المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية

المشروع التقريبي للشهيد الشقاقي

المشروع التقريبي للشهيد الشقاقي

رجل نهضة

بسبب انتماء فتحي إلى فلسطين، ومولده في مخيم للاجئين فإنه لا شك قد ولد وهو يحمل الهمّ الفلسطيني، لكنه نظر إلى مأساة فلسطين منذ ريعان شبابه بنظرة شمولية، فاعتبرها جزءًا من مأساة العالم العربي والإسلامي، لذلك استجاب في البداية لصوت العزّة في خطاب الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، فقد مال وهو في الخامسة عشرة من عمره إلى الفكر الناصري([2])، لكنه لم يلبث أن تحوّل إلى مشروع الاستنهاض الإسلامي. وما إن انطلقت الثورة الإسلامية في إيران حتى وجد فيها ما يحقق أمانيه في النهوض الشعبي الإسلامي. من هذا التوجّه الفكري يتضح أنه كان يبحث عن مشروع نهضة للأمة الإسلامية، دون أن يتحدّد بقضية من قضايا أمته، مهما كانت قوة ارتباط هذه القضية بشخصيته مثل القضية الفلسطينية، بل ودون أن يتحدّد بقومية من قوميات هذه الأمة، رغم انتمائه العميق بعروبته. ومن الطبيعي أن يتجاوز مثل هذا الرجل الحضاري الأطر الطائفية، فراح منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران يناضل ضدّ كلّ ما أريد أن يُفرض على هذه الثورة من تطويق طائفي كما سنرى.

حياته الشعورية والخاصة توضّح الجانب الإنساني الذي يتدفّق بالحيوية والنشاط، فقد أحبّ الشعر وأنشد شيئًا منه، وكان في كتاباته وخطبه أديبًا بارعًا، ذا أسلوب موسيقي أخّاذ.

كما كان تحركه المستمر الشجاع بين أقطار العالم الإسلامي يوضّح أن الرجل كان يشعر بثقل مسؤوليته، ويسعى لأدائها بكل اندفاع، وكان تحركه الأخير أن سافر إلى ليبيا حاملاً جواز سفر ليبيًا باسم <إبراهيم الشاويش> لمناقشة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين على الحدود الليبية المصرية مع الرئيس القذافي، وفي طريق عودته إلى دمشق مرّ بمالطا باعتبارها محطة اضطرارية للسفر إلى سوريا، وهناك أطلق عليه عناصر الموساد خمس رصاصات ليخرّ أبو إبراهيم ساجدًا مضرجًا بدمه في 11-6-1416هـ/ 26 -10-1995م. ونقل جثمانه إلى دمشق حيث شيّع إلى مثواه الأخير.
 
الجهاد الإسلامي

ظاهرة <الجهاد الإسلامي> يجب أن نقف عندها ونحن نستعرض مسيرة التقريب بسبب مالها من ثقل في ميزان هذه المسيرة. إذ هي وقفت من الثورة الإسلامية في إيران موقفًا أحبط كثيرًا من محاولات الفصل بين الثورة وأهل السنّة، بل كان لها الدور الكبير في منع حواجز اللقاء الإيراني الفلسطيني على ساحة القضية الفلسطينية، وأهمّ من كل ذلك فإن هذه الحركة كانت حركة إحياء للأمة قبل أن تكون حركة تحرير فلسطيني. ولنقرأ فقرات من كتاب الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية عن حركة الجهاد الإسلامي: ([3])

«حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين هي إحدى حركات الإحياء الإسلامي بما تحمله من خصائص الحركات الاجتماعية التغييرية التي تسعى إلى الإنتاج الذاتي لمجتمعاتها على مثال جديد وقوى وسلطات جديدة.

الخصوصية الوطنية والكفاحية لحركة الجهاد داخل الواقع الفلسطيني والصراع العربي الإسرائيلي لم يشغلها عن أن تتقاطع فكريًا وسياسيًا مع تجارب الحركات الإسلامية الأخرى، بل قدمت رؤيتها لدور الإسلام اليوم كمشروع تجديدي داخل المشروع الإسلامي المعاصر.

كان تأسيس الجهاد الإسلامي في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات <أول محاولة حديثة لإعادة الوحدة بين الديني والسياسي والوطني على الساحة الفلسطينية منذ أن غابت تلك الوحدة عام 1948، وأول تنظيم خارج إطار الوطنية الفلسطينية يضع مقاومة الاحتلال على رأس أهدافه> وأما المؤثرات والعوامل المحيطة سواء في الساحة الإقليمية أو الفلسطينية التي سارعت في تبلور حركة الجهاد الإسلامي وإنضاج معالم إيديولوجيتها الكفاحية وهويتها الوطنية، فهي:

ـ فشل الاستراتيجيات المختلفة في تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي (قومية عربية ـ وطنية فلسطينية ـ مبادرات دولية).

ـ انبعاث حركات الإحياء الديني في العالم العربي ـ الإسلامي والتي أكدت الطابع الشمولي للإسلام ومركزيته في حياة الشعوب الإسلامية، وشكلت الثورة الإسلامية في إيران 1399هـ/ 1979 وما رافقها من أحداث مصدر إلهام ومحفز لانتشار نمط الإسلام الكفاحي في أرجاء العالم العربي والإسلامي بما فيها فلسطين.

ـ الموقف السلبي الذي اتخذته حركة الإخوان المسلمين من قضية الكفاح المسلح ضد إسرائيل.

ـ استمرار الاحتلال الإسرائيلي الذي ألهب إحساس السكان الفلسطينيين بالمرارة والثورة مغذيًا عبر ممارساته مناخًا من الراديكالية الإسلامية في أوساط الجيل الجديد.

كان الحوار الفكري والسياسي في السبعينات في أوساط بعض الشباب الفلسطيني أثناء دراسته الجامعية في مصر يتحول إلى مناخ سياسي انبثقت عنه نواة تنظيمية تأسيسية قادها الدكتور فتحي إبراهيم الشقاقي الذي كان قد دخل مصر طالبًا في العام 1394هـ/1974م واستمر فيها حتى العام1401هـ/ 1981م.

وانبثق أول تنظيم عرف بتنظيم <الطلائع الإسلامية>. وعرّف بنفسه ورسالته باعتباره <قوة تجديد داخل الفكر الإسلامي وداخل الحركة الإسلامية على مستوى الفكرة والمنهج والتنظيم وعلى مستوى الأداء داخل فلسطين>.

قام تنظيم الطلائع آنذاك بنشاطات تربوية وسياسية وإعلامية عديدة، إذ أصدر نشرة داخلية بعنوان التغيير إضافة إلى بعض الكراسات الخاصة بقضايا الفكر والسياسة سواء المتعلقة بالخلاف مع الإخوان المسلمين أو شؤون القضية الفلسطينية، كما قام الشقاقي ورفاقه في جامعة الزقازيق بإصدار مجلة حائط بعنوان الفرسان ردًا على مجلة الشيوعيين التي سميت بـ الجياد.

وفي 1400هـ /16-12-1979 أصدر الشقاقي كتابه الأول الخميني الحل الإسلامي والبديل إثر انتصار الثورة الإسلامية في إيران تأييدًا لها ودعوة إلى التأسي بتجربتها، واعتقل إثر ذلك عدة أيام ثم أعيد اعتقاله في العام نفسه في سجن القلعة.

وتكشف التنظيم عن غلبة الأنشطة الفكرية والإعلامية، وشكّلت مجلة المختار الإسلامي المصرية (على مدار 27 شهرًا تولى رئاسة تحريرها بشكل سري الشهيد الشقاقي) المنبر الإعلامي لأفكار وأطروحات حركة الجهاد في كافة قضايا الفكر والسياسة والجهاد.

كذلك اهتمت حركة <الجهاد> آنذاك بنشر المجلات والنشرات السياسية والثقافية فحركت أجواء واسعة من الجدل السياسي والثقافي لم تشهده الساحة الفلسيطينية داخل الأراضي المحتلة، وأصبحت قضية فلسطين ومستقبلها وصراع الخيارات الإيديولوجية حولها مثار نقاش دائم. كذلك حرص التيار الجهادي على إصدار مجموعة من الكتيبات ضمن سلسلة دفاتر إسلامية وسلسلة نحو طلائع إسلامية واعية، وأعاد طبع كتب عدة لمفكرين إسلاميين مترافقًا هذا النشاط النشري والإعلامي بالندوات الدينية ودروس العلم والدعوة والتثقيف في المساجد والبيوت والجامعات.
<من خلال مستوى احتجاجي عال، ودافع قوي وحركية اجتماعية أفلح هؤلاء الشبان في احتلال مواقع مؤثرة في المجتمع الفلسطيني> فعمليًا كانت غالبيتهم من ذوي الدرجات العلمية في ميادين الطب والتكنولوجيا والعلوم الطبيعية والقانون والتربية والعلوم الإسلامية.

فكانت حركة الجهاد تخرج الجماهير إلى صلاة العيد في <العراء> في تظاهرة دينية سياسية لم تكن تخفي دلالتها على أحد، مما دفع سلطات الاحتلال لاحقًا إلى مداهمة مصلّى العيد ومنع الصلاة في العراء (خارج المساجد) بقوة السلاح. إضافة لحرص على الاحتفال بيوم القدس العالمي في آخر أسبوع من شهر رمضان، وفق إعلان الإمام الخميني، فكان يتم حشد الناس في مهرجانات واحتفالات في ساحات المسجد الأقصى الذي تؤمه عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني لإحياء ليلة القدر من كل عام.

منذ البداية كان الجهاد المسلح ضد الاحتلال الصهيوني هو المبرر الأساس لتشكل حركة الجهاد الإسلامي ونهوضها، وعلى أهمية الإسهامات الفكرية التي قدمتها الحركة والخط السياسي المختلف الذي تبنته، إلا أن الجهاد المسلح كان الرافعة الأهم لحركة <إسلامية فلسطينية نهضت لتشكل إضافة جديدة، ولتحل الإشكالية التي كانت قائمة بين وطنيين بلا إسلام، وإسلاميين بلا فلسطين> وتقوم من ثم بتطبيق شعارها الذي دعته بـ <الاستراتيجي> في رؤيتها للقضية الفلسطينية ومواجهة <الظاهرة الإسرائيلية> شعار <القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للحركة الإسلامية المعاصرة> لتجسده عملا عسكريًا ضد الاحتلال.

يذهب الشقاقي إلى أن تنظيم الخلايا المسلحة بدأ منذ صيف العام 1401هـ/1981م، وطوال الأعوام 1403، 1404، 1405هـ/1983، 1984، 1985م، وكان العمل المسلح يبدأ تدريجيًا وبطيئًا وفي سرية تامة ومراد الشقاقي هنا هو تنظيم خلايا مسلحة وتدريبها وجمع السلاح لها، هذه الخلايا التي لم تفلح التحقيقات أثناء اعتقالات <الطلائع الإسلامية> عام 1403هـ/1983م في كشفها.

في 1406هـ/الثامن من مارس/ آذار 1986م اعتقلت السلطات الإسرائيلية الدكتور الشقاقي وللمرة الثانية بتهمة علاقته بالمجموعة المسلحة التي كان قد مر أسبوعان على آخر عملية عسكرية نفذتها الحركة في ساحة فلسطين بميدان غزة في 6-4-1406هـ/ 8-12-1986م وتمثلت في هجوم بالقنابل على تجمع للجنود الصهاينة ردًا على استشهاد شاب فلسطيني (العكلوك) في نفس الساحة قبل يوم واحد.

وقد كشف اعتقال الشقاقي ورفاقه عن ثماني عمليات عسكرية نفذتها الحركة منذ  العام 1404هـ/ 1984 وكان آخرها عملية ساحة فلسطين وقد حكم على الشقاقي إثر هذه الأنشطة أربع سنوات بتهمة تهريب السلاح إلى القطاع والتحريض على العنف.

وأما ما كان يخشاه الاستراتيجيون الإسرائيليون من امتزاج الوطنية الفلسطينية بالبعد الديني، فقد كان واضح التحقق من خلال البيانات الأولى للجهاد الذي كان يعطي كل مقاومة درجة من الطاعة الدينية والقداسة الإسلامية معتبرين أن <كل كلمة أو حركة أو عمل مهما كان حجمه ونوعه، يمكن أن يغيظ العدو ويؤذيه فهو عبادة لابد من تأديتها>، كما حافظت الحركة في بياناتها الأولى على وسم تعليماتها بالفتاوى الدينية، فقد أوردوا النص السابق كفتوى شرعية، كما نسبوا فتوى لمن أسموهم بـ <العلماء المجاهدين> مفادها أنه <لا يجوز قطعًا تسديد الغرامات المالية لصالح خزينة الكفار، والتي تعود رصاصًا من جديد إلى صدورنا وقلوبنا>، مؤكدين أن إرادتهم النضالية تنبع من إرادة الله وأن الإسرائيليين بذلك يحاربون الله.

<على عكس <الجهاد> فإن الإخوان (المسلمين) لم يشاركوا في الانتفاضة خلال  أشهرها الأولى واستمروا في برنامجهم لتصحيح السلوك الاجتماعي للمسلمين بينما تشتعل الانتفاضة من حولهم، وفي أغسطس/ آب 1988، اتخذ الشيخ أحمد ياسين أكثر قادة الإخوان تأثيرًا وقوة قرارًا تاريخيًا وأعلن عن تأسيس «حماس> وتشير كثير من الدراسات إلى الأثر البارز لإيديولوجيا الجهاد الإسلامي وأعمالها العسكرية في قرار تأسيس حركة حماس>.

ذكرنا أن الشهيد فتحي الشقاقي تجاوز السدود القومية والطائفية وتحدّث عن الثورة الإسلامية في إيران بخطاب رسالي. وكان يركز على دور هذه الثورة والإمام الخميني(رض) في بعث الروح الجديدة والنظرة الجديدة والمشروع الجديد للقضية الفلسطينية وهذا نموذج من خطابه كتبه تحت عنوان:
 
الثورة الإسلامية في إيران والثورة الفلسطينية جدل مقدس

«الثورة الإسلامية في إيران أحد أبرز معالم وأحداث القرن العشرين الذي يكاد ينقضي والقضية الفلسطينية هي أهم وأخطر قضاياه خاصة في نصفه الثاني ولازالت.

الثورة الإسلامية في إيران غيرت وجه المنطقة وأثّرت عميقًا في العالم وتركيبته ومستقبله ، وأطلقت الصحوة الإسلامية التي لازالت حديث الدنيا ، تؤتي ثمارها كل يوم على امتداد الوطن الإسلامي جهادًا ونضالاً وانتصارات.

لقد أعاد انتصار الثورة الإسلامية للمسلم في كل مكان من العالم ثقته بعقيدته ودينه، فها هو الإسلام الذي انبعث قبل أربعة عشر قرنًا من الزمن ، لا يزال قادرًا على القيام والنهوض وتحريك الجماهير ومواجهة الطواغيت وإسقاطها وتحقيق الانتصار وبناء الدولة الإسلامية، كما حرر الانتصار الكبير قلوب وعقول المسلمين من رعب الدولة الكبرى ، ذلك السيف الذي استمر مسلطًا على رقابهم لعقود، فالدول الكبرى يمكن أن تنكسر ويمكن أن تتراجع إذا تحرّرنا من التبعية لها وتملّكنا الإرادة الحرة المؤمنة والفاعلة والنشطة.

«لقد جعل الإمام الخميني (رضي الله عنه) لحياة المسلمين معنى وأعطاهم الأمل بأن التغيير ليس ممكنًا وحسب بل وحتمي أيضًا، وهكذا انطلق مشروع الثورة الإسلامية على صدى نداءات وشعارات الإمام ليغطي مساحات واسعة من العالم وخاصة الوطن الإسلامي.

ولأسباب يمكن فهمها كان صدى الثورة الإسلامية في فلسطين من أوضح وأقوى الأصداء. في فلسطين يتواجد احتلال صهيوني استيطاني اقتلاعي يسعى لإبادة الشعب الفلسطيني بقتله ونفيه وطمس هويته، ويمارس لأجل ذلك أخطر وأبشع الوسائل ثقافيًا واجتماعيًا وأخلاقيًا وأمنيًا واقتصاديًا، ولقد ساهم ذلك إضافة إلى التخاذل العربي والتراخي الفلسطيني الرسمي في إشاعة أجواء الإحباط واليأس داخل فلسطين . فكان حجم الانتصار الإيراني ومعناه ودلالته كبيرًا بالنسبة للفلسطينيين. إذ أصبح واضحًا أمامهم أنه بالإمكان مواجهة المعادلة الدولية الظالمة، وأنه بإمكان الشعوب أن تهزم جيشًا حديثًا وقويًا إذا تحررت إرادتها من الخوف والتبعية وأخيرًا فإن قوة الإسلام لا تقاوم.

«وهكذا جدّد الإسلام قوة اندفاعه على امتداد فلسطين وتوارت شيئًا فشيئًا اليافطات العلمانية وبدأت تبرز الشعارات الإسلامية وتتعاظم التجمعات الإسلامية في المساجد والجامعات والنقابات والجمعيات.

«وكان للخصوصية التي أولتها الثورة الإسلامية إبان قيامها لفلسطين تأثير كبير في جذب انتباه الشباب الفلسطيني نحو طهران الثائرة وإبداء أعلى درجة من التعاطف مع الثورة الإسلامية. وإن شكلت تلك الأيام الذروة فلم تكن البداية.

مع بداية نهضة الإمام الخميني عام 1382هـ/ 1963م في إيران كانت فلسطين تأتي في قلب الخطاب الديني والسياسي للإمام. ورغم البعد الجغرافي إلا أنه تعامل معها كأنها قضية داخلية أو قضية حدودية. فطوال سنوات الصراع مع الشاه كان الإمام يربط بينه وبين «إسرائيل» وكأنهما شيئان متلاصقان ووجهان لعملة واحدة، كل واحد منهما يغطي الآخر ويمده بسبب من أسباب الحياة.

وعندما كان الشاه يشترط عدم مهاجمة «إسرائيل» كان الإمام يرد بسخرية عميقة: «لماذا وهل كانت أمه يهودية؟!». وفي منفاه 1383هـ/1964م كان يقول: «إن إسرائيل هي في حالة حرب مع الدول الإسلامية.. لقد حذرت من هذا الخطر مرارًا» ويضيف في مكان آخر «وأنا أعلن لجميع الدول الإسلامية وإلى كافة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بأن المسلمين الشيعة هم أعداء لإسرائيل وعملائها، وبريئون من الدول التي تعترف بإسرائيل».

«وعندما اشتعلت حرب حزيران (يونيو) عام 1967 بالعدوان الصهيوني على الدول العربية المجاورة وما تبقى من فلسطين بما في ذلك بيت المقدس، كان الإمام الخميني حاضرًا بمواقفه السياسية الشجاعة وفتواه الشرعية القوية التي أدانت الغزو ودعت إلى وحدة المسلمين وحرمت التعامل مع «إسرائيل» وحرضت على القتال. ومنذ ذلك التاريخ لم ينعدم اتصال الإمام بالثورة الفلسطينية، وتعتبر فتواه بجواز صرف الحقوق الشرعية لصالح العمل الفدائي المجاهد من المواقف البارزة في مسيرة الإمام تجاه الثورة والقضية الفلسطينية. ففي عام 1388هـ / 1968م توجه إلى الإمام الخميني فئة من الفدائيين الفلسطينيين ليسألوه: هل يجوز صرف الحقوق الشرعية من الزكاة وغيرها لتسليح أفرادها (أي المقاومة المسلحة ضد «إسرائيل» وإعدادهم لذلك)؟

وكان جواب الإمام كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
«سبق وأن نوّهت بما تكنّه «إسرائيل» الغاصبة من النوايا الخبيثة، كما حذرت المسلمين من هذا الخطر العظيم المحدق بهم وببلادهم، وأهبت بهم أن لا يفسحوا المجال أمام العدو كي يتمكن من تنفيذ مخططاته الإجرامية التوسعية، وأن يغتنموا الفرص ويتلافوا الأمر قبل أن يتسع الخرق على الراقع، هذا وبما أن الخطر يهدد كيان الإسلام فعلى الدولة الإسلامية خاصة وعلى المسلمين عامة أن يتكاتفوا لدفعه وأن يتذرعوا في سبيل استئصاله بشتى الوسائل الممكنة ، وأن لا يتقاعسوا عن إمداد ومعونة المهتمين بالأمر والمدافعين عن الإسلام ويجوز أن تصرف الحقوق الشرعية من الزكوات وسائر الصدقات في هذا السبيل الحيوي المهم، وأخيرًا نبتهل إلى الله العلي القدير أن ينبه المسلمين من سباتهم العميق ويدفع عنهم وعن بلادهم كيد الأعداء والمعتدين والسلام على من اتبع الهدى.
   روح الله الموسوي الخميني
   3 ربيع الثاني 1388 هـ


«وهكذا يتضح أن ما حدث عام 1399هـ/1979م .. عام انتصار الثورة الإسلامية في إيران من تلاحم روحي وفكري ونضالي وسياسي بين إيران المسلمة الثائرة وبين فلسطين كان يمتد عميقًا في الجذور.

«وفي ليلة الانتصار الكبير 25-3- 1400هـ/12-2-1979م كانت الجماهير المسلمة الثائرة في طهران تحوّل السفارة الإسرائيلية إلى سفارة فلسطين، في إشارة لم يسبق لها مثيل في أي عاصمة عربية أو غير عربية، واستقبل رئيس م.ت.ف وقادة الثورة الفلسطينية في طهران كما لم يُستقبلوا في أي مكان آخر من قبل، وبدت كل إيران (حتى خراسان على حد تعبير رئيس م.ت.ف) العمق الاستراتيجي للثورة الفلسطينية.

«وهكذا سنرى انعكاس الثورة الإسلامية على الواقع الفلسطيني يشمل مستويين مختلفين: الأول هو واقع الثورة الفلسطينية في الخارج وتوجهات قيادتها وارتباطاتها وعلاقاتها المحلية والإقليمية والدولية، هذا الواقع الذي بات مثقلاً بالفساد الإداري والبيروقراطي ، مثقلاً بالاحتراب الداخلي والاختراقات الأمنية، مثقلاً بحلم الدولة قبل أن تصلب الثورة على عودها، واقع الثورة المقدسة التي بات المدنس ينتشر في أنحاء منها كخلايا قاتلة.

«أما المستوى الثاني فهو الداخل الفلسطيني الشعبي شاملاً الأرض المحتلة منذ العام 1368هـ/1948م، إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. لقد عاش هذا الداخل الشعبي الإحباط والخيبة ولكنه لم يكن مثقلاً بأوزار الخارج وعلاقاته وارتباطاته أو تعقيداته، كان بريئًا وعفويًا يطوي القلب على أصالته وجذوره.

بقدر التفاوت في هذين المستويين كانت علاقة الثورة الإسلامية مع الخارج الفلسطيني الرسمي تدخل في سلسلة من الأزمات كان مظهرها الأساسي يتمحور حول إسلامية الثورة في إيران وضرورة ذلك في فلسطين أيضًا. ولأن الثورة الفلسطينية كانت قد أوغلت بعيدًا عن الإسلام كأيديولوجيا وأحكام شرعية ضابطة للمسار والسلوك السياسي، فقد أصبح من الصعب أن يقدم النهج الخميني غطاءًا لمسيرة تدخل في انعدام الوزن وتضرب في التيه دون أن تحاول التوقف لمعالجة الأخطاء.

وجاءت أعوام  1401-1402-1403هـ/81-82-1983م وهي أعوام الصمت عن الغزو العراقي للدولة الإسلامية الوليدة قبل الاصطفاف الفج والأحمق إلى جانب الغزو، وأعوام القبول بتلك المشاريع التي تدعو إلى الإقرار الضمني بشرعية الكيان الصهيوني، هذه المشاريع التي اعتبرها الإمام الخميني مخالفة للقرآن وخائن من يقبل بها.

 «وهكذا وبقدر ما كانت الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة رئيس م.ت.ف. تتعاطى أكثر مع المدنس وبقدر ما كانت تقترب أكثر من أعدائها المحليين والدوليين بقدر ما أصبحت تتعارض مع الثورة الإسلامية وتفترق عنها وتبتعد، ولكن هذا لم يكن النهاية بالطبع، فالصحوة الإسلامية التي أطلقتها الثورة الإسلامية كانت تنبت في فلسطين ثورة جديدة تتنامى شيئًا فشيئًا تطوي القلب على الإسلام، وتنطلق من المساجد والحارات الشعبية.

 «وعلى مدى الثمانينات كان صعود حركة الجهاد الإسلامي والجهاد المسلح في فلسطين، قبل أن تتفجر الانتفاضة الإسلامية المباركة في  1407هـ/تشرين أول (أكتوبر) 1987 كمعجزة إلهية في صحراء القحط العربي، وفي أجواء الخيبة العربية، كان الاحتلال الصهيوني بقمعه وبطشه، وكان التراكم النضالي الممتد لدى الشعب الفلسطيني المجاهد، وكانت خيبة الأمل في الواقع العربي الفلسطيني الرسمي. كل هذه الأسباب اجتمعت وتوقفت أمام عنصر التفجير الأساسي الذي سيطلق الشرارة ويحافظ على ديمومتها لأكثر من خمس سنوات: الإسلام المجاهد، تلك الروح التي أطلقتها الثورة الإسلامية لتنبت في فلسطين بعد هذه السنوات. ولتتضح معادلة الصراع ، الإسلام وحده هو النفي الكامل للمشروع الصهيوني، الإسلام وحده هو القادر على إدارة الصراع حتى النهاية دون أن يسقط في الطريق كما حدث للأطروحات العلمانية الأخرى. بدون الإسلام لن تكون لنا حقوق أو هوية أو وطن ولن نكون أكثر من جسر لبني إسرائيل إلى كافة العواصم.

«واليوم لازال خط الثورة الإسلامية في إيران حيًا متيقظًا رغم كل هذا الحصار ورغم كل المؤامرات. ولا زالت الانتفاضة المباركة حية قوية مستمرة، والعالم أجمع يشهد على جدل العلاقة القائمة، بين طهران والقدس ، والمستكبرون يحاولون فصم عرى هذه العلاقة، ومعهم أدواتهم في المنطقة وإعلامهم وأجهزتهم المختلفة. ونجاح هذه المؤامرة على أي مستوى من المستويات سيضرب في الصميم رسالة الثورة الإسلامية ودور الجمهورية الإسلامية. فالقدس هي درة أي مشروع إسلامي ثوري اليوم ، ولا رسالة لأي ثورة إسلامية أو حركة إسلامية أو قوة إسلامية بدونها.

«وإن محاولة هروب البعض من دور خارجي تاريخي بحجة البناء الداخلي ، بحجة بناء إيران قوية وحديثة أولاً ، إن هكذا محاولة لن تنجح لأن العلاقة بين الدور الرسالي العالمي للثورة الإسلامية ، وبين بناء إيران حديثة وقوية هي علاقة جدلية تبادلية ، وهذا يجب أن يكون واضحًا لأنصار كل دور على حده ، لا يريد الاستكبار لإيران بناء دولة حديثه ولا يريد لها أن تقوم بدور خارجي. فالوطن الإسلامي يجب أن يبقى تابعًا متخلفًا وبلا دور ، ولكن الدور الخارجي هو الذي سيعطي لإيران القوة كي تكون حرة وسيدة وحديثة، وإيران القوية والحديثة ستكون أقدر دائمًا على القيام بدورها الرسالي. الدور الذي ستكون الثورة والجمهورية الإسلامية قادرة على تحقيقه عبر:

«1- رفع شعار الوحدة الإسلامية والعمل المدروس والجاد لتحقيق ذلك على الأرض. فالتفتيت والتفسيخ والتجزئة هدف استعماري ثابت علينا مواجهته بتجاوز المسألة العرقية والقومية باتجاه أفق الإسلام الأرحب الجامع للأمة دونما صراع كلما كانت المسألة القومية لا تصطدم مع القناعات الإسلامية، وكذلك تجاوز المسألة المذهبية عبر اللقاء والحوار والتقارب والتقريب والتأكيد على الثوابت والأصول الجامعة.

2- تبني القضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة. إن الأبعاد القرآنية والتاريخية والواقعية كفيلة بتوحيد الأمة كل الأمة حول فلسطين ، وليس هناك من قضية أخرى بقادرة على القيام بهذا الدور كفلسطين الموجودة في قلب القرآن وعلى رأس حركة التاريخ مما يجعلها مركزًا للصراع الكوني بين تمام الحق وبين تمام الباطل، ومما يجعلها مركزًا للتفجير في المنطقة وفي كل الوطن الإسلامي ومما يجعلها مركزًا لنهضة الأمة ـ ففلسطين تبقى شاهدة على نهضتنا أو تخلفنا، استقلالنا أو تبعيتنا، عزتنا أو ذلنا.. بل على إسلامنا أو انحرافنا. ولن يستطيع الحكام أن يتخلّصوا منها كما يحاولون منذ سنوات لأنها ستبقى تطاردهم عبر شعوبهم المؤمنة تارة وعبر التحول الآخر للمسألة: الكيان الصهيوني الذي يمثل مع مسألة التجزئة ثنائية المشروع الاستعماري منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الآن.

«إن التأثير الكبير للثورة الإسلامية في إيران على الصحوة الإسلامية في فلسطين وانطلاق الانتفاضة المباركة واستمرارها بزخم إسلامي وبشعارات إسلامية يعطينا فرصة تاريخية يجب أن لا نفقدها.
«في هذه المرحلة فإن الوحدة وفلسطين يمثلان ثنائية المشروع الإسلامي الذي على الجمهورية الإسلامية أن تتبناه، مقابل التجزئة.. والكيان الصهيوني ثنائية المشروع الاستعماري>.

في حدود معرفتي بالشهيد الدكتور أبي إبراهيم فإنه لم يكن يحمل همًّا وحيرةً كالهم والحيرة والدهشة التي حملها تجاه الضجة الطائفية المفتعلة بوجه الثورة الإسلامية ودولة الإسلام في إيران، هذه الحالة تبدو بوضوح في مقاله الذي كتبه في هذا الشأن تحت عنوان: «الشيعة والسنة ضجّة مفتعلة». ولأهميته في محتواه وأهميته بسبب الظروف الصعبة التي عاناها كاتبه، وأهميته في الكشف عن تآمر طائفي لايزال مستمرًا تجاه كل انتصار إسلامي في أمتنا ننقل مقتطفات منه:
 
الشيعة والسنة ضجّة مفتعلة

هذا المقال يحمل جانبًا من الآلام التي حملها الشهيد السعيد فتحي الشقاقي تجاه ما تعاني أمته من ضعف وهوان. فهو يرى من جانب فرصة عظيمة توفّرت للأمة الإسلامية بانتصار الثورة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية في إيران، ويرى من جانب آخر موقف الفئات المخذولة والمهزومة والعميلة والجاهلة من هذه الفرصة، وما يثيره وعاظ السلاطين من ضجة طائفية لعزل هذه الظاهرة العظيمة عن العالم الإسلامي.

يقول في بداية المقال:

<منذ مطلع القرن التاسع عشر والوطن الإسلامي يواجه التحدي الغربي الحديث، التحدي الذي أفرزته الثورة الصناعية البرجوازية والحقد الصليبي القديم وكانت الحملة الفرنسية تشكل طلائعه الأولى. لقد أسقط هذا التحدي نظامنا السياسي المتمثل في الخلافة، واحتل أرضنا واستمر في غزونا أخلاقيًا وفكريًا طارحًا بدائله العلمانية الهزيلة. وقبل أكثر من ثلاثين عامًا حقق هذا التحدي أخطر مهماته حين أفرز الدولة العبرية في القلب من الوطن الإسلامي، وعلى الجانب الآخر أوصل عملاءه وتلامذته إلى السلطة التي اغتصبها.

«وتشكل هذا من خلال منظومة جدلية خبيثة. فتكريس التحدي لا يتم إلا بقيام إسرائيل، وقيام الأخيرة يستدعي إسقاط الخلافة، واستمرارها يستدعي أن تكون أنظمة الحكم في الوطن الإسلامي عميلة للاستعمار وتابعة له. فهي إفرازه الطبيعي والمنطقي، وهو وجه العملة الآخر عندما تكون إسرائيل وجه العملة الأول. هكذا بدت الأمور وحتى سنوات قليلة مضت، وكان التحدي الغربي يظن أنه يوجه ضرباته النهائية القاتلة للحضارة الإسلامية المنهارة! حين وجهت الثورة الإسلامية في إيران أول سهامها للغرب وحققت أول انتصار للإسلام في العصر الحديث. لقد عادت الحياة إلى هذا الجسد الذي ظنوه قد أصبح جثة هامدة وهاهو يستفيق من جديد. ينهض رائعًا وفتيًا. ومن أين؟ من حيث كان تأثيرهم الشيطاني أشد وأقوى وأشرس ما يكون.. لقد اكتشفنا ذاتنا وها نحن ننهض بعد قرنين من المهانة والذل وبعد قرون من التخلّف والجهل.

«هاهي الثورة الإسلامية تتقدم لترسي مفاهيم عدة منها:

1ـ أسقطت من أذهان الجميع ــ خاصة مسلمي ومستضعفي العالم ــ ذلك الرعب من الدول والقوى الكبرى.
2- قدمت نموذجًا ونمطًا حضاريًا جديدًا للبشرية بعد أن وضعت النمط الغربي في قفص الاتهام. يقول المفكر الفرنسي الشهير روجيه غارودي «لقد وضع الخميني نمط النمو في الغرب في قفص الاتهام» ثم يقول: «الخميني أعطى حياة الإيرانيين معنى».
3- أكدت على الدور التاريخي الذي سيلعبه الإسلام الثوري في حياة شعوب المنطقة بعد أكثر من قرن من محاولة إزاحة الإسلام عن السلطة والتأثير>.

ثم يردف الشهيد الشقاقي قائلاً:

<ولكن هل يترك الغرب وعملاؤه الثورة لتمضي في طريقها.. تتصدى له وتكسر شوكته؟

هل يسكتون عن الفرحة التي سكنت الأمة كأنها الغيث الذي  يصيب الأرض الجدباء بعد طول انتظار؟ وهل يسمحون لهذا الشوق الإسلامي الذي فجرته الثورة أن يأخذ مداه؟

«لقد هالتهم انتفاضة هذا الشعب المسلم وثورته المستحيلة، فحاولوا جاهدين أن يحولوا بين الإسلاميين الثوريين وبين وصولهم للسلطة، وعندما فشلوا تحركوا على عدة محاور مختلفة ومتشابكة.

1- بدأوا في إثارة الأقليات المختلفة مستغلين ما أسموه مرحلة الفوضى التي تمر بها الثورة.

2- دعم المجموعات الإيرانية المعارضة. سواء الشراذم الملكية والسافاكية أو بعض التنظيمات العلمانية التي حملت السلاح لمحاربة الثورة.

3- الحصار الاقتصادي والسياسي الذي تزعمته أمريكا وأوروبا الغربية وبرز بوضوح أثناء أزمة الجواسيس الرهائن.

4- شن الغزو الخارجي عن طريق استخدام صدام حسين والجيش العراقي المغلوب على أمره.

5- إثارة الفتنة بين جناحي الأمة المسلمة (السنة والشيعة) في محاولة أخيرة لمحاصرة المد الثوري ومنع تأثيره من الوصول إلى المناطق السنية سواء الغنية بالبترول أو تلك التي تواجه إسرائيل>.

ثم يتحدث الشقاقي بألم عميق عن موقف بعض ذوي القربي (الإسلاميين) الغافلين من الدولة الإسلامية في إيران فيقول:
<إن موقف بعض الإسلاميين المعادي للثورة يفرض على الأمة أن تقف منهم موقف الشك والريبة، من منطلقاتهم، من دوافعهم ومن أغراضهم.

بل إن موقفهم الغريب هذا يضع الحركة الإسلامية أمام مأزق خطير لم تتعرض له من قبل، لأن أعداء الثورة داخل صفوف الحركة الإسلامية يفقدون مبرر وجودهم، وليس أمام الحركة الحقيقية إلا أن تلفظهم إن عاجلاً أو آجلاً.

إن الذين يريدون أن يقتلوا النموذج الإيراني الفذ في داخل الشخصية المسلمة وفي هذا الوطن المحتل بالذات لن يقتلوا إلا أنفسهم، فهم يقفون أمام حركة التاريخ المتقدمة ويتصدون لثورة إسلامية يقودها إمام هو"فخر للإسلام والمسلمين" كما جاء في أحد بيانات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين>.

ثم يستعرض الشهيد السعيد مواقف المؤمنين الرساليين من  مسألة التقريب بين السنة والشيعة نختصرها فيما يلي:

<الإمام الشهيد حسن البنا... رائد الحركة الإسلامية المعاصرة واحد من الرواد الذين عاشوا فكرة التقريب بين الشيعة والسنة فكان من المساهمين في أعمال «جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية» التي ظن البعض أنها مستحيلة وظن البنا وثلة من رجال الإسلام ومشايخه العظام أنها ممكنة قريبة، واتفقوا أن يلتقي المسلمون جميعًا (سنيهم وشيعيهم) حول العقائد والأصول المتفق عليها وأن يعذر بعضهم بعضًا فيما وراء ذلك من أمور لا تكون شرطًا من شروط الإيمان ولا ركنا من أركان الدين ولا إنكارًا لما هو معلوم من الدين بالضرورة...

«وليس أمامنا معلومات دقيقة عن الدور الخاص الذي قام به الإمام الشهيد في هذا الشأن. ولكن أحد مفكري الإخوان المسلمين الأستاذ سالم البهنساوي ـ يقول في كتابه السنة المفترى عليها (ص 57) «منذ أن تكونت جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية والتي ساهم فيها الإمام البنا والإمام القمي والتعاون قائم بين الإخوان المسلمين والشيعة، وقد أدى ذلك إلى زيارة الإمام نواب صفوي 1373هـ/سنة 1954م للقاهرة>.

ثم يقول في نفس الصفحة أيضًا:

<ولا غرو في ذلك فمناهج الجماعتين تؤدي إلى هذا التعاون>، كما أنه من المعروف أن الإمام البنا قد قابل المرجع الشيعي آية الله الكاشاني أثناء الحج عام  1367هـ/ 1948م وحدث بينهما تفاهم يشير إليه أحد شخصيات الإخوان المسلمين المهمة اليوم وأحد تلامذة الإمام الشهيد وهو الأستاذ عبد المتعال الجبري الذي ينقل في كتاب لماذا اغتيل حسن البنا ـ الطبعة الأولى دار الاعتصام ص 32 ينقل عن روبير جاكسون قوله «ولو طال عمر هذا الرجل (يقصد حسن البنا) لكان يمكن أن يتحقق الكثير لهذا البلاد خاصة لو اتفق حسن البنا وآية الله الكاشاني الزعيم الإيراني على أن يزيلا الخلاف بين الشيعة والسنة، وقد التقى الرجلان في الحجاز عام 1367هـ/ 48 ويبدو أنها تفاهما ووصلا إلى نقطة رئيسية لولا أن عوجل حسن البنا بالاغتيال» ويعلق الأستاذ الجبري قائلا «لقد صدق روبير وشمّ بحاسته السياسية جهد الإمام في التقريب بين المذاهب الإسلامية فما باله لو أدرك عن قرب دوره الضخم في هذا المجال.. مالا يتسع لذكره المقام»...

«ومن المعروف أن صفوف الإخوان المسلمين في العراق كانت تضم الكثير من الشيعة. وعندما زار نواب صفوي سوريا وقابل الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين هناك اشتكى إليه الأخير أن بعض شباب الشيعة ينضمون إلى الحركات العلمانية والقومية فصعد نواب أحد المنابر وقال أمام حشد من الشيعة والسنة: «من أراد أن يكون جعفريًا حقيقيًا فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين».

«ولكن من هو نواب صفوي؟ إنه زعيم منظمة «فدائيان إسلام» الإسلامية الشيعية. ينقل الأستاذ محمد علي الضناوي في كتابه كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث ص 150 نقلاً عن برنارد لويس قوله: «وبالرغم من مذهبهم الشيعي فإنهم يحملون فكرة عن الوحدة الإسلامية تماثل إلى حد كبير فكرة الإخوان المصريين ولقد كانت بينهما اتصالات».

وعندما يلخص الأستاذ الضناوي بعض مبادئ فدائيان إسلام يجد فيها

أولا: الإسلام نظام شامل للحياة.

ثانيًا: لا طائفية بين المسلمين أي بين السنة والشيعة».

ثم ينقل عن نواب قوله: «لنعمل متحدين للإسلام ولننس كل ما عدا جهادنا في سبيل عز الإسلام. ألم يأن للمسلمين أن يفهموا ويَدَعوا الانقسام إلى شيعة وسنة؟».

وفي كتاب الموسوعة الحركية ص 163 يتحدث الأستاذ فتحي يكن عن زيارة نواب صفوي للقاهرة والحماس الشديد الذي قابله به الإخوان المسلمون، ثم يتكلم عن صدور حكم الإعدام عليه من قبل الشاه قائلا: «كان لهذا الحكم الجائر صدى عنيف في البلاد الإسلامية وقد اهتزت الجماهير المسلمة التي تقدر بطولة نواب صفوي وجهاده وثارت على هذا الحكم وطيرت آلاف البرقيات من أنحاء العالم الإسلامي تستنكر الحكم على المجاهد المؤمن البطل الذي يعتبر القضاء عليه خسارة كبرى في العصر الحديث».

وهكذا يصبح مسلم شيعي في نظر الأستاذ فتحي يكن كأحد أعظم شهداء الإخوان، بل إنه يعتبر أن نوابًا وصحبه باستشهادهم «انضموا إلى قافلة الشهداء. الشهداء الخالدين الذين سيكون دمهم الزكي الشعلة التي تنير للأجيال القادمة طريق الحرية والفداء. وهذا الذي كان ، فما إن دار الزمان دورته حتى قامت الثورة الإسلامية في إيران ودكت عرش الطاغية (الشاه) الذي تشرد في الآفاق وصدق الله تعالى حيث يقول ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾.

«وفي كتابه الإسلام فكرة وحركة وانقلاب يقول الأستاد فتحي يكن بعد أن أعلنت إيران الشاه اعترافها بإسرائيل يقول ص56: «لا بدّ للعرب أن يتلمسوا في إيران نوابًا وإخوان نواب.. لكن الدول العربية لم تدرك هذا حتى الآن.. ولم تعلم بأن الحركة الإسلامية هي وحدها التي تدعم قضاياها خارج العالم العربي.. فهل لإيران اليوم من نواب..» إذن الأستاذ يكن ينتظر نوّابًا فلماذا ــ بالله ــ تورمت أنوفٌ واحمرّت أنوف عندما جاء نواب ومَنْ هو أعظم من نواب؟

«أما مجلة المسلمون التي كان يصدرها الإخوان المسلمون في العدد الأول المجلد الخامس ـ ابريل 1956 ص 73 فتقول تحت عنوان «مع نواب صفوي»: «والشهيد العزيز ــ نضَّر الله ذكره ــ وثيق الصلة بـ المسلمون وقد نزل ضيفًا في دارها في مصر في كانون الثاني سنة 1954».

ثم تنقل المجلة ص 76 رأي نواب في اعتقال الإخوان الذي يقول فيه: «إنه حين يضطهد الطغاة رجال الإسلام في كل مكان يتسامى المسلمون فوق الخلافات المذهبية ويشاطرون إخوانهم المضطهدين آلامهم وأحزانهم، ولا شك أننا بكفاحنا الإسلامي نستطيع إحباط خطط الأعداء التي ترمي إلى التفريق بين المسلمين. إنه لا ضير في وجود الفرق المذهبية، وليس بوسعنا إلغاؤها، إنما الذي يجب أن نعمل على إيقافه ومنعه هو استغلال هذا الوضع لصالح المغرضين»، وفي نهاية المقال تنقل المجلة عن نواب قوله: «إننا متأكدون أننا سنُقتل إن لم يكن اليوم فغدًا ولكن دماءنا وتضحياتنا سوف تحيي الإسلام وتحفزه إلى النهوض، إن الإسلام بحاجة إلى هذه الدماء والتضحيات اليوم ولن ينهض بدونها أبدًا>.

وبعد أن يستعرض الشهيد الشقاقي آراء شيوخ الأزهر الشريف وتعاونهم في التقريب بين المذاهب الإسلامية يقول:

<ومن جماعة التقريب إلى موكب لا ينتهي من المفكرين الإسلاميين نبدأهم بالشيخ محمد الغزالي يقول في كتابه كيف نفهم الإسلام ص 142: «ولم تنج العقائد من عقبي الاضطراب الذي أصاب سياسة الحكم، ذلك أن شهوات الاستعلاء والاستئثار أقحمت فيها ما ليس منها فإذا المسلمون قسمان كبيران شيعة وسنة مع أن الفريقين يؤمنان بالله وحده وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يزيد أحدهما على الآخر في استجماع عناصر الاعتقاد التي يصلح بها الدين وتلتمس النجاة».

ثم يقول في نفس الصفحة: «ومع أني أذهب في كثير من أحكامي على الأمور مذاهب غير ما يرى الشيعة فلست أعدّ رأيي دينًا يأثم المخالف له وكذلك موقفي بالنسبة لبعض الآراء الفقهية الشائعة بين السنة».

وفي ص 143 يقول: «وكان خاتمة المطاف أن جعل الشقاق بين الشيعة والسنة متصلاً بأصول العقيدة! ليتمزق الدين الواحد مزقتين وتشعب الأمة الواحدة إلى شعبتين كلاهما يتربص بالآخر الدوائر بل يتربص به ريب المنون! إن كل امرئ يعين على هذه الفُرقة بكلمة فهو ممن تتناولهم الآية:

﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إلى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ (الأنعام/ 159)، وأعرف أن المسارعة بالتكفير ميسورة في باب الجدل وأن إلزام الخصم بالكفر نتيجة رأي يقول به أمر سهل في حمى النقاش».

ثم يقول الشيخ الغزالي ص 144 - 145: «... فإن الفريقين يقيمان صلتهما بالإسلام على الإيمان بكتاب الله وسنة رسوله ويتفقان اتفاقًا مطلقًا على الأصول الجامعة في هذا الدين، فإن اشتجرت الآراء بعد ذلك في الفروع الفقهية والتشريعية فإن مذاهب المسلمين كلها سواء في أن للمجتهد أجره أخطأ أم أصاب». ثم يواصل قائلا: «وعندما ندخل مجال الفقه المقارن ونعيش الشقة التي يحدثها الخلاف الفقهي بين رأي ورأي أو بين تصحيح حديث وتضعيفه نجد أن المدى بين الشيعة والسنة كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة والمذهب الفقهي لمالك أو الشافعي».. «نحن نرى الجميع سواء في نشدان الحقيقة وإن اختلفت الأساليب..>.

وبعد عرض طويل لما صدر من مواقف مؤيدة تجاه الدولة الإسلامية في إيران من شبه القارة الهندية حتى شمال أفريقيا يقول الشهيد فتحي الشقاقي في نهاية مقاله:

<هل يمكن بعد كل هذا أن نفهم جوهر الثورة ومهماتها التاريخية وواجبها الإلهي.. إن الإسلام ينبعث من جديد في مواجهة التحدي الغربي الحديث، ويتولى الإسلاميون الإيرانيون اليوم ــ بجانب كل الإسلاميين الواعين الملتزمين ــ حمل راية الانبعاث من أجل تحقيق انتصار الإسلام في الأرض ومن أجل تحقيق الغاية القصوى من حياتنا: (مرضاة الله عزوجل).

ولنستمع إلى المفكر المصري... النصراني والماركسي غالي شكري الذي في هجومه على الثورة الإسلامية يوضح جزءًا من مهمتها الإلهية يقول في مقال نشرته دراسات عربية ونقلته عنها مجلة البيدر السياسي الصادرة في القدس عدد 11 في 1-2 - 1982 ص36 :

«وكان من المفارقات ــ وبعضها لا يزال الواضحة أمام العيون ــ مفكرون عرفوا بتاريخهم الماركسي يتحولون في غمضة عين إلى إسلاميين عتاة... مفكرون ينتمون بحكم شهادة الميلاد إلى المسيحية يتحولون في لحظة إلى مسلمين متطرفين... مفكرون ينتمون بحكم ثقافتهم إلى الغرب وحداثته يتحولون بلا قيد أو شرط إلى شرقيين متعصبين.

وهكذا تحت راية الخميني تجمهرت صفوف من المثقفين العرب باسم إعادة النظر إلى المسلمات وباسم العودة إلى الأصالة بعد طول غربة وتغريب واغتراب وباسم الفشل الذريع الذي منيت به الماركسية أو العلمنة أو اللبرالية والقومية» انتهى كلام غالي شكري الذي استطاع في معرض هجومه وسخريته من المد الخميني أن يفهم جوهر الثورة أكثر من دعاة مسلمين!!

وفي نهاية المقال لا يسعنا إلا أن نردد مع الإمام الخميني كلمة قالها منذ حوالي سبعة عشر عامًا في خطبة له في جمادي الأول 1384هـ:

«الأيدي القذرة التي بثّت الفرقة بين الشيعي والسني في العالم الإسلامي لا هي من الشيعة ولا من السنة.. إنها أيدي الاستعمار التي تريد أن تستولي على البلاد الإسلامية من أيدينا. والدول الاستعمارية.. الدول التي تريد نهب ثرواتنا بوسائل مختلفة وحِيَل متعددة هي التي توجد الفرقة باسم التشيع والتسنن> (انتهى ما نقلناه من مقال الشهيد الشقاقي).
 
ملخّص المشروع التقريبي للشهيد الشقاقي

1 ـ فهم التحديات الكبرى التي تواجه الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
2- فهم التَحول الكبير الذي قاده الإمام الخميني في إيران، والدعوة إلى اتخاذ الموقف الإسلامي الملتزم من الثورة الإسلامية.
3- التركيز على التوجّه التقريبي للعالم الإسلامي، وإبراز الحركة المعادية للتقريب بأنها نشاز ومريب وانحراف عن مقاصد الإسلام.
 


[1] - موقع ويكبيديا، الموسوعة الحرة.

[2] - موقع إسلام أون لاين، من مقال رغداء محمد بندق.

[3] - الجزء الثاني، ص 157 وما بعدها، المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، ط 1، دمشق 1999م.