الأمين العام للجمع العالمي للتقريب بين المذاهب بإيران: حديث

الأمين العام للجمع العالمي للتقريب بين المذاهب بإيران: حديث

وكالة الانباء الإسلامية
قال الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية سماحة الشيخ محمد علي التسخيري: إننا نستطيع بكل وضوح أن نقرر إمكان الحوار بشكل واسع الأبعاد بين الأديان لأنها جمعيا تؤمن بنظرية الفطرة الإنسانية وتوابعها وجمعيا تؤمن بقيم مشتركة وكثيرة حتى ليلمح الإنسان تطابقا تاما في أصول القواعد وربما ذكر بعض المؤلفين المسلمين القدامى مجمل تعليمات المسيح واعتبرها تعليمات إسلامية.
وأضاف سماحته: لقد قام محققان فاضلان مسيحيان بإعداد بحث جيد عن القيم والقواعد المشتركة للأحكام القانونية انتهيا فيه الى نتائج جيدة فهما يقولان: (تكفي محاولة إقامة جسور حول السؤال الذي يطرحه الناس نساء ورجالا عندما يريدون أن يعيشوا بمقتضى إيمانهم "ما هي مشيئة الله؟ ماذا يتوجب علي أن افعل" يبدو لنا أن الديانات الإبراهيمية الثلاث تسير في جوابها في اتجاه واحد). وهما يقرران في النهاية وحدة الناس في القيم.
وأشار سماحته: ان الأديان كلها تدعو الى الحوار المنطقي ولما كانت الأديان هي روح الحضارات فان الحوار بينها يفسح المجال لحوار حضاري أصيل ممتد الى مختلف المساحات الحياتية ويوجه الحوار الحضاري نحو مسارات أكثر إنسانية.
وقال الأمين العام: إن السير الطبيعي للبشرية يقتضي أن يسود منطق الحوار باعتبار أن الحضارات تحمل بشكل واضح بصمات الفطرة ولذا ففيها جوانب مشتركة تفسح المجال للحوار لا محالة.
وأفاد الشيخ التسخيري: إننا ذكرنا من قبل أن الأديان تشكل جوهر الحضارات حتى ولو أنكرت الحضارات ذلك وبالتالي تبقى التأثيرات الدينية واضحة المعالم وأخيرا نجد المجالات المشتركة بين الأديان تفسح المجال لحوارات مشتركة بين الحضارات.
هذا بالإضافة الى أن حقيقة امتدت مع البشرية وتعاظمت مساقطها باستمرار وهي هذا الترابط المصلحي بين عمار الأرض وساكنيها على مختلف الأصعدة، وهو ترابط عبرت عنه طموحات الأديان العالمية والفاتحين الكبار بشتى التعابير منذ أقدم العصور واشتد على مر الأيام حتى عدنا اليوم نشبه العالم بقرية صغيرة والعالم هذا لم يصغر ولكن وعينا لترابطه وشدة الالتحام بين أجزائه وهو الذي أوصلنا الى هذه النتيجة.
فلم يعد بمقدور أي بلد أو دولة أن تخطط لبيئتها ولطاقاتها وقوانينها الجوية والبحرية ومواصلاتها ومخابراتها بل وتعليمها وتربيتها وثقافتها ونهضتها واقتصادها ودفاعها بمفردها بعيدا عن ملاحظة ما يجري في العالم.
ومن هنا نعتبر إن الاتجاه نحو العالمية اتجاه طبيعي لا معنى لمقاومته بل يجب تشجيعه ودعمه وإذا كنا نقف بوجه (العولمة) ونعتبرها تحديا خطيرا فإنما ذلك لان هذا من النمط يعني تفسيرا خاصا لهذا الاتجاه يصب في مصلحة القوة العظمى أو فلنقل سيطرتها على مقود المسيرة وتحويلها لصالح امة بعينها مهما كان الأمر.
واضاف سماحة الشيخ محمد التسخيري : إن الحوار هو مقتضى الترابط ووحدة المصير الإنساني ولا بديل له إلا الصراع وهو منطق الغابة لا الإنسان بلا ريب.
فيجب إذن تأكيد إنسانيته وتعميقها بتأصيل القيم الإنسانية فيه ويمكننا الحديث عن هذه القيم في ما يأتي كنماذج فقط وإلا فمجال هذه القيم واسع جدا
وقال الشيخ التسخيري: ومن نماذج القيم المشتركة التي يجب أن تسود قيم الحوار المنطقية وهي قيم إنسانية ثابتة لا تتغير باختلاف الظروف فيجب إن يكون الحوار قائما على مفروضات متفق عليها بين الطرفين وإلا لم يعد منتجا، ويجب أن يدخله الطرفان بروح طلب الحقيقة وان تكون أطراف الحوار بمستوى دراسة الموضوع ويجب أن يتوضح محور الحوار بشكل تام كما يجب أن يكون أمرا علميا لا طوبائيا، ويجب أن تسوده روح احترام الآخر كما يجب أن يتخلص من رواسب الماضي أيضا ويجب أن يتم في جو حر بعيد عن الضغط والعنف والتحايل والضوضاء والتهويل وغير ذلك من مقتضيات الحوار السليم.
وبين سماحة الشيخ التسخيري أن القران الكريم أشار الى كل هذه القيم الحوارية الثابتة في أصالتها.
مبينا –– أن من قيم الحوار العدالة ومعاييرها ومساحاتها فهما اختلفت الآراء وتنوعت المذاهب فانه تبقى هناك مساحات لا يختلف عليها اثنان وهل يختلف احد على ضرورة إعطاء الحق لأهله وان سلب الشعوب حقوقها في الأرض والمصير ظلم وان التنمية والاستثمار الصحيح للموارد أمر حميد وغير ذلك، فيجب اكتشاف هذه المساحات والسعي لتعميمها وتعميم الالتزام بها والاتفاق على الحقوق الأساسية للإنسان والسعي لتوسعة هذا الاتفاق ليشمل الحقوق التفصيلية الأخرى وهو أمر غير صعب إذا حسنت النوايا لان البحث بحث في عمق الوجدان الإنساني وفي قيم تدرك بالفطرة الصافية.
والاتفاق على حدود الحرية الإنسانية ومحاولة ترجمتها الى معالم واضحة وتطبيقات عملية والانطلاق من القيم الإنسانية لتحديد الأيديولوجيات الهدامة كالإرهاب والعنصرية والاستبداد والتفرقة العنصرية والاستعمار، ووضع سلامة البيئة وتعميمها، والاتفاق على مبادئ الفن الرفيع بما يخدم البشرية ويستجلي كوامنها، والاتفاق على نوع التخطيط للصراع ضد التحديات المتفق على رفضها من قبيل الأمراض والفقر والجهل والأمية والتخطيط لتقليل آثار الكوارث الطبيعية والسيول والحرائق وغيرها، وتنظيم الحقوق الدولية المشتركة في مجال الملاحة والمواصلات والمعلومات وأمثال ذلك، وبناء المؤسسات الدولية العاملة بمقاييس متعادلة واحدة بعيدا عن الازدواجية والتفرقة، والوصول الى آليات عملية لتعزيز التضامن وتعميم المسؤولية الإنسانية تجاه عملية السلام ونشر العدالة.
ودعا سماحة الشيخ التسخيري بقوة لتعميم منطق الحوار وقال: آمنا بأنه أمر تقتضيه الحكمة والفطرة والعقل السليم في قبال مقتضيات العاطفة الجامحة والعصبية المقيتة والانحباس في بوتقة الماضي.
وفي هذا الصدد ندعو لتكوين امة من المفكرين من كل الأطراف القائمة في الواقع العملي تعمل على تهيئة الظروف لهذا التعميم وتضع الخطة اللازمة لذلك وارى أن نسميها بالوسطية العالمية أسوة بما ندعو إليه ونسميه داخل الهوية الإسلامية بالوسطية الإسلامية وذلك انطلاقا من إيماننا بان هذه الوسطية لها مفهوم شمولي يعم تصورنا عن الوجود باعتباره متوازنا وموقف الإنسان منه موقفا متوازنا كما يشمل تصورنا عن التاريخ والعوامل المؤثرة فيه فضلا عن كونه تعبيرا عن طبيعة الإسلام وموقفنا منه أيضا.
ومن هذا المنطلق الوسطي نرى أن تعتمد الخطة العالمية الدعوة الى التفرقة الجادة بين الثنائيات الحدية المتناقضة أو المتضادة بحكم قطعي من قبيل ثنائيات (الوجود والعدم) و(التوحيد والشرك) و(الإطلاق والنسبية) وأمثالها، وبين الثنائيات اللاحدية أو المصطنعة من قبيل (أنا الخير والآخر الشر) (إما محاربة الإرهاب أو الكون معه) (إما أن تكون ماركسيا أو فأنت لا تفهم الماركسية) و (أنا التوحيد وما عداي الشرك) و(أنا التمدن وما عداي التوحش) و(أما أنا أو الهمجية) .
فان النمط الأول مما يمكن الاتفاق عليه ، أما النمط الثاني فهو من قبيل الأصنام الفكرية التي تتم عبر عملية(تصعيد) ذهنية أو تاريخية أو عصبية فيتحول النسبي فيها الى مطلق وبالتالي يقيد كل عمليات التفكير ويمنع كل احتمالات التطور.
ويكمل الشيخ التسخيري حديثه فيقول: يجب الإذعان للقيم الإنسانية المشتركة التي اشرنا إليها ودل عليها الوجدان، والعمل على إشاعة روح الانفتاح الواعي على الحاضر وعدم الانحباس الأعمى في الماضي أو حتى النظريات التي تم القبول بها مع احتمال وجود ثغرات فكرية فيها، والسعي لتعميم أن كل الحضارات لا بد أن تستقي من الفطرة بعض مكوناتها أو على الأقل نبقى احتمال استقائها واردا وحينئذ تنفتح أمامنا كوى الحوار، والاتجاه نجو تعميق مفهوم التطور الفكري والإبداع الجديد وعدم التأثر بمفهوم (ليس بالإمكان أبدع مما كان) وإبقاء روح اكتشاف الحقائق حية دافعة متدفقة، والسعي نحو تعميم الإحساس الإنساني المشترك بالأخطار التي تهدد البشرية جمعاء ولا تفرق بين حضارة وحضارة وقومية وأخرى ومنطقة وثانية كالمرض والجهل ونقص المعنويات وتلويث البيئة وتفكك العائلة وسيادة منطق العدوان وغيرها،
والدعوة الى تغليب التعقل على عنصر التطرف فهو أمر يعمي البصيرة ويمنع من التفكير بهدوء مهما كانت الأيديولوجية، والسعي للتواصل الى حل متوازن بين الاتجاه العالمي وبين احتفاظ الشعوب والأمم بخواصها الثقافية وغيرها وهذه الجادة الوسطى هي التي تضمن نجاح الاتجاه العالمي من جهة لكيلا يصطدم بالعقبات الجادة كما يحفظ للبشرية والأمم ثرواتها المتنوعة على مختلف الصعد فنحقق بذلك مبدأ فلسفيا يقول بالكثرة في عين الوحدة، والدعوة الى ضرورة تثقيف الجميع وبان مصالح الأمم هي جزء من ما تؤكد عليه قيمها وحينئذ لن يقوم هناك تناقض بين القيم والمصالح وتتهيأ فرص واسعة للحوار، وتعميق الروح الموضوعية الإنسانية لمحو الروح الاستعلائية العنصرية من جهة وعدم التأكيد على القيم الحضارية الخاصة واعتبارها قمة الإنتاج الحضاري واعتبار ما عداها تخلفا.
وختم الشيخ التسخيري حديثه مؤكدا على بوادر الأمل بالمستقبل الواعد، وقال: هي من وجهة نظرنا كثيرة فهذا القبول العالمي بحوار الحضارات في الأمم المتحدة وهذه اللقاءات المتتابعة منذ الثلاثينات في القرن الماضي وعلى مختلف المستويات، وهذا الانفتاح من قبل المرجعيات الدينية المتنوعة على الحوار وهذا الاتجاه الواسع نحو المعنويات وهذه المعلوماتية المنتشرة والتي تكشف الحقائق أمام الجميع كل هذا وغيره يعدنا بمستقبل مثالي رغم ما نواجهه من تحديات العولمة المصلحية والنظريات الاستعلائية والظلم الفاحش ضد الشعوب والاحتلال والإرهاب الفردي والرسمي والتعامل المزدوج
ذلك إننا نؤمن ونرى أن قوى الخير تنتصر على عوامل الشر وفقا لسنن الله في الحياة.