الدکتور آذرشب : المسلمون بحاجة الى ترسيخ روح الأخوة في مجتمعاتهم لكي يستعيدوا وجودهم كأمة واحدة
قال الباحث الاكاديمي الايراني، الاستاذ في جامعة طهران "الدکتور محمد علي آذرشب" : نحن (المسلمون) نحتاج في مجتمعنا إلى ترسيخ روح الأخوة لكي نستعيد وجودنا كأمة واحدة على ظهر الأرض"؛ متسائلا "كيف نستعيد روح الأخوة في المجتمع؟"، ومؤكدا في معرض الرد : لابد أن نزيح العوامل التي تحول دون عقد الأخوة من المجتمع.
جاء ذلك في كلمة "الدكتور اذرشب"، خلال الاجتماع الافتراضي الذي عقد في اطار المؤتمر الدولي الـ 37 للوحدة الاسلامية الذي يعقد هذا العام تحت شعار "التعاون الاسلامية من اجل بلورة القيم المشتركة".
وفيما يلي، نص كلمة الباحث الاكاديمي الايراني الدكتور محمد علي اذرشب، بهذه المناسبة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.
حديثنا في هذه الجلسة حول الأخوة ودورها في تلاحم الأمة الإسلامية. الأخوة مصطلح مهم نريد التأكيد عليه لأن الإسلام أكد عليه والقرآن أكد عليه والسنة أكدت عليه وتعرفون أن الإسلام ظهر في جزيرة العرب حين كانت القبائل فيه متناحرة وكان المجتمع مشتتا وفي الواقع لم يكن هناك مجتمع وإنما كانت هناك عشائير متفرقة متناحرة مشتتة ومعجزة الإسلام الكبيرة أنه حول هذه القبائل المشتتة إلى أمة متلاحمة وكان المحور الأساس في هذا التلاحم هو الأخوة حيث أكد الإسلام على ذلك في القرآن الكريم إن المؤمنون إخوة. القرآن هو الذي عقد آصرة الأخوة بين الؤمنين وأي خدش يحدث في هذه الأخوة لابد للمسلمين أن يسارعوا في إصلاحه حيث يقول القرآن الكريم: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ" أي خدش يحدث بين الأمة الإسلامية بين المسلمين بين المؤمنين لابد للمسلمين أن يسارعوا في إيجاد الإصلاح بين أفراد المجتمع وهذا ما نحتاج إليه اليوم.
هذا الصراع الدائر اليوم في كثير من أرجاء العالم الإسلامي في داخل العالم الإسلامي نرى ذلك مثلا في داخل السودان أين المؤمنون الذين يدخلون بقوة ليصلحوا بين هؤلاء الإخوة المتقاتلين؟ فلابد إذن من عملية إصلاح إذا حدث خدش في الأخوة والأخوة نعمة كبيرة أنعمها الله سبحانه وتعالى على الأمة الإسلامية ويذكرهم دائما بهذه النعمة حيث يقول: "وَاذكُروا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعداءً" العداوة كانت رائجة في جزيرة العرب بين القبائل بين الأوس والخزرج وجاء الإسلام ليبدل هذه العداوة إلى الأخوة كما يقول الله عزوجل: "وَاذكُروا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعداءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوانًا وَكُنتُم عَلىٰ شَفا حُفرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنقَذَكُم مِنها". على شفا حفرة من النار يعني حينما تخرج الأخوة من الساحة تتحول إلى العداء والله سبحانه وتعالى من عليهم إذ حولهم من أعداء إلى إخوة مؤلفة قلوبهم وقال: "وَاذكُروا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعداءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوانًا".
هذه نعمة كبيرة في الواقع هي نعمة تبديل القبائل المتنازعة المتصارعة إلى أمة لابد أن يكون هناك محور لجمع هذا الشتات حوله وهذا المحور هو الأخوة وعقد الأخوة الذي قرره الإسلام يأتي في هذا السياق، الأخوة بين المهاجرين والأنصار هذا كله يأتي في سياق تأكيد الأخوة وترسيخ روح الأخوة في المجتمع والمهم هنا أن نعرف كيف تتحقق الأخوة في المجتمع؟ يعني نحن في مجتمعنا أيضا نحتاج إلى ترسيخ روح الأخوة لكي نستعيد وجودنا كأمة واحدة على ظهر الأرض؛ كيف نستعيد روح الأخوة في المجتمع؟ لابد أن نزيح العوامل التي تحول دون عقد الأخوة في المجتمع.
ما هي العوامل التي تحول دون تحقق الأخوة في المجتمع؟ أنا أستفيد من الآية الكريمة التي تتحدث طبعا عن أهل الجنة ولكن يمكن أيضا تطبيقها على أهل الأرض اليوم إذ قال سبحانه وتعالى: "وَ نَزَعْنٰا مٰا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوٰاناً" يعني نزع الأغلال من الصدور هو مقدمة لازمة للأخوة وما هي الأغلال؟ الأغلال موجودة اليوم في حياتنا وهي التي تحول دون تحقق الأخوة. أول غل وأصعب غل هو الذاتية والأنانية، حينما تتحول الذات إلى إله تتحول إلى مثل أعلى فإنها سوف تصطدم إلى ذاتيات أخرى، إذا المجتمع غرق في الذاتيات فإنه سوف يغرق في النزاع لأن الذاتيات لاتجتمع، كل واحد كل فرد يحاول أن يحقق ذاتيته وأنانيته فتصطدم هذه الأنانيات وتتحول إلى آلهة حينما تصبح مثلا أعلى من إنسان والله سبحانه وتعالى إستطاع أن يحول هذه الأنانيات الذاتية إلى مثل أعلى حق فالإله الذي كان الذاتية والأنانية تحول إلى الله سبحانه وتعالى وبذلك إنحلت هذه الأنانيات وزادت فيه الحركة نحو المثل الأعلى المطلق وهو الله سبحانه وتعالى.
الغل الآخر الذي يحول دون تحقق الأخوة هو العصبيات العنصرية والعشائرية. هذه العصبيات تجعل الفرد يفكر فقط في دائرة عصبيته وفي دائرة عشيرته وفي دائرة المساحة التي يتحرك فيها وبذلك يصطدم مع الآخرين. العصبيات تجعل الشعوب متناحرة ومتفرقة مثل الذاتيات فلذلك العصبيات القبلية والعنصرية هي التي واجهها الإسلام مواجهة شديدة وأنتم تعرفون أن العصبيات القبلية كانت رائجة في الجزيرة العربية نشهد ذلك في العلاقات بين أبناء الجزيرة العربية ونشهد ذلك في الأشعار في الشعر الجاهلي نرى هذه القبيلة تهجو هذه القبيلة وهذه تهجو تلك القبيلة فالهجاء كان موجودا بين تلك القبائل والصراع كان موجودا بين تلك القبائل والصراع باليد وبالسان كان موجودا بين تلك القبائل فلذلك فإن المهمة الكبرى التي واجهها رسول الله (ص) هو إزالة هذه العصبيات من الجزيرة العربية ونحن نحتاج اليوم أيضا إلى إزالة العصبيات بين الشعوب وبين القبائل وبين الفرس والترك والعرب هذه العصبيات موجودة اليوم نشهدها في كثير من كتب تاريخ الأدب نشهدا في الكثير من الأشعار ونشهدا في الكثير من الكلام الذي يصدر من هنا وهناك وهذا يدل على وجود العصبيات القبلية والعشائرية في يومنا هذا ونحتاج إلى هدي القرآن لكي نستطيع أن نتغلب على هذه العصبيات وإذا تغلبنا عليها تحدث الأخوة فالعصبيات القبلية والعشائرية هي تحول دون تحقق الأخوة في المجتمع الإسلامي. المجتمع الإسلامي اليوم متعدد فيه العرب فيه الترك فيه الهنود فيه الكرد وإذا كانت هناك عصبية بين هذه القوميات فلا يمكن أن تتحقق الأخوة بين الشعوب. الغل الآخر الذي يحول دون إحلال الأخوة هو العصبيات الطائفية. من الطبيعي أن يكون داخل الفكر الإسلامي والفقه الإسلامي مدارس متعددة هناك مدارس متعددة في الأصول والفروع.
إذا تحولت هذه المدارس إلى عصبيات فإنها سوف تفقدنا الكثير من العطاء الذي يمكن يعطينا هذا التعدد في المدارس الفقهية. المدارس الفكرية والمدارس الفقهية هي ثراء للمجتمع الإسلامي ولكن إذا كان بينها وفاق وإذا كان بينها تفاهم أما إذا تحولت إلى نزاع فإنها سوف تفقدنا الفائدة وتتحول الساحة إلى عصبيات عنصرية وهذا ما نشاهده اليوم الصراع بين المذاهب الفكرية والمذاهب الفقهية وهذا طبعا يوفر الفرصة لأعداء الإسلام لكي يدخلوا وينفذوا بين هذه الفرقة وتلك وبذلك تضيع الأخوة وتضيع روح المحبة بين الشعوب الإسلامية.
الغل الآخر الذي يقضي على روح الأخوة بين المسلمين وبين البشرية أيضا هو غل العداء الجنسي بين الرجل والمرأة. يحاول الرجل أن يستضعف المرأة ويستغلها وتظهر أحيانا بعض التيارات التي تحاول أن يعزل الرجل عن دوره في الأسرة وفي المجتمع وهذا أيضا يؤدي إلى الصراع بين الجنسين الرجل والمرأة وطبعا هذا يعني ليس بأقل ضرر من الصراع بين الشعوب والقبائل. التعددية موجودة في المجتمعات منها التعددية الجنسية وتعددية قبلية وتعددية إقليمية ولذلك أكد القرآن على أنه: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا". ما معنى التعارف؟ هو التبادل المعرفي. يعني هذا التعدد يجب أن يتحول إلى التبادل المعرفي بين الرجل والمرأة بين هذه القبيلة وتلك بين هذا الشعب وذلك. إذا كانت العلاقة بين الشعوب والقبائل وبين المرأة والرجل علاقة قائمة على أساس التعارف فإنها سوف تؤدي إلى فض النزاعات وإلى إحلال الوئام والسلام بين الشعوب.
المسئلة المهمة هناك ما هي الأرضية التي تتحرك عليها عمليات إزالة العوائق إزالة الحجب إزالة العوائق التي تحول دون تحقق الأخوة؟ الأرضية التي تتحرك عليها ينبغي أن تكون علاقة حب فالحب أكد عليه الإسلام، "أَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ". العلاقة بين الإنسان وبين الله علاقة حب والعلاقة بين الإنسان والإنسان الآخر علاقة حب وإذا صارت علاقات الحب فإنها سوف تنهي النزاعات وتحول الناس إلى مجموعة متحابة في الله ومتحابة مع بعضها. الحب من الأمور التي ركز أيضا عليها لكي يتحرك عليها المجتمع على هذه الأرضية أي أرضية الحب من أجل إزالة العوائق التي تحول دون تحقق الأخوة في المجتمع الإسلامي. إذن الأخوة تحتاج إلى، أولا إزالة العوائق ثم تحتاج إلى الأرضية التي تتحرك عليها من أجل إزالة العوائق والأرضية كما قلنا هي الحب؛ نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزق أمتنا قدرة على إزالة هذه العوائق التي تحول دون الأخوة وأن يرزقنا أيضا الحب لكي نتحرك في إطاره نحو إزالة هذه العوائق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.