراسات التقليدية وما هي أهدافها؟

 

بدأت الدراسات التقليدية في عهد سيد المرسلين وخير المعلمين محمّد ابن عبد الله (صلى الله عليه وسلم وعلى آله) في أوائل عهد الرسالة إذ كان رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) يقوم بتبليغ الرسالة وشرحها في أول مدرسة أسست وهي دار الأرقم وبعد الهجرة اتخذ الرسول مسجده مدرسة أو محلا لتعليم المسلمين، إذ كان يقوم بشرح وتبيين مانزل عليه من عند الله من الآيات البينات في مسجده يرشد وينصح ويوجه ويدعوا إلى الخير ويغرس بذور الإيمان والعلوم القرآنية في نفوس المسلمين.

 

وكانت المدينة المنورة وبالذات مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى العاصمة الأولى ومركز الإشعاع للعلوم القرآنية. تربى وتعلم فيها الفقهاء من التابعين على أيدي الرعيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله أمثال الإمام علي عليه السلام خريج مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم والذي قال عنه الرسول (صلى الله عليه وسلم): (أنا مدينة العلم وعلي بابها). وكذلك عبد الله بن عباس وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفار وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم الذين تعلموا على أيدي الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله وعلموا الأُمة من بعده.

 

وكانت مهمة هذه النخبة الرائدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وعلى رأسها بحر العلوم وكنزها الإمام علي (عليه السلام) تقوم بتنمية حفظ مضامين القرآن الكريم وسنة الرسول وصيانة الشريعة السمحاء وحفظها من التشويه والتزوير، ونقلها إلى الأجيال بأمانة وإخلاص.

 

وتحمل هذه الأمانة الأئمة من أهل البيت سلام الله عليهم وأرسوا قواعد التعليم ونقلوا مفاهيم الإسلام وحافظوا على الشريعة السمحاء وكانوا بذلك القدوة الحسنة للعلماء الذين تحملوا الأمانة من بعدهم وجعلوا مهمتهم صيانة الدين من التحريف والتزوير ونشروا تعاليم الإسلام الصحيحة بين ربوع المسلمين. فجزاهم الله عن الإسلام خيرا.

 

وجاء تأسيس الحوزات العلمية والمراكز العلمية مع الاحتفاظ بدور المساجد في توعية وتفهيم المسلمين على أيدي العلماء المخلصين الذين تحملوا الأمانة وكرسوا حياتهم لخدمة الدين مهتدين بهدي كتاب الله المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وبهدي الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والأئمة من أهل البيت عليهم السلام والصحابة النجباء رضوان الله عليهم، استمرارية لما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم والتابعين من بعده، متخذين هدفهم.

 

العناية بتحفيظ القرآن الكريم وفهم مضامينه والعناية بالأحاديث النبوية والتعريف بمحتوياتها ومقاصدها، ونشر الثقافة الإسلامية وتعليم اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن ووعاء الثقافة الإسلامية والحفاظ على التراث الإسلامي.

 

تمكين طلبة العلم من اكتساب المعارف الإسلامية الصحيحة التي تمثل الفهم الصحيح والسليم لنصوص القرآن الكريم والحديث النبوي، من أحكام ومقاصد الشريعة الإسلامية، وعقائد الإسلام وتوجيهاته السامية وخلقه الكريم، والعناية بسيرة الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه وعلى أهل بيته والصحابة والمجاهدين.

 

إعداد جيل مؤمن متعلم ملتزم ومخلص يمكنه تحمل المسؤولية الكبرى ومواصلة المسيرة المقدسة وقيادة الأُمة إلى الخير وحمايتها من الشرور والفتن الدخيلة والأفكار الخبيثة المضلة التي تحاول أن تجد سبيلا لها في المجتمع الإسلامي، جيل يحقق الخير والعدل للإنسان المؤمن قوى في نزعته الدينية وفي ضميره الدينية متخلق بالأخلاق الكريمة، قلبه مليء بحب الله وتقواه وخشيته وحب رسوله الأعظم حبيب رب العالمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وحب أهل بيته الذين أوجب الله سبحانه وتعالى على المؤمنين حبهم وحب المؤمنين.

 

الاستعمار والدراسات الإسلامية التقليدية

حاول الاستعمار بكل ما أوتي من حيل وقوة، إضعاف الدراسات الإسلامية في المساجد والحوزات العلمية ومارس شتى وسائل الضغوط والإرهاب ضد العلماء بهدف شل حركاتهم الإرشادية والتعليمية كما حاول إبعاد المسلمين عن مساجدهم ومراكز التعليم، وعن اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم لكي يتمكن إبعاد الأُمة الإسلامية عن عقيدتها السمحاء وعن القرآن الكريم وعن لغة القرآن.

 

أوجد الاستعمار الفرقة والخلافات بين المسلمين وأقام الفرق الهدافة كالأحمدية والبهائية وغيرها بهدف تشتيت كلمة المسلمين وخلق الفوضى وتشكيك المسلمين في عقيدتهم وتعطيل الدراسات الإسلامية الصحيحة.

 

قام بنشر ثقافته الفاسدة وأخلاقه المنحلة، ملأ افكار ضعفاء الإيمان بآرائه الفاسدة ونظرياته الخبيثة، بذر الشبهة حول الأفكار الإسلامية الصحيحة لزحزحة إيمان المسلمين فكان غزوا ثقافيا خطرا.

 

كل هذه المحاولات والضغوط الغير الإنسانية، والأفكار الفاسدة والبذور السامة لم تنل من عقيدة المسلمين ولم يتمكن المستعمرون من إبعاد المسلمين عن عقيدتهم وعن مساجدهم وحوزاتهم العلمية والمدارس الإسلامية. ولم يتمكن الاستعمار من فك رباط الأخوة بين المسلمين. وذلك بفضل الله ونعمته على المسلمين، وبفضل جهاد ونضال العلماء الأحرار الأبرار الذين بذلوا جهدهم وجاهدوا في الله حق جهاده فما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا، وصبروا وصابروا وثبتوا على العقيدة، وحالوا دون تنفيذ مخططات المستعمرين.

 

حافظ المسلمون على كيانهم الإسلامي ووحدتهم وازداد التفافهم بعلمائهم وتواجدهم في المساجد كما ازداد طلبة العلم في المساجد والحوزات، وواجهوا الاستعمار والضغوط التي كان المستعمرون يقومون بها رغم ضراوتها وقسوتها بكل شجاعة وإيمان قوى ثابتين على العقيدة صابرين متمكسين بحبل الله المتين متماسكين مقتدين بهدي علمائهم الأحرار.

 

كان للمساجد والحوزات العلمية والمراكز الإسلامية دور مجيد في التصدي للاستعمار ومحاربته والدفاع عن مقدسات الإسلام، وعن تعاليم الإسلام وأفكاره السليمة، والتصدي للأباطيل والأفكار السامة، وكانت المساجد والحوزات العلمية الحقل الأمين الذي يقصده المسلمون لفهم معاني الإسلام ومثله العليا متمثلا بعلمائه الملتحمين مع الشعب والذين واصلوا جهادهم في كل الميادين ضد الاستعمار، أيقظوا ضمائر المسلمين وأحيوا فيهم روح الجهاد والذود عن الدين ومقدساته والتمسك بحبل الله المتين. فواجهوا الاستعمار بكل شجاعة معتمدين على الله. حافظوا على كيان المساجد ودورها في جمع المسلمين وعن الحوزات العلمية ودورها في نشر الثقافة الإسلامية دون تردد وخوف لا يخشون في الله لومة لائم ولا سطوة الاستعمار. نشروا التعاليم الدينية غير مبالين بسطوة المستعمرين وكانت المساجد والحوزات العلمية محل تجمعهم ونقطة انطلاقهم للتعليم والدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله كما كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله. وجاهدوا في الله حق جهاده حتى كتب الله لهم وللأمة الإسلامية بالنصر وخرج الاستعمار مهزوما دون رجعة وتنطبق في حقهم الآية الكريم، (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).

 

وبعد الاستعمار واصل العلماء كفاحهم لتصحيح ما خلفه الاستعمار من الخراب الفكري والانحلال الخلقي، وكان نضالهم هذه المرة ضد تلامذة الاستعمار الذين تربعوا على كرسي الحكم خلفاء الاستعمار الذين وضعوا من ألبان الاستعمار وملؤا أفكارهم بالمبادئ والتعاليم الفاسدة، خريجي مدارس الاستعمار. ودافع العلماء عن المؤسسات الإسلامية كالمساجد ومراكز التعليم والحوزات العلمية وكان مهامهم أشد مما كان عليه أبان الاستعمار إذ أنهم كانوا يواجهون قوما يدعون الإسلام وهم عن الإسلام مارقين وانتصر العلماء المؤيدون من عند الله ومن الشعب المسلم الذي يكن لهم كل التقدير والاحترام.

 

ونضرب المثل لكفاح العلماء ونضالهم وجهادهم في نصرة الدين، ثورة العلماء في إيران بزعامة الإمام الراحل آية الله العظمى تغمده الله برحمته وقدس سره الإمام الخميني جزاه الله عن الإسلام خيرا، وتمكنهم بإقامة حكومة إسلامية أساسها ونهجها القرآن الكريم وسنة الرسول محمّد صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وكانت صحوة إسلامية مباركة عمت كل مكان وأيقظت الضمير وبعثت الروح الجهادية في نفوس المسلمين أينما كانوا.

 

إننا حين نتصفح تاريخ الدراسات الإسلامية التقليدية في المساجد والحوزات العلمية والمراكز الإسلامية وفي بيوت العلماء عبر القرون الماضية قبل الاستعمار وأثناء الاستعمار وبعد الاستعمار وفي الأماكن المختلفة وما واجهته هذه المراكز التعليمية من تحديات حاولت الحد من نشاطاتها أو إزالتها نراها اليوم وقد أدت واجبها في نشر الدعوة الإسلامية وتعليم مفاهيم الإسلام متألقة ثابتة عاملة من أجل الإسلام والمسلمين. استطاع القائمين بها أن يرتقوا بها نحو التقدم والازدهار متجاوزين العراقيل والصعاب بكل حزم وإصرار.

 

تخرج فيها علماء وباحثون ومجتهدون آثروا المجتمع الإسلامي بمؤلفاتهم القيمة وبحوثهم واجتهاداتهم العظيمة، وإٍرشاداتهم النيرة وكانوا الجنود المجندين لخدمة الدين الحنيف، نشروا تعاليم الإسلام ودعوا إلى الله وبينوا ونصحوا، وكانوا للأمة الإسلامية الحصن الحصين والدرع الواقي لتعاليم الإسلام من الشبهات والأفكار الفاسدة. كما تخرج عشرات الآلاف من حفظة كتاب الله المجيد.

 

ومما هو جدير بالذكر ان في بعض البلدان التي لا يزال تلامذة المستعمرين يسيطرون عليها والذين اتخذوا المنهج العلماني منهجا يسيرون عليه وفي بعض البلدان التي تسيطر عليها حكومات غير إسلامية نجد الدراسات الإسلامية التقليدية هزيلة ومتخلفة بعيدة عن الواقع وفي عزلة تامة عما يجري في العالم من التطورات والمستجدات والتحديات، ومتطلبات العصر بسبب الضغوط التي تمارس ضدها من قبل الحكومات العلمانية والحكومات الغير الإسلامية. وأدهى من ذلك بدأت الدراسات الإسلامية التقليدية في هذه البلدان في الانكماش والضياع كما هو الحال في دول البلقان والجمهوريات الإسلامية التي كانت تحت سيطرة الروس، وفي بعض البلدان الأفريقية لفقدان من يعتني بها والضغوط التي تمارس ضدها.

 

الدراسات الجامعية الحديثة

 

المراد هنا بالدراسات الجامعية الحديثة هي الدراسات الإسلامية التي تتم في الجامعات الإسلامية. قد تكون هذه الجامعات تابعة للحكومات الإسلامية أو مستقلة. كالأزهر الشريف. والجامعة الزيتونة، وجامعة قرويين، والجامعة الإسلامية في طهران والجامعة الإسلامية في باكستان والجامعة الإسلامية في ماليزيا وكليات إسلامية في مختلف البلدان الإسلامية.

 

النظام التعليمي للدراسات الإسلامية واللغة العربية في هذه الجامعات والكليات والمعاهد تستهدف تدريس الطلاب الدراسات الإسلامية واللغة العربية إلى جانب اللغة المحلية للطلاب المؤهلين الذين تم قبولهم. وتتم الدراسة على النمط الحديث المتبع في الجامعات العلمية أو العلمانية وهي التدرج بالطالب من مرحلة إلى مرحلة أخرى حسب المنهج والبرامج الموضوعة للمواد الدراسية الدينية واللغة العربية.

 

وتتبع في ذلك الطرق الحديثة لتدريس علوم الدين واللغة العربية واللغة المحلية منها الاستقرائية والمحاضرات والحوار مستهدفة إيصال الطالب في النهاية إلى درجة تجعله عارفا حق المعرفة أمور الدين ومتمكنا باللغة العربية وأصولها وكذلك فهم لغته المحلية وهذه الدرجات العلمية تنقسم إلى أربع درجات وهي:

 

الدرجة الأولى وهي التي تسمى بالمرحلة الأولى للدراسات الجامعية يحصل الطالب عند إتمام دراسته في هذه المرحلة على درجة الدبلوم.

الدرجة الثانية وهي التي تسمى بالمرحلة الثانية للدراسات الجامعية يحصل الطالب عند إتمام دراسته على درجة الليسانس.

الدرجة الثالثة وهي التي تسمى بالمرحلة الثالثة للدراسات الجامعية يحصل الطالب عند إتمام دراسته على درجة الماجستير.

الدرجة الرابعة وهي التي تسمى بالمرحلة الرابعة للدراسات الجامعية يحصل الطالب عند إتمام دراسته على درجة الدكتوراه.

كل هذه الدراسات تظهر مستوى الطالب من العلوم التي تلقاها وتأهله للقيام بالتدريس أو الدعوة بعد أن يتلقى التدريب اللازم والطرق الحديثة في التدريس والدعوة حسب درجته ولا يتعدى ذلك.

بداية تأسيس الجامعات الإسلامية

تشير الأدلة على أن المسلمين هم الذين بدؤوا في إنشاء الجامعات والمراكز التعليمية فقد أسست جامعة القرويين الدينية (فاس المغرب) عام 859م وجامعة قرطبه في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي، وجامعة الأزهر الشريف في القاهرة في عام 962م، وجامعة الزيتونة في القرن الثالث عشر الميلادي. أما في أوروبا فقد كان ظهور مراكز التعليم العالي والجامعات متأخر عن ذلك.

 

ويرجع إصدار إجازات التدريس إلى زمن مبكر في القرن التاسع الميلادي والإجازة المشار إليها هي عبارة عن وثيقة مكتوبة يمنحها الأستاذ للطالب عندما يكمل الأخير بنجاح دورته الدراسية وهذه الإجازة تأهله ليقوم بأعمال التدريس ومعناها يجوز له أن يعلم الآخرين الموضوعات التي درسها.

الاستعمار والجامعات الإسلامية

لقد مرت هذه الجامعات كأخواتها الحوزات العلمية وحلقات التدريس في المساجد عبر العصور على مراحل صعبة وعسيرة وأشدها كانت في عهد الاستعمار البغيض حيث حاول المستعمرون مستخدمين كل الوسائل الخبيثة للنيل من هذه الجامعات الإسلامية العريقة والتي تعد من قلاع الثقافة الإسلامية بهدف القضاء عليها.

 

ودأب الاستعمار على عزل العلماء عن أمتهم وفصل الحوزات العلمية والحلقات الدراسية عن الجامعات. ولكن وعي العلماء ويقظتهم وتصديهم لمخططات الاستعمار حالت وأحبطت مخططات الاستعمار واحتفظت الحوزات العلمية والجامعات بكيانها الإسلامي مؤدية رسالتها المقدسة.

 

فالتحرك والتلاؤم والتقارب بين الجامعات الإسلامية والحوزات العلمية الذي نراه ونحس به في الوقت الحاضر هو من بركات أولئك العلماء الأجلاء المجاهدين الذين بذلوا جهدهم وحياتهم في سبيل نصرة دين الله وإعلاء كلمته والحفاظ على وحدة الأُمة الإسلامية.

تحديات أعداء الإسلام

إن عالمنا المعاصر هو عصر التكتلات، كثرت فيه الأفكار الخبيثة والمبادئ الهدامة وتتصارع فيه الحضارات فهو عصر الانحلال الخلقي ومحاربة القيم. وقد اتحد فيه أعداء الإسلام على الباطل، وبلغت محاربتهم للقرآن الكريم وسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم وعلى آله) ذروتها، حيث قاموا بتوظيف كل مقدراتهم من الثروات ووسائل الإعلام المتطورة ودأب مفكريهم بالتهجم على كتاب الله وتأويل مفاهيمه حسب أهوائهم وإظهاره بمظهر غير لائق وتطاولوا وتمادوا في طغيانهم وطالبوا بعدم تدريس القرآن الكريم. كما تطاولت أقلامهم وواصلت الطعن على الرسول الأعظم (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله).

 

نادوا بالعلمانية التي هي إحدى أوجه الإلحاد فكان هدفهم في ذلك إزالة العنصر الديني والقيم الأخلاقية في نفوس المسلمين وجرهم إلى هاوية الإلحاد والفساد. ولم يفلحوا في مسعاهم الخبيثة بفضل الله عزوجل وحفظه لأمة التوحيد، وبفضل يقظة علمائنا الأبرار المخلصين وتوعيتهم لجمهور المسلمين وتنبيههم الأُمة الإسلامة مقاصد أفكار العلمانية الخبيثة وما ترمى إليه من أهداف خبيثة خطرة على الدين. فازداد تمسك المسلمين بعقيدتهم والذود عنها مهتدين بهدي علمائهم المخلصين. إلا شرذمة قليلة وهي التي تأثرت بمفاهيم الغرب ومفكريهم بسبب بعدها عن تعاليم الإسلام وتأثرها بمدرسة الغرب.

 

اليوم ينادون بالعولمة وأخطرها عولمة الثقافة. يطبل لها بعض ضعفاء الإيمان، وما العولمة إلا شر أريد بالناس لصالح طائفة من الناس، وهي الشر والمرض الفتاك الموجهة إلى الأُمة الإسلامية والأمم المستضعفة، هدفها استغلال الشعوب واستعبادها وطمس كيان الأُمة الإسلامية وحضارتها، والسيطرة عليها، وجر الأُمة الإسلامية النقية الطاهرة بعد تجريدها من عقيدتها السامية إلى هاوية الفساد والانحلال.

الغزو الثقافي

إن الكيان الثقافي الإسلامي معرض للخطر، والأمة الإسلامية مهددة ومعرضة لمخاطر معقدة وقد فطن الإمام ولي أمر المسلمين آية الله العظمى السيد الخامنئي قائد الثورة الإسلامية أمد الله في عمره وقال في إحدى لقاءاته بالعلماء.

 

(إحدى وظائفكم الإسلامية أيها السادة باعتباركم علماء دين، إعداد علماء دين مكلفين واعين، قوموا بدعم المدارس الدينية وزوّدوا طلابكم بالمعلومات الإسلامية القادرة على إقناع عقول الشباب. فجميع أعدائنا يستخدمون الثروات الطائلة والتجارب الكثيرة والعقول القوية لكتابة آلاف الكتب والمقالات علاوة على ما كتبوه حتى الآن من أجل الشبهة حول الفكر الإسلامي لزعزعة إيمان الناس، وسيبثون آلاف الشبهات بينهم لتشويه أذهانهم، ترى من الذي يجب عليه أن يحفظ إيمان الناس ويسلح أذهانهم في خضم مواجهة هذا الغزو الثقافي، إنها وظيفة العلماء).

 

وليس هذا هو الخطاب الوحيد لسماحته، يحذر فيها من الغزو الثقافي ومن مكايد الأعداء. وفي خطاب آخر قال الإمام أمد الله في عمره (إن لم نقاوم الغزو الثقافي والعقائدي للاستكبار العالمي فسنهزم).

 

يهدف الأعداء من غزوهم الثقافي ونشر مبادئهم وثقافتهم المنحلة إلى تجريد الأُمة الإسلامية وخصوصا شبابها من الإيمان الحقيقي، وجره إلى هاوية الفساد وفي هذا الصدد قال الإمام ولي أمر المسلمين آية الله العظمى السيد علي الخامنئي أمد الله في عمره مايلي:

 

(يسعى العدو من خلال نشر الثقافة الخاطئة ثقافة الفساد والفحشاء إلى أن يسلب شبابنا منا وليس ما يفعله مع شبابنا على الصعيد الثقافي هجوما ثقافيا، إنّما هو غارة ونهب وقتل جماعي ثقافي. هذا ما يفعله العدو منا).

 

بناءا على ما تم عرضه في الصفحات السابقة من هذا البحث والذي كان في مجمله سرد واقعي للدراسات الإسلامية التقليدية في الحوزات العلمية والمراكز الإسلامية وفي حلقات المساجد وأهدافها وسرد واقعي للدراسات الإسلامي في الجامعات الحديثة تبين لنا منا يلي:

 

وحدة الهدف وكلا الدراستان التقليدية والحديثة تستهدفان تعليم طلاب العلم مضامين التعاليم الإسلامية المأخوذة من مصدرها الرئيسي كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والعمل على نشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية، والتعريف بالمبادئ والأسس التي جاء بها القرآن الكريم.

 

ونحاول في الأسطر القادمة الوسائل الفعالة لمد الجسور بين الدراسات التقليدية والدراسات الحديثة في الجامعات الحديثة لتيسير البحث الفقهي.

ماذا نعني بالبحث الفقهي؟

البحث الفقهي هو عمل اجتهادي منظم ومتقن يقصد به البحث عن مضامين الشريعة الإسلامية الصحيحة المبنية على القرآن الكريم وسنة الرسول الأعظم (صلوات الله وسلام عليه وعلى آله).

 

ويجدر بنا في هذا المجال أن نشيد بدور وجهود علمائنا الأبرار المجتهدين وأن نذكر لهم بالتقدير والاعتزاز تنبههم ويقظتهم لأخطر قضايا البحث واحترازهم من البحوث والدراسات التي قام بها المستشرقين وزمرة المنافقين، بصورة جعلت البحوث التي قام بها علماؤنا تراثا خالدا نقيا، جعلتهم محل إعجاب وتقدير في كل عصر.

 

وحرصا من أئمة أهل البيت (سلام الله عليهم) وأئمة المذاهب والمخلصين من العلماء الجادين والمصلحين على سلامة البحث. شدد الكثيرون على الأمانة العلمية واعتبروا أي بحث فقهي لايستمد من القرآن الكريم وأحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) ناقصا وغير مقبول كما اعتبروا أي قول لايسند إلى قائلة خاليا من البركة بل جعلوا شرطا في مؤلفاتهم. كما يقول الطبري: وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائلها والأحاديث إلى مصنفها فإنه من بركة العلم أن يضاف إلى قائله.

 

إن موضوع البحث الفقهي هو من المواضيع المهمة التي يجب العناية بها والحرص على سلامة البحث. لأنه على ضوء الفقه المستمد من الشريعة الإسلامية تسن الدساتير وتقوم الأنظمة الإسلامية في البلدان الإسلامية، وتوضع القوانين الشرعية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية وحتى السياسية. إذ لا يمكن لحاكم أو أمة إسلامية مخالفة الشريعة السمحاء من أجل المصالح. به حكم الأولون وأداروا كفة البلاد وأرسوا قواعد العدل والمساواة ونالوا العزة والكرامة والسؤدد.

مد الجسور بين الدراسات التقليدية والدراسات الجامعية الحديثة

فالواقع والتطور السريع والتحديات السافرة من قبل أعداء الإسلام للأمة المسلمة والمستجدات التي تحدث من حين لآخر، والغزو الثقافي كلها تتطلب منا سرعة التعامل معها وإعطاء رأي الدين عنها، وتملي على القائمين بالدراسات التقليدية وعلى القائمين بأمور الجامعات الإسلامية الحديثة مد جسور لتبادل المعلومات والخبرات والبحوث الإسلامية الصحيحة حتى تكون هذه المؤسسات العلمية الإسلامية قوة رادعة للأباطيل وقوة قادرة على العطاء المتلائم مع كل عصر. تنير للأمة الطريق وتزوّدهم بالبحوث الصحيحة في كل المجالات الإسلامية وتتصدى للغزو الثقافي.

 

لذا يكون من الواجب أو الأصوب. توحيد منهج البحث الفقهي والعقائدي عبر الجسور الممتدة بين الدراسات التقليدية والدراسات الجامعية، حتى لا يكون البحث خارجا من القاعدة الأصلية وفي نفس الوقت يحول دون تسلل الأفكار الخبيثة والمضلة.

 

فتوحيد منهج البحث وتحديد درجات الدراسة والتطور ومواكبة العصر في أداء مهمة التدريس والبحث يمثل أحسن الوسائل التي تحفظ الأصالة وتضمن سلامة البحث.

 

استنادا على ما قدمناه لقد أصبح مد الجسور بين الدراسات التقليدية في الحوزات والمراكز العلمية وفي المساجد وبين الدراسات الحديثة التي تعطى في الجامعات الحديثة لزاما، حرصا على سلامة البحث وتسهيله وحفظا للأصالة.

 

لذا نرى اتخاذ التدابير اللازمة التي تحفظ الجسور الممتدة بين الدراسات التقليدية والحديثة وتضمن سلامة البحث.

 

1- إيجاد رابطة علمية بين الحوزات والمراكز التقليدية وحلقات التدريس في المساجد، وبين الجامعات الحديثة ذات الصلة بأهداف ورسالة الإسلام في كل النشاطات العلمية والفكرية.

 

2- تبادل الخبرات والمعلومات والأساتذة، بين الحوزات العلمية وحلقات التدريس، والجامعات الحديثة بهدف الارتقاء بالأداء والاستيعاب.

 

3- عقد مؤتمرات علمية تضم المسؤولين بالدراسات التقليدية والدراسات الجامعية، لدراسة المستجدات واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة التحديات، وتطوير طرق التدريس بحثا عن أنجح السبل للبحث الفقهي، والاهتمام بالتراث الإسلامي والعناية به، وإثرائه بأبحاث قيمة منقاة من الشوائب والأفكار الدخيلة.

 

4- توحيد درجات العلم ووضع منهج إسلامي موحد للدراسات الإسلامية مع الاحتفاظ بالأصالة: مع العلم أن الدراسات التقليدية والدراسات الجامعية كلاهما قد أديا خدمات جليلة، وحفظا على الأصالة والثقافة الإسلامية من الغزو الثقافي وحققا تقدما ملموسا في نشر الثقافة الإسلامية.

 

5- معالجة قضايا المسلم المعاصر والإجابة على أسئلة الحائرين في ردود سليمة إسلامية شافية تسهم في تأكيد الحقيقة الخالدة على أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان ولكل أمة.

 

6- دراسة الفرق الهدامة دراسة وافية لمعرفة دورها في تشتيت المسلمين ومخالفتها لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.

 

7- العناية باللغة العربية وتعليمها ونشرها بين الأُمة الإسلامية باعتبارها لغة القرآن الكريم ووسيلة لفهم مصادر الشريعة الإسلامية.

 

8- العمل على نشر رسالة الإسلام الخالدة في هذا العالم الذي تتصارع فيه الديانات والأفكار الفاسدة والحضارات المختلفة.

 

9- إثراء العالم بأبحاث إسلامية تعالج القضايا العامة المعاصرة الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية.

 

10- إيقاف الصراع المذهبي بين المذاهب الإسلامية بهدف خلق جو مناسب لإيجاد التقارب بين المذاهب الإسلامية.

 

11- العناية بالمرأة المسلمة وتثقيفها ثقافة إسلامية عالية وفتح المجال لها لكي تدرس الدراسات الإسلامية العالية. إذ أن الأعداء يوجهون ضرباتهم وطعناتهم للإسلام من ناحية المرأة ويشوهون ما للمرأة من حقوق وكرامة في الشريعة الإسلامية الخالدة.

 

إن التعاون والعمل المشترك يوجد الترابط الوثيق بين الدراسات التقليدية والحديثة، ويساهم مساهمة فعالة في وضع الخطط المستقبلية لتدريس العلوم الإسلامية ومواكبة عصر التقدم، ومواجهة التحديات والرد على الأباطيل ومعالجة المستجدات بطريقة شرعية أساسها القرآن الكريم والسنة النبوية، كما تساهم في إيجاد جيل ملتزم وواع متخلق وعالم بأمور الدين وفي نفس الوقت ملم بالأحداث يمكنه مواجهة التحديات ومعالجة المستجدات وقيادة الأُمة بما أوتي من العلوم الإسلامية.

 

هذه هي نبذة قصيرة من الاقتراحات المتواضعة قدمتها للمؤتمر الميمون المبارك بإذن الله، علها تساهم في إعطاء فكرة عما يجب أن نحققه في سبيل تسهيل البحث الفقهي وحفظه من الشوائب والأفكار الدخيلة، ولإيجاد وحدة بين الدراسات التقليدية والجامعات الحديثة، التي بدورها تساهم في مسيرة الوحدة الإسلامية وتقوى الروابط الثقافية والأخوية بين الأُمة الإسلامية. واعتذر عن تقصيري في تقديم أكثر من هذا لقصوري العلمي وكوني تلميذاً في هذا المجال.

 

وأخيرا ندعو الله العلي القدير أن يوفقنا لما فيه خير الإسلام والمسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله الذي هو مولانا والله الموفق.

ارسال نظر