رسالة رئیس اتحاد العلماء الشیعة فی أوروبا إلى شیخ الأزهر
فيما يلي نص الرسالة :
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أرسل إليكم وافر التحية، بالأصالة عن نفسي، وبالنيابة عن اتحاد علماء الشيعة في أنحاء أوروبا، وأسأل الله سبحانه وتعالى لكم المزيد من السلامة والعزة ولسائر العلماء الكبار في هذه الجامعة العظيمة العامرة بالخير والعلم.
كان مقرراً قبل مدّة أن أتواصل مع شخصكم الجليل بشكل مباشر، وأن أعرض عليكم بعض الموضوعات والمسائل المهمة، إلى أن ساهمت الأحداث الأخيرة و الموضوعات المستجدة في تسريع هذه الفرصة للتواصل معكم.
ونأمل بعون الله أن يكون التواصل المستمر بين الأزهر الشريف وسائر العلماء المسلمين في أوروبا عاملاً على إعلاء كلمة الله جلّت أسماؤه.
الموضوع الأول الذي أود التحدث معكم بشأنه، يتعلق بتزايد وتيرة الإهانة لعلماء الإسلام والتعرض البدني لهم، الأمر الذي أثار في أذهان الأوروبيين على وجه الخصوص قضية الخوف من الإسلام.
المثال البارز لهذا الأمر في الوقت الراهن، الإهانة التي يمارسها نظام آل خليفة الحاكم في البحرين بحق آية الله الشيخ عيسى قاسم أحمد قاسم، وهو ما فاجأ المسلمين في أوروبا وكان له بالغ الأثر في نفوسهم. نحن نرى بأنّ السماح بحدوث مثل هذا التجاوز وأمثاله يمثّل جانباً من القضايا والمصائب الكبرى التي يواجهها العالم الإسلامي والتي لا يمكن و لا يجوز غض الطرف عنها، وليس ببعيد ما حدث في المملكة العربية السعودية في حق آية الله الشيخ النمر بشكل يماثل ما كان يُمارَس في القرون الوسطى؛ لأن ذلك بمثابة دق على ناقوس الخطر، حيث لا ينبغي للعالم السكوت حياله، لما يمثله من خطورة شديدة على التعايش المشترك وعلى وحدة وسلامة المجتمع المسلم.
أنتم على علم بأنّ آية الله الشيخ عيسى قاسم من الشخصيات الأصيلة النسب في البحرين، بل إنّ عراقة نسبه أقدم من نسب النظام الحاكم، وفي الواقع يصعب تصور مثل هذه القسوة المفرطة في حقه، حتى إنّ الأمين العام لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وفي الأيام الأولى للأزمة في البحرين، أعلن أنّ "الإجراءات التي تتخذها حكومة البحرين لا مبرر لها بحسب القوانين الدولية"، كما أدانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ما تقوم به الحكومة البحرينية.
إنّ حكومة البحرين التي سجلت رقماً قياسياً في سلب الجنسية من مواطنيها، قامت هذه المرة، ولأجل تبرير سلب الجنسية من الشيخ عيسى قاسم وحرمانه من العيش في أرضه ووطنه الأم، بتوجيه اتهامات إليه غير مسبوقة في نوعها وتشكّل خطراً على سلامة العالم الإسلامي. إنّ اتهام آية الله الشيخ عيسى قاسم بالعمالة للأجانب لعلاقته بمراجع الدين في العراق وإيران ولبنان، لهي إهانة كبرى إلى ساحة المرجعية الدينية قبل أن تكون مجرد اتهام للشيخ عيسى. إنّ نظام الوكالة الشرعية لمراجع التقليد آلية معروفة ومتبعة بين المسلمين الشيعة عبر التاريخ وهو غير منحصر داخل بلد بعينه، والشيخ عيسى قاسم ليس أول ولا آخر وكيل لمراجع الدين. فهل إنّ ارتباط المسلمين في أوروبا بالأزهر الشريف في مصر وبشخصكم الكريم وبممثليكم ووكلائكم، يجعل منهم عملاء لجهات أجنبية؟
جناب الشيخ الجليل، إن مقام علماء الإسلام في الأمة مُبيّن بشكل تام وواضح وفقاً للثقافة الأصيلة للقرآن الكريم، والذين يتابعون التحولات الحاصلة في البحرين، يعلمون أنّ آية الله الشيخ عيسى قاسم لم يكن أبداً من الساعين لإشعال نار الفُرقة و الفتنة الطائفية، بل إنّه وخلال السنوات الأخيرة كان له دور كبير في الدعوة إلى بقاء المعارضة الشعبية داخل إطار السلمية عبر شعار "سلمية، سلمية"، وأكّد على عدم تفشي نار المذهبية وعمل على استقرار وحفظ الأمن للشعب البحريني المظلوم.
إنّني وباسم أشقائكم في اتحاد علماء الشيعة في أوروبا، واستناداً إلى هدي القرآن الكريم والسنّة القطعية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أجل إحقاق حق هذا العالم المسلم ودفاعاً عن المظلوم، أدعوكم لإدانة الإجراءات المخالفة للدين الإسلامي من قتل ونفي وحصار لعلماء الإسلام وخصوصاً الإجراءات الأخيرة لنظام آل خليفة، وأن يكون موقفكم تجلّياً للوحدة الراسخة لعلماء الإسلام وهو ما يليق بمقام الأزهر الشريف وما ننتظره منكم.
الموضوع الثاني في هذه الرسالة، يتعلق بما تترقبه أوروبا من علماء الإسلام في مواجهة التيارات المتطرفة التي تهدد أمن أوروبا اليوم بنحو جدّي، وعملت وسائل الإعلام المضللة من خلال إلقاء الرعب في نفوس البسطاء على جعل المسلمين عنواناً للخطر أو مشكوكاً في خطورتهم.
جناب الشيخ الجليل، على الرغم من أنّ أغلب ضحايا الإرهاب والتطرف سقطوا في المجتمعات الإسلامية وكانوا مسلمين، أما حين يتعلق الأمر بأمن المجتمعات الأوروبية، يكون لذلك معنى و مفهوماً له دويّ أشد بين الأوروبيين. ونحن اليوم نشهد تحولات واضحة وذات دلالة في فكر الأوروبيين وردود أفعالهم بإزاء ما يزيد عن خمسين مليون مسلماً يعيشون في أوروبا، وهو ما يشكّل إسقاطاً لعزة و كرامة المسلم.
إنّ العالم اليوم ينظر إلى خطر التيار التكفيري كخطر عالمي، ولا ينبغي حصره و التعامل معه ومع أفراده كجماعة تنتسب إلى الإسلام، ولذلك لا يمكن مواجهة هؤلاء وفق المعايير العادية والفردية والتعامل معهم تحت عنون "المسلم الفاسق". إن الفكر المتطرف لا يجوز بأي وجه التعامل معه كجهة تنتسب إلى الإسلام، كما أنّ الحكم بحق هؤلاء التكفيريين لا يشبه بأي وجه حكم المسلم المرتكب للمعصية، بل التعامل معهم على أساس أنهم ينتمون لتنظيم إرهابي وإجرامي سافك للدماء يشوّه الوجه النوراني لدين الله ويسئ إلى صورة رسول الله صلى الله عليه وآله في أذهان العالم. ولا يجوز أن تكون نظرتنا إلى هذا الموضوع و تعاملنا معه كتعاملنا مع جرم عادي محدود الأبعاد.
من هنا، فإنّه و على الرغم من أن الإرهابيين ينطقون بالشهادة بحسب الظاهر، لكن تنظيمهم يُعدّ كياناً حقوقياً، والعالم اليوم في مواجهة مع تنظيم لا يحمل رائحة الإسلام، بل و لا حتى رائحة الإنسانية. ونحن نعلن وبكل صراحة أنّ هؤلاء لا ينتسبون إلى الإسلام ولا إلى تعاليم القرآن وسيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله؛ حيث أنّ أفعالهم وفي حال كانت عن قصد ووعي، فإنّها تمثل إنكاراً لفكر رسول الله صلى عليه وآله ولسيرته وأهدافه ونهجه، واعتبارهم مسلمين هو إجحاف في حق جميع المقدسات. لا شك أنّه في الوقت الذي تُصرّ فيه داعش وبشكل غامض على انتسابها للإسلام، فإنّ الحكم الصريح في هذا الباب يبعث على اتضاح الأمر وارتفاع سوء الظن بالإسلام والمسلمين من جانب الأوروبيين المرتابين، كما يقلل ذلك من انجذاب الشباب المسلمين من ذوي النوايا الطيبة والقلوب الصافية إلى الانضمام لتنظيم داعش.
جناب الشيخ الجليل، إن المجتمع الإسلامي اليوم وجميع المسلمين في كافة أرجاء المعمورة بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى التعاطف والانسجام، والأزهر الشريف والعلماء الصادقون بإمكانهم لعب دور بارز وبنّاء في هذا الاتجاه. ونحن في هذا الصدد نعلن عن استعدادنا الكامل لجميع أشكال التعاون لتحقيق الوحدة بين جميع المسلمين.
وتقبّلوا فائق الاحترام
ألمانیا ـ هامبورغ
الدکتور الشیخ رضا رمضاني
رئيس اتحاد العلماء الشيعة فی أوروبا