النجف الاشرف مدينة المرجعية التاريخية المدافعة لأكثر من الف عام عن حمى الدين
اقيم اليوم في العاصمة الايرانية طهران مؤتمر "دراسة العلاقات الثقافية بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والعراق" برعاية المكتبة الوطنية التابعة لمجلس الشورى الاسلامي في ايران، حضره الدكتور علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الاسلامي وآية الله الشيخ محمد علي التسخيري الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامبة الى جانب وفد عراقي رفيع المستوى يضم الدكتور ابراهيم الجعفري رئيس مجلس الحكم العراقي سابقا ونائب في البرلمان العراقي، والدكتور احمد الجلبي رئيس حزب المؤتمر العراقي والسيد عبد الجبار الرفاعي المسشتار الاعلى للرئيس العراقي، ومئتين من اساتذة الجامعات العراقية والحوزات العلمية الاسلامية وعدد من نواب البرلمان العراقي. كما شارك من الجانب الايراني حجة الاسلام السيد قاضي عسكر امير الحاج الايراني، وحجة الاسلام السيد نواب رئيس جامعة الاديان والمذاهب بمدينة قم والدكتور حداد عادل رئيس اللجنة الثقافية في مجلس الشورى الايراني وعدد من النخب السياسية والثقافية في الجمهورية الاسلامية.
وافتتح المؤتمر الدكتور علي لاريجاني رئيس المجلس الشورى الاسلامي بكلمته التي تطرق فيها الى ضرورة تطور العلاقات الثقافية بين البلدين ايران والعراق وشدد على ان هذين البلدين حملا الحضارة الانسانية منذ آلاف السنين كما انهما لعبا دورا كبيرا في تكوين الحضارة الاسلامية.
واشار لاريجاني الى الثورات التي تشهدها المنطقة قائلا: الفرصة الذهبية قد توفرت لدول المنطقة للتحرر من نير الديكتاتوريات الحاكمة في هذه الدول.
وشدد رئيس السلطة التشريعية في ايران على ايجاد اجواء الحرية في الدول قائلا: لايمكن ان تنهض اي دولة او بلد معين الا من خلال ايجاد اجواء الحرية والديمقراطية والا فان كافة الطاقات وكافة الامكانيات ستهدر وسوف تقمع مع وجود الانظمة الديكتاتورية.
وتابع لاريجاني، لذلك ينبغي استغلال الظروف الاستثنائية المتوفرة حاليا من اجل ان تشهد هذه المنطقة وهذه البلدان ثورة ثقافية وثورة حضارية في المستقبل، مشيرا الى التحول الكبير الذي حدث في ايران بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران، على اكثر من صعيد وخاصة على الصعيد العلمي والتطور الفكري والثقافي والذي جاء نتيجة لاستقلالها السياسي وتخلصها من النظام الديكتاتوري. لذلك ينبغي ايجاد اجواء من الانفتاح والحرية لدول المنطقة لكي تتطور وتنمو.
وقارن الدكتور لاريجاني المجمع العراقي بعد تحرره من النظام الصدامي البائد، بالمجتمع الايراني ابّان انتصار الثورة الاسلامية والتخلص من النظام البهلوي، مشيرا الى ان المجتمع العراقي اليوم بحاجة الى التطور والنمو ومواكبة التغيرات التي حرم منها خلال فترة حكم النظام السابق.
واردف لاريجاني، يجب ان تتوفر الاجواء اللازمة كي يظهر العلماء والمفكرون العراقيون في الساحة وترشيد كفاءاتهم في صالح المجتمع العراقي ونموه على كافة الاصعدة.
بدوره القى اية الله الشيخ محمد على التسخيري كلمة بالناسبة اشاد فيها باختيار مدينة النجف الاشرف عاصمة للثقافة الاسلامية للعام ٢٠١٢م قائلا: لقد كان اختيار النجف عاصمة ثقافية للعالم الاسلامي محل استقبال كبير من قبل العلماء والمفكرين وكل المتحرقين لقضية الثقافة في عالمنا الاسلامي.
وتابع سماحته: فهي مدينة المرجعية التاريخية المدافعة لاكثر من الف عام عن حمى الدين وثغور الاسلام كاقوى ما يكون الدفاع والى حد استماتة.
وقال التسخيري "ان وجود مرقد الامام علي (ع) في مدينة النجف جعلها مهوى للقلوب بالاضافة الى وجود مقامات الانبياء كهود (ع) والامام زين العابدين (ع) والامام المهدي(عج) والمساجد التاريخية كمسجد الحنانة ومسجد عمران بن شاهين والخضراء والمقداد اليسوري وغيرها".
وحول الدور العلمي الذي لعبته مدينة النجف اثراءاً للثقافة الاسلامية قال سماحته : بقيت (النجف) على مر السنين منارا للتعليم و التبليغ الديني والمرجعية الفقهية والفكرية تنجب العلماء جيلا بعد جيل وبوتيرة متصاعدة وتألق مستمر في حين كانت الحواضر العلمية الاخرى في العراق وباقي البلدان الاسلامية تتشكل وتضمحل.
وفي هذا السياق اشار التسخيري الى اسماء كوكبة من العلماء المتقدمين منهم والمتاخرين الذين تخرجوا من النجف الاشرف ومنهم اشار سماحته الى الشيخ الصوسي الكبير وولده الحسن وتلامذته الذين كانوا بالمئات، ومن المتاخيرن العلامة الكبير السيد محمد مهدي بحر العلوم( ت ١٢١٢هـ) والعلامة الكبير السيد جواد العاملي صاحب "مفتاح الكرامة" (ت ١٢٢٦هـ) والعلامة الشيخ محمد حسن النجفي صاحب (جواهر الكلام) (ت ١٢٦٦هـ) وغيرم من العلماء المعاصرين كالشيرازي والخوئي والصدر والامام الخميني والشاهرودي.
ونوه الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بالدور الجهادي الذي مارسته النجف دفاعا عن حقوق الشعوب الاسلامية في كل العالم الاسلامي. وقال: ان الدور الجهادي في مدينة النجف بدأ منذ ان ظهرت عمارتها بظهور القبر العلوي الشريف عام ١٧٠ هـ وسطع نجمها مشيرا الى مقاطع مهمة في هذا المجال ومنها:
"- دورها اثناء الحروب المخربة والمؤسفة بين الصفويين والعثمانيين في القرن العاشر والحادي عشر مما جر عليها الخراب.
- دورها خلال الحصار الوهابي والنهب والسلب حيث جاء من الرحبة عام ١٢١٦هـ وتكرر بعد ذلك كما ذكر صاحب (مفتاح الكرامة ) السيد العاملي وهو من المقاويمن.
- الدور الجهادي لعلماء النجف وصراعهم ضد الانكليز دفاعا عن الدولة الاسلامية العثمانية حيث كان المرحوم السيد محمد سعيد الحبوبي والمرحوم شيخ الشريعة من القادة فيه، وان كان التراك لم يعطوها حقها بل هاجموها بقوة."
وشدد التسخيري على مكانة النجف الاشرف الادبية بقوله : ينبغي ان لا نهمل دور النجف الادبي والشعري؛ فقد كانت ولا تزال رافدا عظيما للغة العربية والدب وتخرج فيها مئات الشعرائ الكبار عبر التاريخ وفي العصر الاخير كالجواهري والشبيبي وبحر العلوم والظالمي والفرطوسي والوائلي وغيرهم.
وفي الختام اكد اية الله التسخيري عمق العلاقات الثقافية بين الشعبين الايراني والعراقي معتبرا انهما يكملان بعضهما البعض بفضل القواسم الثقافية المشتركة التي يتمتع بها الشعبان وتاريخهما المشترك مما يؤهلهما لخدمة المسلمين وتحقيق الاهداف الاسلامية الخالدة.
ومن جانبه قدم عضو البرلمان العراقي الدكتور ابراهيم الجعفري كلمة اشار فيها الى نظرة القران الكريم للاختلافات الموجودة بين البشر، مقارنة بنظرة الغرب لهذه القضية، مبينا ان القران الكريم يعتبر ان الاختلاف لا يقف مانعا امام التآلف والمحبة والانسجام، بينما الغرب وغير المسلمين يعتبرون الاختلافات سبيلا للحروب والصراعات.
وفي هذا الشأن اشار الجعفري الى الحروب التي عانت منها الدول الاوروبية متأثرة بنظريات الفلاسفة ومنظري العالم الغربي التي تؤكد على صراع الحضارات بدلا من الحوار بينها، ودعى الجعفري الى تعزيز ثقافة الاخوة والمحبة بين شعوب العالم الاسلامي ونشر ثقافة الحوار.
واشاد العضو في البرلمان العراقي بمواقف الجمهورية الاسلامية الايراني تجاه المعارضة العراقية مشيرا الى انها احتضنت المعارضة العراقية لسنين طويلة واستمر الدعم الايراني لها حتى زوال نظام صدام حسين وارساء الديمقراطية في العراق.
وحول العلاقات الايرانية العراقية في المرحلة الراهنة قال الجعفري ان العراق عازم على ايجاد علاقة استراتيجية مع الجمهورية الاسلامية على كافة الاصعدة والمستويات.
يذكر ان مؤتمر دراسة العلاقات الثقافية الايرانية والعراقية سيستمر في اعماله لثلاثة ايام ويعد خطوة مهمة في توطيد العلاقات بين البلدين وازالة كافة العقبات وتذليل الصعوبات في هذا المجال، كما يهدف الى افشال مؤامرات الجهات والتيارات التي تدعو الى تشويه العلاقات الايرانية العراقية والاخلال فيها.