الإسلام لا يفصل بين الدين والدنيا والدولة
يعقوب إسمي
أمام اعظم منطقة A2 في الفيليبين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
فخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية
أصحاب المعالي الوزراء
أصحاب السمو الأمراء
معالي رئيس المؤتمر الدولي الحادي عشر للوحدة الإسلامية
أصحاب السماحة العلماء
حضرات الضيوف الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما اجمل الترحيب بكم، وهنيئا لكم أيها الاخوة المجاهدون. أكررها مثنى
ـ(492)ـ
وثلاث. مرحبا بهذا الجمع الكريم الذي يضم نخبة من العاملين في سبيل الله في مختلف إرجاء المعمورة. من استراليا إلى أميركا ومن الشرق الأوسط إلى أفريقيا. انهم كما قال تعالى : ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾... الآية.
أيها الاخوة الكرام. إن العلاقة بين الدين والدنيا والدولة كعلاقة بين الجسد والعقل والروح. تعتمد على التوحيد والإيمان بجميع أركانه وترتكز على قيم سماوية عالية. تهدف إلى استخلاف الإنسان في الأرض وتنظيم مهمة الحياة الإنسانية التي حددها القرآن الكريم في الآية المباركة : قال الله تعالى في سورة آل عمران آية 110 ـ ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾. يجب على الإنسان أن يخرج من الجزئية والى الشمول ومن الوقتية إلى الاستمرار ومن الارتجال والتخبط والى التخطيط والتنظيم.
إن الإسلام في حقيقته يختلف اختلافاً بعيداً عن النصرانية في ثوبها الكنيسية الكهنوتي كان من الواجب بيان حقيقته كما إنزاله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا في الصورة المشرهة التي يحاول البعض إلصاقها به. خاصة وانه الدين الذي ارتضاه الله عز وجل للبشرية جمعاء. ولا يقبل منها غيره.
قال الله تعالى : في سورة المائدة آية 3 ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ الآية.
وقال تعالى سورة آل عمران آية 58 ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الآية.
ـ(493)ـ
الإسلام لا يفصل بين الدين والدنيا والدولة
مفهوم الدين في الإسلام :
هو النظام العام والقانون الشامل لأمور الحياة كلها ومناهج السلوك للإنسان التي أوحى بها الله عز وجل إلى نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأسره بتبليغها إلى الناس كافة مع ما يترتب على التعبير بها أو عدمه من ثواب وعقاب.
وعلى هذا كان الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة فالعقيدة هي التصور الكامل الموحد لأمر الكون. والحياة الذي يعرف به العبد رباً واحدا للعالمين فيتخذه إلها يجعل حياته وقفا على طاعته وعبادته قال الله تعالى في سورة الذاريات آية 56 ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الآية.
كما تتعبد لـه سائر العوالم ويوقن العابد حق المرجع إلى ربه فيهيء دنياه بحيث يلقاه في الآخرة مرضيا ومسعوداً.
اما الشريعة ومنهج الحياة. فهما طريق العابد الذي يسلكه إلى ربه لا يرتد عنه ولا يخالف إلى طريق غيره وما ذلك إلا لكون الشريعة هي المنهج العملي الذي يصدق العقيدة ويحقق معنى العبادة. لأن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ولكن وما وقر في القلب وصدق العمل.
لذا جاءت شريعة الإسلام شاملة لجميع شؤون الحياة وسلوك الإنسان محققة ما ينفعهم في حياتهم ويحفظهم من الفساد والفوضى في دنياهم... ومن هنا كان لا يمكن لمسلم عرف دينه ان يقول : ان هذا المجال لي ان أنظم أموري فيه كما أشاء وعلى هواي بمعزل عن شريعة الله تبارك وتعالى. لأن أيما جانب يتولى به المرء عن شريعة الله تعالى هو نقض لمقتضى التوحيد. ولأن الدين لايتم إلا
ـ(494)ـ
بالاعتصام الكامل بشريعة الله والاحتكام إليها بينهم في كل شيء.
قال الله تعالى في سورة النور آية 51.
﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الآية.
وكل تعطيل لأحكام الشريعة أو احترام منها نكث لعهد الإيمان وفسق عن الدين.
قال الله تعالى في سورة البقرة آية 85.
﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾.
قال الله تعالى في سورة المائدة آية 46 :
﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ﴾..الآية.
والتزيد عليها كاحترامها والانتقاص منها وتعطيلها.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.. رواه البخاري.
ومهما حاد المرء عن شريعة الله، أو عن جانب منها فهو إنّما يتبع الهوى ويضع من ثم في الضلال والظلم.
قال الله تعالى في سورة القصص آية 50.
﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾...الآية.
لذا لا يمكن لمسلم مادام الأمر هكذا ان ينظم أموره بمعزل عن شريعة الله
ـ(595)ـ
تبارك وتعالى. لأنه يعلم ان الإسلام يحكمه وينظم حياته من البداية حتى النهاية.
ومن يافوخه إلى أخمص قدميه بدليل ان المرء لو استقرأ آيات الكتاب الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لوقف منها على بيان شافٍ وافٍ لكل شأن في الحياة سواء ما كان يخص الفرد في خاصة أمره وعلاقاته مع خالقه. وما يعم الجماعة مما يتصل بالسياسة والاقتصاد والاجتماع وتنظيم العلاقات مع سائر البشر...
فالدين الذي ارتضاه الله عز وجل للبشرية لم ينزله للعقيدة أو العبادة فقط ولا بيانا للآداب والفضائل فحسب ولا بيانا لشرائع والأنظمة فقط. ولكنه يشمل ذلك كله.
انظروا إلى قول الله تعالى في سورة الأنعام 151 ـ 153 :
﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ _ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ _ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
جمع الله عز وجل سوراً تتعلق بعقيدة الفرد، محرم عليه الشرك بالله عز وجل وأموراً تعلق بسلوكه الأخلاقي، فأرمه بالإحسان إلى الوالدين وتجنب قتل أولاده، وتجنب اقتراف الفواحش خفيها وظاهرها. وأمورا تتعلق بمعاملاته مع الآخرين. فأمره بعدم مساس مال اليتيم إلا بما يعود عليه بالنفع حتى يبلغ أشده.
ـ(496)ـ
وبالوفاء في الكيل والميزان. وبالقضاء بالعدل والتمسك به. وبالوفاء بالعهود والالتزام بها.
فهذه الآية الكريمة لم تقف بالدين عند حد العقيدة في الإله ولا عند حد الوصايا الأخلاقية الفردية بل تجاوز من هذين الجانبين إلى جانب المعاملات في دائرة الأموال والتبادل التجاري. وفي دائرة القضاء. وفي دائرة الوفاء بالعهود والالتزام بها.
فالأمة اذن فوق انها تحدد العقيدة والوصايا الخلقية الفردية تقرر مبدأ التعامل. مبدأ القضاء ومبدأ الدولة نفسها وصلتها بالأفراد فالدولة عهد بين الأفراد بعضهم مع البعض. ووجوب الوفاء من بين البعض نحو البعض الآخر.
وفي قولـه تعالى في سورة الشورى 36 ـ 39.
﴿فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ _ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ _ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ _ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾. الآية.
اخصت هذه الآيات صفات المؤمنين. وبيّن الأوصاف على قاعدة ومن الإيمان المؤكد بصفة الواقع القطع للذين آمنوا «ثم ترادفت الأوصاف تحكي حال التوكل الناتج عن إيمان المؤمنين ونظام علاقاتهم انهم لاتستخفهم دواعي الشهوة والهوى والغضب. لأنهم بإيمانهم يتقون الله ويخافون من حساب في يوم تشخص فيه الأبصار حيث لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.
وتمضي الأوصاف. بعد ان قررت مقتضيات العقيدة المباشرة، لتشهد
ـ(497)ـ
للمؤمنين بأنهم يستجيبون لأمر الله ويطيعون شريعته، ورأس الطاعات هي الصلاة. يتلوها الانفاق لئلا تتكدس الثورة ويذهب بها بعض المؤمنين دون أخوانهم. ثم الشورى لئلا تتركز السلطة ويستبد بها الولاة دون الرعية، أو الأقوياء دون الضعفاء. وتعطف بعد ذلك الآيات وما يليها على موقف الجماعة المؤمنة من سائر الجماعات. فتجعله موقف سلم وقوة. لا يتعدى المؤمنون ينتصرون إذا بغى عليهم عاد أو يؤثرون العفو الجميل.
فهذه آيات قلائل تضمنت ذكرا من عقيدة الإيمان وشعابها العملية ومن معاني الطاعة والعبادة لله ومن مبادئ الحكم والاقتصاد والسياسة الخارجية. من هنا اذن كانت شريعة الإسلام شاملة ومنظمة لمختلف جوانب الحياة. حياة الأفراد والجماعات سواء منها ما كان يتعلق بالعقائد أو العبادات. أو ماكان مرتبطا بالأخلاق أو المعاملات.
ويمكن لنا ان نلاحظ ان المعاملات في شريعة الإسلام تشمل ما يمكن ان يطلق عليها بالاصطلاحات الحديثة:
1 ـ قانون الأحوال الشخصية الذي يشمل الأحكام المتعلقة بالأسرة وتنظيمها كالنكاح والطلاق والإرث والنفقة والوصية.
2 ـ القانون المدني الذي يشمل الأحكام المتعلقة بالمعاملات المالية بين الأفراد كالبيع والإجارة والرهن والكفالة.
3 ـ قانون المرافعات الذي يشمل الأحكام المتعلقة بالقضاء والدعوة وأصول الحكم والشهادة واليمين والبينات.
4 ـ القانون الدولي الخاص الذي يشمل الأحكام المتعلقة بمعاملات الأجانب غير المسلمين عند دخولهم أرض الدولة الإسلامية والحقوق التي
ـ(498)ـ
يتمتعون بها والواجبات التي يلتزمون بها.
5 ـ القانون الدولي العام الذي يشمل الأحكام المتعلقة بتنظيم علاقات الدولة الإسلامية بالدول الأخرى في السلم والحرب.
6 ـ القانون الدستوري الذي يشمل الأحكام المتعلقة بنظام الحكم وقواعده.
وكيفية اختيار رئيس الدولة وشكل الحكومة وعلاقة الأفراد بها. وحقوقهم إزاءها.
7 ـ قانون المرافعات الجزائية ويشمل الأحكام المتعلقة بتحديد علاقة الفرد بالدولة من جهة الأفعال المنهى عنها الجرائم وعقوبة كل جريمة والإجراءات التي تتبع في تحقيق الجرائم وإنزال العقوبات بالمجرمين.
8 ـ القانون المالي بمختلف فروعه أو ما يمكن تسميته بالنظام المالي ويشمل الأحكام التي تتعلق بموارد الدولة المالية ومصارفها. وتنظيم العلاقات بين الأفراد والدولة في هذا المجال. وبين الأغنياء والفقراء.
وهكذا نستطيع القول بأن تشريع الإسلام تشريع شامل فهو لا يشرع للفرد دون الأسرة. ولا للأسرة دون المجتمع. ولا للمجتمع منعزلا عن غيره من المجتمعات.
ويبدو شمول التشريع الإسلامي أيضاً في بعد آخر وهو النفاذ إلى أعماق المشكلات المختلفة. وما يؤثر فيها وما يتأثر بها. والنظر إليها نظرة محيطة مستوعبة. مبنية على معرفة النفس الإنسانية. وحقيقة دوافعها وتطلعاتها وإشراقها ومعرفة الحياة البشرية وتنوع احتياجاتها وتقلباتها، وربط التشريع بالقيم الدينية والأخلاقية بحيث يكون التشريع في خدمتها وحمايتها ولا يكون معولاً لهدمها.
ان عيب البشر الذي هو من لوازم ذواتهم المحدودة انهم ينظرون إلى الأمور والأشياء من جانب واحد. غافلين عن جانب أو أكثر من جوانبها الأخرى
ـ(499)ـ
والحقيقية انهم لا ذنب لهم في هذا القصور ولا حيلة. لان النظرة المحيطة الشاملة التي تستوعب الشيء من جميع جوانبه. وتعرف كل احتياجاته وتدرك كل احتمالاته وتوقعاته لا يقدر عليها الارب البشر وخالق الكون.
قال الله تعالى في سورة الملك آية 14.
﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾
لذا وجدنا ان الإسلام أقام شؤون الدنيا كلها على أساس من الدين. واتخذ من الدين سنداً للدولة ووسيلة لضبط شؤون الحكم وتوجيه الحكام والمحكومين. لذلك جاءت مخاطبته للإنسان كله بعقله وروحه. مخاطبته الذات الإنسانية بكل مقدماتها وخصائصها. يخاطب العقل كما يخاطب الضمير والوجدان. ولا يقصر خطابه على ناحية معيّنة.
قال الله تعالى في سورة سبأ آية 46.
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾...الآية.
وما دام الأمر هكذا كان لابد ان تتعرضه بشيء من التفصيل للجانب المتعلق ببحثنا إلا وهو جانب الدولة ـ السياسة ـ لنر كيف إنها ركن أساس في نظام الإسلام لابد انه لإقامة شرع الله تعالى. وتنفيذه والسهر على أحكامه.
فلقد كون للمسلمين وحده سياسية. وألف منهم دولة واحدة كان هو رئيسها وإمامها الأعظم، وكان لـه وظيفتان.
1 ـ التبليغ عن الله عز وجل. وقد انتهى هذا بوفاته عليه الصلاة والسلام وانقطاع الوحي.
2 ـ القيام على أسرته وتنفيذ شرعه وتوجيه سياسة الدولة في حدود الإسلام. وهذه مهمة الخلفاء من بعده ولذا عرف هؤلاء الخلافة بقولهم :
ـ(500)ـ
1 ـ رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
2 ـ الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا.
3 ـ هي خلافة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة.
في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا. والخليفة يمثل الذي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يتميز عن سائر المسلمين إلا من حيث كونه منفذاً للأحكام وحارساً للدين.
فإذا لم يكن بالناس حاجة للتبليغ بعد وفاته عليه الصلاة والسلام لوجود القرآن والسنة. فانهم في أشد الحاجة إلى من يقوم على القرآن والسنة. ويسوسهم في حدود الإسلام بعد ان كون الرسول منهم وحدة سياسة واسعة لهم رئاسة الدولة وإمامة المسلمين. بل ان التأسي بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإتباع سنته يقتضي من المسلمين جميعا ان يقيموا دولة على رأسها من يخلف محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في إقامة الدين وتوجيه سياسة الدولة توجيها إسلاميا خالصا.
ارسال نظر