التعاون بين علماء المسلمين
الدكتور بوعمران الشيخ
رئيس المجلس الإسلامي الأعلى
في الجمهورية الديموقراطية الجزائرية
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ([1]).
قد كرّم النبي (صلى الله عليه وسلم) العلماء بقوله (العلماء ورثة الأنبياء) إنها منزلة رفيعة وتركة ثقيلة يسعد بها التقي الذي سلك نهج النبيين المحفوف بالمكاره، المعبد بالشوك إلا أنه يجد فيه راح نفسية، ومتعة روحية. لقد حمّل رسالة عظيمة ولابد من تبليغها على الوجه المطلوب ليكون من الفائزين بالأجر العظيم عند الله سبحانه ويكون خير خلف لخير سلف.
إن العالم الديني لا تبرأ ذمته حتى يقوم بالدعوة إلى الله، ناشراً ما عنده من العلم بين الخلق، راشداً لهم وواعظاً، يعلّمهم الكتاب والسنة، لا يخشى في دراستهما لومة لائم ولا سطوة آثم. سلاحه التقوى والصبر حتى تستيقظ همم بعض الفئات، وتسمع ندائه فيلقنها المبادئ الدينية الصحيحة ويقودها إلى الفوز في الدارين.
ولا ينجح العالم الديني في وظيفته، إلا إذا بدأ بنفسه فهذبها وطهّرها من الرواسب التي تحجب عنه الحقيقة، وتتركه خائفاً من خوض المعارك، جباناً مشلول اللسان والقلم، كما أنه لا يؤدي مهمته إلا إذا تعاون مع إخوانه العلماء، يمد لهم يد المساعدة داعياً إياهم باسم الإسلام والقرآن والسنة إلى العمل سوياً في اتجاه واحد لإحياء الدين الحنيف واتباع السلف الصالح.
ولا يحصل هذا التقارب بين العلماء، إلا إذا نزعوا عصبياتهم نزعاً قوياً، سواء منها العصبية العرقية أو المذهبية أو التعصب للرأي، والتحيز لشيخ والتفاخر بالآباء، كل هذه العصبيات فتتت وحدة الأُمة ومزّقت صفوفها وجعلتها أمماً تتخاصم.
إن الوفاق بين العلماء، يستوجب الإخلاص في القول والعمل والتفاني في إعلاء كلمة الله، والجد في إقناع الجماهير بوحدة دينها، ووحدة تاريخها، ومبادئ حضارتها. فلا مجال للاعتراض ولا مجال للجدل فلنكتف بما يوحدنا، وننس ما يفرقنا أو ما يحيي بعض النعرات ويغذي الضغائن، فإذا ابتعدنا عن هذه العصبيات التي تزيد نفور بعضنا من بعض، واتبعنا قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (دعوها فإنها مننة) نكون قد حققنا القاعدة الأساسية للتعاون بين المسلمين.
والبداية في هذا المشروع المبارك، تنطلق كما تصوره الإمام عبدالحميد بن باديس المصلح الجزائري من التعليم فيقول: (لن يصلح المسلمون حتى يصلح علماؤهم… ولن يصلح العلماء إلا إذا صلح تعليمهم) ([2]).
وبما أننا نريد لهذه الأُمة انطلاقة حضرية فلنهتم بتدريس وتفهيم دستورها القرآني فهماً صحيحاً، كما درسه الأوائل من الصحابة (رضوان الله عليهم) فلنتدبر آياته ونفقه النشأ بما جاء فيه من حكمة ووعظة وإعجاز علمي وأنه كتاب حياة وحضارة وسعادة في الدنيا والآخرة. فإذا قام العالم بوظيفته كمعلم على أحسن وجه، فقد أدى رسالته نحو أمّته وبلغ للشباب المبادئ الأساسية التي انطلقت منه الدعوة المحمدية، وهي الحرص على تطبيقها في الميدان وترجمتها في السلوك الفردي والجماعي والالتفاف حولها والاحتراز من الزيغ والانحراف حتى يحقق ما تدعو إليه الآية الكريمة (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا) ([3]).
فالقرآن الكريم يحذرنا من هذه التفرقة التي تترصدنا في كل لحظة إذا لم تتمسك بحبل الله سبحانه، وليس معنى هذا أننا نخشى الاختلاف، فهو يعبر على حيوية المجتمع وحركيته ويدعو إلى التفكير في قضاياها المتعددة وتقديم الحل النافع لترقية الأُمة الإسلامية والتغلب على عقباتها بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله وجعلها الميزان الصادق لمعرفة الحق واتباع أهله فلنقتف إذن أثر السلف الصالح، لقد كانوا يتمثلون أخلاق النبي (صلى الله عليه وسلم) في العبادات وتأسون به في الأفعال تطبيقاً لما جاء في القرآن الكريم: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ([4])، فهذا أمر بالتمسك بسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعبادة الله وحده وإن نعبد الله كما شرع على الوجه الذي شرع.
فلا مغالاة ولا تفريط ولا مزايدة، نحكم ديننا في عقولنا ونخضع ألسنتنا إلى ما تمليه عقولنا: (فالعقل مع النص يعد أداة للفهم معزولة عن التصرف ومع المجملات ميزان للترجيح يدخل في حسابه المصلحة والضرورة والزمان والمكان والحال ويميز بين الخير والشر، وبين خير الخيرين وشر الشرين. لذلك غلب صواب الصحابة على خطأهم في الفهم وفي الاجتهاد) ([5]). كما يقول الإمام محمّد البشير الإبراهيمي.
إن هذا المؤتمر العلمي الهام هنا في طهران حلقة جديدة في سلسلة الجهود المضنية المتواصلة التي تبذل لبناء جسور التقارب والتفاهم بين العلماء والفقهاء وأهل الرأي والفكر، وإقناع المتباعدين بأن الخلاف الفقهي في الفروع لا يمكن أن يكون سبباً للتفرق في الدين، ولا يؤدي إلى التنافر وإثارة الخصومات والأحقاد والعصبيات.
وفي هذا الطريق انعقد بالجزائر في شهر محرّم الماضي مؤتمر التفاهم بين المذاهب الإسلامية، وأشرف على رعاية افتتاحه السيد عبدالعزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية، وعكف المشاركون فيه على دراسة الوسائل التي تحقق هذا التفاهم المنشود، وأقروا توصيات هامة في الموضوع سيجد مؤتمركم فيها ما يعزز نتائجه، وقبل ذلك انعقدت في الجزائر مؤتمرات وملتقيات فكرية إسلامية دولية (ابتداء من شوال 1388/ديسمبر 1968) أعدادها بلغت حوالي ثلاثين مؤتمراً وملتقى، وكلها انصبت على معالجة هموم المسلمين في دينهم وأخلاقهم، ودعت إلى التعاون فيما يقع عليه الاتفاق، ويعذر بعضنا بعضاً فيما فيه الاختلاف…
فالمذاهب الإسلامية لا تختلف في أُصول الدين، بل كلها تتفق على وحدانية الله وعلى أن محمداً رسول الله، وعلى كل ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، فلا يختلف الشيعي عن السني في الأخذ بما شاء في كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وهذا من أعظم نعم الله على المسلمين لأنهـم لا يختلفـون في كتـاب الله، ولا يختلفون في سنة رسول الله، لكن ملفات الثقافة الإسلامية وما فيها من فكر وفقه وعلم ماتزال تنتظر التجديد وتبحث عن المعاصرة في بنائها الفكري ومنهجها العملي.
إن التطور السريع يهز العالم من مختلف جوانبه، ولا يمكن العلماء والفقهاء أن يبقوا جامدين يجترون ما انتجه السابقون، وإنما يتعين عليهم ان يجددوا عقولهم ويجددوا مناهج تربيتهم وتعليمهم، ويجتهدوا من أجل أن تكون لهم القدرة على مجابهة أعباء الحياة، وتجديد شبابها وإثراء حضارتها، ولابد لهم أن يستعملوا عقولهم، لأنه متى تعطل العقل عن الحركة توقف القلب عن النبض، وخيم القحط والجمود عليها، وتراجع التطور إلى الوراء، واضطربت القيم، وضاعت مقاييس الوعي والإدراك وحرمت الجماعات الإنسانية من نور الهداية الفكرية وإشعاع الإيمان العقلي.
وإذا كان التطور السريع في الحياة المتجددة يفرض على علماء الإسلام ان يسايروه بالاجتهاد فإن ذلك لا يعني أنهم يمكنهم أن يشرعوا في كل شيء ويبدلوا كل شيء، وإنما يقومون بذلك في الحدود التي حددها الكتاب والسنة، لأن الإسلام حدد الأحكام وأصول التشريعات، ولم يترك الناس يشرعون لأنفسهم في كل شيء، ولم يقيّدهم بتشريع معين في كل شيء…
ولكن بين أحكام قضايا لا تستقل العقول بإدراك الخير فيها، ولا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، وفوض إلى أصحاب المصلحة والاجتهاد ما ليس كذلك من القضايا …
الخلاصة:
ويستخلص مما سبق أنه يتعين وضع خطة عملية الغرض منها اتخاذ اجراءات دقيقة تكفل لنا النجاح فيما نتفق عليه في هذا المؤتمر المبارك عملاً بما جاء في الآية الكريمة: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)([6])، فلا نكتفي بالقول ونهمل النزول إلى الميدان ويمكن تقسيم هذه الخطة إلى واجهتين أساسيتين هما:
ـ وجهة تتعلق بالعالم الإسلامي.
ـ وجهة تتعلق بالعالم الغربي.
نلخصها باختصار شديد فيما يأتي:
أولاً: لابد من تنسيق الأعمال والأنشطة بيننا وتجنب الاختلافات وذلك بتنظيم ندوات دورية ندرس فيها موضوعاً محدداً، وبإصدار مجلات ونشر مقالات وكتب تعبر عن أفكارنا ونستعين في ذلك بالوسائل السمعية البصرية، ولاسيما التلفزة والانترنيت قصد توعية الأُمة على وجه العموم والشباب على وجه الخصوص. أما ما يتعلق بالخارج فيجب علينا التصدي للحملات المغرضة التي حاولت تشويه الإسلام والإساءة إليه والرد عليها بأدلة دقيقة وبأسلوب حضاري بعيد عن التهريج والجدل والشتم.
وهكذا تسمح لنا هذه الخطة بتوضيح المفاهيم وتصحيح الأخطاء، وتفتح لنا الحوار الثقافي والعلمي بين التيارات الفكرية المختلفة، وتجلب لنا الرأي العام في الداخل والخارج بعون الله تعالى وتوفيقه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
([1]). المائدة : 2.
([2]). عبدالحميد ابن باديس: (حياته وآثاره)، دار ومكتبة الشركة الجزائرية، الجزائر 1311 هـ / 1971 م. ج 3 ص 217.
([3]). الشورى: 13.
([4]). الحشر: 7.
([5]). محمّد البشير الإبراهيمي: (آثار الآمام محمّد البشير الإبراهيمي).
([6]). التوبة: 105.
ارسال نظر