الاجتهاد الجماعي ومجامع الفقه الإسلامي نموذج مجمع الفقه الإسلامي في السودان
الدكتور عبدالرحيم علي محمّد إبراهيم
رئيس لجنة شؤون المجتمع والثقافة بمجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل
الفقه هو فهم المسائل وتحريرها أولا ثم توجيهها وبيان موقعها من التشريع من حيث الجواز أو المنع أو الاستحسان أو الكراهة أو سواها.
وقد كان فقهاؤنا وعلماؤنا الأوائل، يشترطون في الفقيه المجتهد شرائط لاتكاد في زماننا تتوفر لأحد، فقد تشعبت العلوم وتفرعت وتباعدت سواحلها وتعددت مواردها، فلو أراد طالب علم أن يلم إلماما كاملا بما يستجد في فرع من فروع اللغات أو مذهب من مذاهب التربية وعلم النفس لتعذر عليه، فضلا عن فروع الطب أو الأحياء والنبات وكثيرة من ذلك ربما لزم الفقيه في حال الإجابة على بعض المسائل التي يستلزم فهمها وتحريرها إلماما بهذه العلوم أو بمبادئها العامة على الحد الأدني.
لقد كان البحث في قضية من قضايا الطهارة، يستدعي بين يدي الفقيه عدة مسائل تتعلق بعلم وظائف الأعضاء أو الفسيولوجيا؛ ليدرك ما هو معتاد وما هو غير معتاد وماهو مرضي وماهو عرضي، ليكون ذلك فرقانا له في بيان السلوك الواجب اتباعه في كل حالة من الحالات المختلفة.
ولاشك أن المجتهدين من علمائنا كان أحدهم إذا عرضت له مسألة ورأى أن النظر فيها لا تكتمل أدواته إلا المام بمسائل أخرى عديدة، انصرف ليتعلم تلك المسائل العلمية في مصادرها أولا، ثم يورد على المبحث الفقهي كل شاردة من مسائل العلوم الأخرى المساعدة تناولها بعد ذلك من جميع جوانبها.
وقد ساعد الفقهاء الأوائل على ذلك المنهج الموسوعي أمران:
أولهما: تفرغ كامل للعلم وصبر عليه وزهد في كمالات الحياة، أعانهم على صرف الأوقات في البحث والنظر دون التفات إلى مشاغل اكتساب الرزق والتوسع في مطالبه.
ثانيهما: ان أنواع العلوم كانت محدودة ومعدودة بحيث يطمع المجتهد أن يلم بكثير منها، إذا امتد به عمر ولم تكن المستجدات العلمية قد تسارعت وتكاثرت على النحو الذي نراه في هذا العصر.
لايزال أهل الاختصاص المعاصرون في قلق مستمر وإشفاق أن يكون قد صدر في المنشورات بحث مما يتصل باختصاصهم، يفوت عليهم الإلمام به. ولاتزال المؤتمرات العالمية تجمع المختصين لتبادل المعلومات والمناظرة في المسائل المستجدة ليطمئن الواحد منهم إلى من تكامل المعارف وضم الجهود والموازنة بين الآراء وحتى يخرج الاجتهاد الفقهي ثمرة نظر شامل من جميع الوجوه وترجيح بين المتعادلات من المصالح والمفاسد.
وأصل اجتهاد الجماعي في الإجماع؛ وهو مصدر من مصادر الفقه الإسلامي معروف ويقوم على الشورى بين الفقهاء. ولكن الإجماع قد يشترط فيه إجماع أهل العلم، أما الاجتهاد الجماعي فينعقد بالأكثرية وتحقيقا لفكرة الاجتهاد الجماعي فقد نشأت في زماننا هذا مجامع للفقه الإسلامي في كثير من بلاد الإسلام وماهي إلا منابر يجتمع فيها أهل الفقه والاجتهاد ليورد بعضهم على بعض وليضم فيها الرأي إلى الرأي والقول إلى القول. ثم يكون من ذلك اجتهاد جماعي تكون حجيته أقوى من حجية قول الفرد. فهو بمثابة الإجماع وإن كان إجماعا لايلزم، لأن اجتهاد العلماء الأفذاذ تبقى حجيته ووزنه ولا يحجر على جمهور المسلمين أن يأخذوا بقول عالم مجتهد وإن خالف قوله اجتهاد المجمع أو المجامع، ففي ذلك توسيع على المسلمين. وأكثر المجامع تصدر عن تقريب وتوفيق بين الآراء المتعددة. وقد يخالف بعض أعضائها الرأي الذي يصار إليه ولكن العبرة بغلبة الآراء وبما يكون عليه أكثر أهل المجمع.
وقل أن تنظر هذه المجامع الفقهية في الأمور التي سبق البحث فيها وتتلمذ فيها المحدثون على الفقهاء السابقين بل أكثر نظر المجامع في النوازل من القضايا التي أحدثت بسبب التطورات التقنية والعلمية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
فمن هذه القضايا المعاصرة، مشكلة الاجهاض وهي قضية قديمة ولكن الجديد فيها شيوع الظاهرة واضطرار بعض الناس إليها وتنوع وسائلها.
وكذلك مشكلة استزراع الاجنة واستئجار الأرحام ومثل هذه القضايا التي يصدق عليها قول بعض الأولين (يحدث للناس من الأقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور) إن هذه القضايا وأمثالها لا يصلح لها إلا اجتهاد جماعي، يلتقي فيه رأي الفقيه العالم بالمقاصد الحافظ للنصوص، المتمرس في استنباط الأحكام، مع رأي المختص الذي يعين الفقيه في فهم المسألة وفي تحديد وتحرير الموضوع.
فإذا اخذنا مسألة الإجهاض مثلا فإنها تشتمل على مسائل عديدة منها مايدخل في تفسير النصوص وأدواته واللغة والتراكيب ومعارضة النصوص بعضها مع بعض. ومنها مايدخل في علوم الحياة كتحديد الزمن الذي تنفخ فيه الروح وهل نفخ الروح هو بداية الحياة أم أن الحياة سابقة لنفخ الروح؛ ومتى تبدأ حرمة النفس المحرمة بالآية (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) ([1]).
هل النطفة والعلقة داخلة في هذا، أم أن حرمة هذه النفس تبدأ بعد أن ينشأ خلقا آخر (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) ([2])، وفي كل هذه المسائل الفرعية يكون علم الأجنة هاديا للفقيه بما يقدمه من جواب على هذه المسائل. وإذا قيل إن الإجهاض جائز إذا خيف على حياة الأم، فمتى يكون الخوف على حياة الأم متحققا ومتى يكون مظنونا؟ وأي تلك احوال يجوز معه الإجهاض وأيها يمنع فيه؟
هذه مسألة أوردناها على سبيل المثال لبيان التداخل بين العلوم وكون عالم الاجنة في هذه القضية محتاج إليه مثل الحاجة إلى عالم النصوص وفقيه اللغة.
ومثل هذه المسألة، موضوع الهندسة الوراثية. فهو موضوع يصعب تصوره ابتداء من دون شرح المختصين به وبيانهم لفوائده ومضاره ومخاطره. وقد يلزم لفهمه والحكم فيه تشاور كثيف مع مختصين في علوم النبات والأحياء والحيوان، إذ أن الهندسة الوراثية امتدت تطبيقاتها إلى جميع الميادين.
وليس هذا مقام التوسع في هذه القضية أو غيرها وإنما سيقت مثالا للقضايا المعاصرة التي هي ثمرة للمخترعات العلمية المعاصرة والتي أوجبت بطبيعتها المركبة، أن يكون النظر فيه بتشاور وحوار بين أهل الاختصاص الفقهي والاختصاص الفني.
ولذلك فقد كان تكوين المجامع الفقهية في كثير من البلدان مؤلفا من اختصاصات مختلفة متباينة.
وقد رأيت أن أقدم بين يدي مؤتمركم نبذة عن مجمع الفقه الإسلامي في السودان من حيث تكوينه واختصاصاته والمسائل التي عرضت عليه وأردت بذلك عرض نموذج من النماذج التطبيقية للاجتهاد الجماعي المعاصر.
مجمع الفقه الإسلامي في السودان
الإنشاء:
نشأ مجمع الفقه الإسلامي في السودان بقانون أجازه المجلس الوطني في عام 1998م وأصبح بذلك وريثا لمجلس الإفتاء الشرعي الذي كان قائما بهذه الوظيفة في اطار محدود. ولكنه كان أيضاً نمطا من الفتوى الجماعية الصادرة عن مجلس لا عن شخص واحد كما هو الحال في نظام المفتي الذي تعمل به كثير من البلدان وكان معمولا به في السودان.
وقد نص قانونه على أنه هيئة مستقلة لها شخصية اعتبارية([3]). وقد عين رئيس هذا المجمع من بين علماء السودان البارزين، وهو بالإضافة إلى رئاسة المجمع يشغل منصب المستشار لرئيس الجمهورية في شؤون التأصيل. وأفاد الجمع بين الوظيفتين
في إيجاد علاقة عضوية بين المجمع، كهيئة مستقلة وبين رأس الدولة الذي يحتاج إلى فتوى العلماء واجتهادهم في كثير من الشؤون المستجدة من قضايا الدولة والحكم. وقد يطلب رئيس الدولة رأي المجمع أو يبادر المجمع بالنصح وإبداء الرأي.
التكوين:
شكل المجمع من اربعين عضوا جلهم من كبار الفقهاء وعلماء الأُصول واللغة وضم في عضويته بعض الأطباء وعلماء الطبيعة والفلك وأستاذ في علم الحيوان وآخر في الهندسة وبعض المختصين في علم الاقتصاد وعلم النفس وقانونيين.
وقد روعي في تكوين المجلس تنوع الاختصاصات العلمية مع كون هؤلاء الفنيين لهم إلمام حسن بالعلوم الإسلامية وإن لم يبلغوا درجة التخصص فأكثرهم يحفظ القرآن عن ظهر قلب ويحفظ الحديث ويلم بمسائل الفقه الإسلامي إلماما جيداً.
واجتماع هؤلاء مع الفقهاء المتخصصين في علوم الشريعة أضاف حيوية لاجتماعات المجمع وولد كثيرا من التساؤلات والإيضاحات. ومن المفيد أن أبين أن المجمع لم ينقسم فيه الرأي أبدا بين أهل الفقه وأهل العلوم. فيكونوا فريقين متباينين، بل تختلف الآراء عادة على أساس الاجتهاد الفقهي وعلى أساس فردي أكثر الأحيان.
ومما يعين على الجمع بين أصحاب المشارب المتباينة في المجمع أن رئيس المجمع وهو الشيخ البروفيسور أحمد علي الإمام ممن يجمعون بين طريقة المشايخ ومنهجهم المعروف وبين التأصيل المعاصر على طريقة الجامعات الأوروبية، فهو شيخ وابن شيخ تلقى التعليم على والده وكان من أهل الفتوى المتقدمين، ثم تخرج في جامعة إسلامية. ولكنه التحق بعد ذلك بجامعة بريطانية وتخرج بشهادة الدكتوراه. فالمجمع الفقهي بعضويته ورئاسته جمع بين المنهجين المؤثرين في حياتنا المعاصرة ومجتمعاتنا أشد التأثير الأصيل والمعاصر.
أهداف المجمع واختصاصاته([4]).
نص قانون المجمع على أن يعمل المجمع على تنفيذ أهدافه بكل الوسائل المتاحة المناسبة وحدد اختصاصاته التي نورد منها:
1- اعتماد الأسس والوسائل الموضوعية والعلمية لإصدار الفتاوى والتوجيهات والتوصيات.
2- إجراء البحوث والدراسات في المسائل المعروضة لبيان الحكم الشرعي فيها.
3- تشجيع البحث العلمي في النوازل والتعاون مع جهات الاختصاص في الجامعات والمراكز العلمية والمجامع الفقهية في الداخل والخارج.
4- التنسيق مع أجهزة الرقابة الشرعية والمؤسسات والهيئات المالية للتعاون معها في مجالات البحث وتوحيد الفتوى.
5- التوجه الأمثل لجهات الاختصاص بالخيارات الفقهية والمبادرة بتقديم المقترحات التي يراها مناسبة لأجهزة الدولة.
6- المساهمة في تأصيل القوانين بالتنسيق مع الجهات المختصة.
7- يصدر المجمع الفتاوى والتوجيهات والتوصيات في أي من المسائل شريطة أن لا تكون:
أ- معروضة أمام المحاكم المختصة.
ب – فصلت فيها المحاكم.
دوائر المجمع واختصاصاتها
يتكون مجمع الفقه الإسلامي من خمس دوائر هي:
1- دائرة الأُصول والمناهج.
2- دائرة شؤون المجتمع والثقافة.
3- دائرة الشؤون الاقتصادية.
4- دائرة الشؤون الدستورية والقانونية.
5- دائرة العلوم الطبيعية والتطبيقية.
اختصاص الدوائر
1- تختص دائرة الأُصول والمناهج بالآتي:
أ- تبحث الأُصول الكلية التي تنطلق منها الأُمة لتحقيق مقاصدها.
ب – البحث في أُصول السياسات وأصول الأحكام.
ج – أُصول المناهج التربوية والإعلامية والاقتصادية والسياسية... الخ، وذلك تجلية للمنطلقات والمقاصد في كل شأن من شؤون الفرد والدولة والمجتمع.
2- تختص دائرة الشؤون الدستورية والقانونية بالآتي:
أ- مسائل الأقضية القانونية المختلفة.
ب – علاقات الدولة مع غيرها من الدول والمنظمات الدولية.
ج – الإفتاء في مسائل العبادات والأحوال الشخصية للمسلمين.
3- تختص دائرة الشؤون الاقتصادية بالآتي:
أ- دراسة المسائل المتعلقة بإدارة الاقتصاد على هدى الشريعة الإسلامية.
ب – شؤون المعاملات المالية الإسلامية والحقوق الدولية.
ج – شؤون المصارف والشركات والعلاقات الاقتصادية الدولية.
د – كل المسائل والأقضية والموضوعات المالية.
4- تختص دائرة شؤون المجتمع والثقافة بالآتي:
أ- دراسة تنظيم المجتمع على هدى الشريعة الإسلامية.
ب – توجيه حركات الجماعات والسكان والعشائر والقبائل وشؤون الأسرة والمرأة ورعاية الطفولة.
ج – تأصيل الشأن الثقافي وما ينشأ من متغيرات وأقضية متحددة في هذا المجال ويدخل في ذلك التفاعل الثقافي والإعلامي مع غير المسلمين.
5- تختص دائرة العلوم الطبيعية والتطبيقية بالآتي:
أ- الفقهيات التي تنشأ من تنزيل العلوم على الواقع وآثار الثقافات المعاصرة على سلوك الناس.
ب – فقهيات التداوي والتدبير الحضري والسكني وفقهيات التغذية واللباس إلى آخر ذلك.
ج – تقويم الكشوف العلمية والحث على توظيف نتائجها لخدمة الإنسان وتسخير قوى الطبيعة واستنباط طاقاتها وترشيد استخداماتها لتحقيق مقاصد الشرع.
د – تأصيل العلوم الكونية الأساسية وتبرئتها مما خالطها من رؤى إلحادية زائفة وفلسفات مادية بائدة.
هـ – بحث التراث الإسلامي في مجال العلوم الكونية وإبراز إسهامات العلماء المسلمين وتطويرها.
ما قبل المجمع سبق قيام المجمع نوع من الاجتهاد الجماعي تمثل في مجلس الإفتاء الشرعي وبلغت الموضوعات التي اصدر فيها فتوى أو ناقشها مائة وخمس وستين في مسائل جدولة الديون لحكومة السودان والفوائد المترتبة عليها وحكم التأمين التجاري ومسائل التلقيح الصناعي وزكاة المرتبات والأجور وزكاة الشركات المملوكة لحكومات أخرى ومسألة إنشاء مباني للزكاة من مصارفها... الخ([5]).
بعد قيام المجمع
نماذج من المسائل التي عرضت على المجمع([6]).
تعددت الموضوعات التي ناقشها المجمع معروضة عليه من الجمهور أو ابتدارا من بعض أعضائه. ولقد تنوعت القضايا فمنها ماكان في الأمور المصرفية أي فقه المعاملات ومنها ما تعلق بالأهلة ومنها فتوى حول الفياجرا (عقار مشهور) ومنها مبلغ الدية المقررة في القتل الخطأ ومنها مسألة حول المسجد الأقصى والعمليات الاستشهادية... ومنها شرعية الذبح في المسالخ الحديثة.
وقد رأى المجمع أن يكون لجنة مختصة للنظر في فتاوى الأحوال الشخصية لكثرة المسائل المعروضة من الجمهور ولكون الفتوى فيها ميسورة على أهل الاختصاص من العاملين في مجال القضاء الشرعي. وقد عرض على هذه اللجنة حوالي 1520 استفتاء أكثرها يدور حول الطلاق والزواج والنسب التبني([7]).
وحول المجمع كثيرا من المسائل إلى الدوائر المختصة لتدرسها وتفتي فيها مباشرة.
وفيما يلي بعض الفتاوى التي عرضت على اجتماع المجمع وأفتى فيها:
في شأن إثبات الأهلة
دار حوار طويل بين الأعضاء حول الأخذ بحساب الفلك في إثبات الرؤية وقد اعترض بعض أعضاء المجمع بأن حساب الفلك ليس قطعيا. واستدل بالاختلافات التي تقع بين الفلكيين وذهب إلى أن الرؤية المذكورة في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) هي التي يجب أن تعتمد. لكن أكثر الاعضاء ومنهم المختصون في الدراسات الفلكية والطبيعية، أكدوا أن حساب الفلك مضبوط ضبط الساعة التي يحسب بها الشروق والغروب وأن نسبة الخطأ في الحساب قد لا تعدوا ثانية في ملايين السنين.
وقد قرر المجمع مايلي:
1- بما أن المطلوب شرعا هو إثبات بداية الشهر ونهايته. فقد اقر أن الأخذ بالحساب الفلكي ضروري لتقدير إمكان الرؤية أو عدمها.
2- مع أن الأخذ بالحساب ضروري إلا أنه لا يغني عن تحري الرؤية سواء كان ذلك بالعين المجردة أو من خلال آلة بصرية مساعدة للنظر.
3- في حالة عدم إمكان الرؤية وفق الحساب الفلكي فلا يدعى المسلمون لتحريها وينبغي على اللجان المعينة بإعلان ثبوت الرؤية إلا تجتمع ابتداء لاستقبال أي شهادة أو أخبار عنها.
4- إذا اعلنت دولة ثبوت الرؤية بشهادة والحساب ينفي إمكان الرؤية في تلك الليلة لاستحالته فلكيا، فإن ذلك الإعلان مردود وتلك الشهادة لا تعتمد.
5- إذا كانت الرؤية ممكنة وفق الحساب، كان إثباتها ممكنا بشهادة عدلين اثنين أو بشهادة عدل واحد رجلا كان أو امرأة.
6- الخبر المعلن عن رؤية الهلال يؤخذ به مثلما يؤخذ بالشهادة إذا كان مصدر الخبر جهة مسؤولة في دولة اسلامية وكانت الرؤية ليلتئذ ممكنة بالحساب.
7- إذا ثبتت الرؤية المتفقة مع الحساب في أي بلد، فإنه يجب الأخذ بها في كل البلدان التي يجمع بينهما ليل واحد من حيث أن المسلمين أمة واحدة وأن نقل خبر الرؤية ميسور في هذا العصر لحظيا.
في شأن العمليات الاستشهادية
ناقش المجمع، مسألة العمليات الاسشهادية ودار حوار حول المسائل التي تشتمل عليها القضية؛ ومنها قتل من لا يقاتل من الصبيان والنساء ومنها أن يقدم المرء على قتل نفسه لينكي عدو الإسلام وقد أصدر المجمع فتواه في هذه المسألة على النحو التالي:
الحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على رسول الله الأمين إمام المتقين وقائد المجاهدين وبعد:
ففي اجتماع رؤساء ومقرري دوائر المجمع الذي انعقد في مساء يوم الثلاثاء (15 صفر 1422هـ 8/5/2001م) بمقر المجمع بالخرطوم، صدرت الفتوى الخاصة بحكم العمليات الفدائية والاستشهادية ونصها مايلي:
(الأصل أن كل مايفعله المجاهد بقصد إغاظة العدو والنيل منه من الإحسان المستحب وأن كل مايرهب أعداء الله ورسوله والمسلمين مطلوب.
فمن كان قاصدا لاثخان في العدو والنيل منه، واغاظته، وإرهابه، مبتغيا وجه الله تعالى ومرضاته، فهجم على عدو كثير أو القى بنفسه فيهم ولو غلب على ظنه أو تيقن أنه مقتول أو ميت، فهذا جهاد وعمل استشهادي مشروع قام عليه الدليل الشرعي وفهمه الصحابة والسلف رضي الله عنهم وعملوا به. وفيه تتحقق مصالح عظيمة له وللأمة منها:
1- أنه طلب للشهادة.
2- أنه يجرئ المسلمين على العدو ويحرضهم.
3- أنه فيه النكاية بالعدو.
4- أنه يضعف نفوس الأعداء فيروا أن هذا صنيع واحد منهم، فكيف جميعهم!
والله ولي المتقين وناصر المجاهدين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين).
في شأن الميقات المكاني لأهل السودان
أفتى المجمع بجواز الإحرام من جدة للحاج أو المعتمر من السودان والواصل إلى جدة جوا أو بحرا بشرط عدم تجاوز جدة من غير إحرام إذا كان قاصدا مكة.
مسألة توليد النقود أو خلق الائتمان
دار حوار حول المصطلح واستحسن بعض العلماء تسميته بتوليد النقود لأن المصارف تنشئ وسائل دفع مالية دون رصيد من النقود الحقيقية للعملة لديها.
وقد قدمت ورقة للمجمع من أحد علماء الاقتصاد يرى فيها عدم جواز هذا الأسلوب من أساليب التعامل المصرفي.
وقد أورد عليه علماء آخرون بعض الملاحظات وأجيب عليه ببحث مناظر ودار نقاش طويل حول المسألة من حيث المصالح والمفاسد ومن حيث الضرورات العملية.
الخلاصة
1- إن نظام الاجتهاد الجماعي، ضرورة من ضرورات العصر بسبب التخصص الدقيق وبسبب أنواع القضايا المركبة التي يستلزم النظر فيها، إلماما بكافة وجوه المسألة.
2- إن مؤسسات المجامع الفقهية هي وجه من وجوه الاجتهاد الجماعي ملائم لزماننا وفيها كثير من الفقه الحي المتطور.
3- المجمع الفقهي في السودان خطوة متقدمة في إتجاه الاجتهاد الجماعي وربط الاجتهاد بعمل مؤسسات الدولة الإسلامية وبقراراتها لتكون منضبطة بالفقه الإسلامي.
4- التنسيق بين المجامع الفقهية المنتشرة يقوي عملها ويزيدها حيوية ويعين على التقريب بين مذاهب المسلمين واجتهادات علمائهم.
الهوامش:
([1]).سورة الأنعام / 151.
([2]).سورة المؤمنون / 14.
([3]).انظر قانون مجمع الفقه الإسلامي.
([4]).قانون مجمع الفقه الإسلامي لسنة 1998م، الفصل الثاني، المادة 5.
([5]).خليفة البكر الحسن، الاجتهاد الجماعي في السودان، مجلة الفقه الإسلامي، العدد الأول 1422هـ/2001م، ص 41.
([6]).مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مختارات من قرارات المجمع، ص 309 – 324.
([7]).المرجع السابق.
ارسال نظر